:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/13890

محكومين هنا ان نعيش على الحراب -إسرائيل اليوم

2017-10-28

لم نؤمن بأن أمراً طيباً بهذا القدر حصل لنا: ها هي رؤيا ثيودور هرتسل تتحقق بعد 13 سنة من موته، والامبراطورية البريطانية، التي كادت تحتل فلسطين، تعلن بشكل رسمي أنها مستعدة لتمنح لليهود وطنا قوميا في «بلاد اسرائيل». اما العرب فلم يؤمنوا بأن أمرا فظيعا كهذا سيحصل لهم: الامبراطورية التركية الاسلامية تنهار امام ناظريهم، فيما الحكام الجدد يتجاهلون تماما 90 في المئة من سكان هذه البلاد، ويكتفون فقط بذكر عام للحقوق الشخصية لمن ليسوا يهودا، اما اليهود الـ 10 في المئة المتبقون – فيتلقون وعدا قوميا، انطلاقا من التقدير – أغلب الظن – ان بمساعدة اليهود الذين سيهاجرون من اوروبا قريبا سيصبحون أغلبية في البلاد. عالمهم خرب عليهم.
مرت 100 سنة، والكل يسأل كيف حصل هذا؟ كيف حالفنا الحظ هكذا؟ لماذا اتخذ البريطانيون مثل هذا القرار، وكيف حصل ان قررت لجنة الانتداب في سان ريمو، بعد ثلاث سنوات من ذلك، منحهم الانتداب على بلاد اسرائيل كي يوطنوا فيها الشعب اليهودي؟ فهل هذا تدين رئيس الوزراء لويد جورج ورئيس الوزراء في الماضي ووزير الخارجية والمستوطنات في تلك الساعة، اللورد بلفور، هو الذي دفعهما ليريا في اليهود مبشري انتصار المسيحية؟ هل هو البروفيسور حاييم وايزمان، الكيميائي الكفؤ، الذي نجح في انتاج مفعل مصطنع لاغراض مدفعية جلالة الملك، فساهم بذلك في نجاح الجيش البريطاني؟ هل كان هذا النشاط السري لحركة «نيل»، التي تحفظت المؤسسة اليهودية في البلاد على انها تساعد البريطانيين وبالتالي تعرض يهود البلاد للخطر، ولكن البريطانيين قدروا ذلك لدرجة أن أهرونسون حضر في المناسبة التي تلقى فيها اللورد ليونيل وولتر روتشيلد تصريح بلفور؟
هل كان اللورد روتشيلد هو الذي سعت الحكومة البريطانية الى ارضائه؟ النعجة السوداء في عائلة المصرفيين الذي درج على التجول في شوارع لندن في عربة مربوطة بحمارين وحشيين وأعجب النخبة البريطانية؟ هل كانت هذه مصلحة جغرافية سياسية لبريطانيا لضمان الطريق الى الهند، من خلال القاطع الاقليمي الذي كانوا سيحظون به؟ هل صدر التصريح من أجل غمز يهود أميركا؟
من الصعب الحسم، ويحتمل جدا أن تكون هذه جملة من كل هذه العوامل معا، ولكن هذه كانت بلا شك لحظة رحمة من ناحيتنا. فالحركة الصهيونية، التي كان روتشيلد رئيس فرعها اللندني، حصلت لاول مرة على اعتراف رسمي، والتصريح هو قرار رسمي من الحكومة البريطانية، 12 مسودة سبقته. فلم يصدر اعتباطا أو على عجل.

بناء الرواية
فهم الانتداب البريطاني بسرعة كبيرة المصاعب التي ينطوي عليها تنفيذ التصريح. ومنذ العام 1922 نزعت منه الضفة الشرقية للأردن. اما استياء العرب، وخوفهم من الهجرة اليهودية التي ستجعلهم اقلية، والعنف الذي استخدموه، وعداء اليهود والعرب معا للسلطات البريطانية واتهامها بتفضيل الغير – كل هذه دفعت البريطانيين للبحث عن سبل الهروب. بعد نحو 20 سنة من ذلك اقترحت لجنة «بيل»، التي اقامتها الحكومة البريطانية، أن تقام غربي نهر الاردن دولتان، يهودية وعربية. دولة صغيرة لليهود ودولة أكبر للعرب. من تلك اللحظة اصبح حل الدولتين، الذي لم ينفذ ابدا، الفكرة الاكثر معقولية للتسوية بين الشعبين اللذين يعيشان هنا. اليهود لم ينجحوا في أن يصبحوا اغلبية، سواء بسبب القيود التي فرضتها عليهم سلطات الانتداب، أم لأنهم فضلوا مقاصد اخرى كاوطان جديدة لهم. ولما لم يبدُ انهم سيصبحون أغلبية في اقرب وقت ممكن ولما كانت كراهية اليهود في اوروبا بلغت ذرى لم يشهد لها مثيل حتى ذلك الحين، فقد وافقت القيادة الصهيونية على دراسة خيار الدولتين، بينما فضلت محافل اليمين اليهودي الانتظار. اما العرب، من ناحيتهم، فلم يوافقوا في اي شكل من الاشكال على ان تقام هنا سيادة يهودية، ولم يفهموا لماذا يتعين على الاغلبية العربية الكبرى غربي الاردن ان تتقاسم الارض مع الاقلية اليهودية الصغيرة.
اما البريطانيون، فبدلا من الاصرار على الحبل الذي هم انفسهم اقترحوه، فقد تراجعوا عنه وتوجهوا الى فرض قيود اقسى على الطرف اليهودي، سواء على حقه في شراء الاراضي ام على حقه في الهجرة الى «بلاد اسرائيل». من الصعب ان نعرف كم يهوديا كان يمكن انقاذه في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية لو كانت لنا منذ ذلك الحين دولة يهودية. من الافضل الا نفكر في ذلك.
وهكذا نشأت الروايتان. في الطرف اليهودي كان غضب شديد على البريطانيين الذين وعدوا بمساعدتنا في أن نقيم هنا «وطنا قوميا» (المفهوم الجديد في حينه الذي كان من الصعب تفسيره بغير دولة)، وفي الطرف العربي كان غضب متواصل على الاستعداد البريطاني لان تقيم بريطانيا هنا دولة للأقلية اليهودية.

صالح الطرفين
اعترف هنا باني الى ان بدأت نشاطي السياسي لم افهم شدة الكراهية الفلسطينية والعربية لما يسمى بالعربية «وعد بلفور». فما يعد بالنسبة لنا انجازا صهيونيا لامعا، يعد من جانبهم هزيمة لزعامتهم امام العالم التهكمي الذي سمح لشعب - معظمه ان لم يكن كله - يعيش في اوروبا، ان يهاجر الى بلاد كانوا هم العرب يسكنونها على مدى مئات السنين.
لقد كانت هذه اهانة تفسر لماذا يطلب الفلسطينيون من البريطانيين أن يتعذروا عن التصريح الذي صدر قبل 100 سنة. وبذات القدر يمكن ايضا للصهاينة ان يطلبوا من بريطانيا الاعتذار عن عدم الايفاء بكلمتها وعدم اقامتها وطنا قوميا لنا. لا حاجة بالطبع لتعتذر حكومة بريطانيا عن تصريح بلفور، ومن حقها ايضا أن تكون فخورة في أنها منحت شرعية للحركة الصهيونية وأنها فهمت الحاجة العاجلة لاقامة سيادة يهودية من اجل انقاذ يهود اوروبا.
ولكن من مسافة الزمن على الجميع ان يفهموا أنه اذا لم يقم هنا الى جانب الوطن القومي للشعب اليهودي وطن قومي للفلسطينيين، فسنكون محكومين هنا بان نعيش على الحراب. على اسرائيل أن تكون موقع جذب لليهود وليس مكانا للخوف منه. فعدم اقامة وطن قومي للفلسطينيين ستتسبب، في مدى سنوات قليلة، بسيطرة اقلية يهودية على اغلبية عربية.
لا يوجد شيء اكثر من ذلك يتعارض مع رؤيا الصهيونية، التي لبابها دولة يهودية ديمقراطية. لقد حان الوقت لتحويل الوثيقة التاريخية لبلفور من تصريح «محصلة الصفر» الى تسوية تجلب انجازا كبيرا للطرفين.