لا داعـي لحصـار غــزة بــعــد فــتــح المعابــر-ع
2017-11-05
عزف السلامين الوطنيين الفلسطيني والمصري حدد الانتقال الرسمي للسيطرة على المعابر في غزة الى ايدي حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية. كان من المناسب أيضا أن يعزف السلام الوطني الاسرائيلي في هذه المناسبة، حيث إن الاتفاق الذي عملت عليه مصر في الأشهر الأخيرة ما كان ليتم لو لم توافق عليه اسرائيل بهز رأسها وتعطيه موافقتها.
خلافا للسياسة الثابتة، والتي تقضي بعدم التعاون مع «حماس» أو مع حكومة الوحدة الوطنية التي تضم «حماس» و»فتح»، فان إسرائيل رضيت بالاتفاق الجديد. لم يكن ذلك هو التجاهل الوحيد لاسرائيل في بنود اتفاق المعابر الذي وقعت عليه مع الفلسطينيين في 2005. بالرغم من إن المصريين، السلطة الفلسطينية، و»حماس» أعلنوا أن ادارة المعابر، وخاصة فتح معبر رفح، سيتم حسب الاتفاق الذي وقعت عليه اسرائيل في 2005، الاتفاقات هذه المرة لا تتضمن اشرافا من قبل الاتحاد الاوروبي. إضافة لذلك فان طريقة المراقبة، نقل البضائع واعطاء تأشيرات المرور للسكان، لن تتم طبقا لاتفاق 2005. ان الأهم هو أن معبر رفح سيعود للعمل بعد اسبوعين بالرغم من أنه في الاتفاق فرضت إسرائيل قيودا على فتحه. ولكن في 2005 لم تشارك مصر في النقاشات، لهذا فانها متحررة من الشروط التي وضعتها اسرائيل في الاتفاق.
ان نقل ادارة المعابر الى ايدي الحكومة الفلسطينية – والذي هو جزء من المصالحة بين «فتح» و»حماس» ومن تعزيز العلاقات بين مصر و»حماس» – يضع اسرائيل امام تناقض سياسي وأمني. ليس فقط أنها وجدت نفسها مشاركة مع حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني، خلافا لموقفها، بل ان الفتح المتوقع لمعبر رفح يجعل الاغلاق على غزة غير ذي معنى. التبرير في نظر اسرائيل هو ان السيطرة على المعابر موجودة في ايدي رجال شرطة السلطة الفلسطينية، ولهذا فان الاتفاق «مقبول». بالرغم من ان هؤلاء يعملون بالتنسيق الكامل مع «حماس».
مصر، التي كانت شريكة كاملة لاسرائيل في تطبيق الاغلاق، تنسحب فعلياً من الاتفاق غير المكتوب معها. صحيح أن القاهرة ستواصل التدقيق في هوية المارين في المعبر، وستعمل على منع حركة نشطاء الارهاب بين غزة وسيناء وبالعكس، ولكن بكل ما يتعلق بالعقاب الاقتصادي لغزة كوسيلة لسحق «حماس» – فانها تغير الاتجاه بصورة كاملة. وبهذا تتبنى مصر المصالحة الفلسطينية وحكومة الوفاق الوطني كجسم مسؤول ومعترف به للدولة الفلسطينية.
نقل السيطرة على المعابر هي فقط خطوة اولى في تشكيل النظام الفلسطيني الموحد. هذه الخطوة جزء من الاعتراف الفلسطيني والمصري بان اتفاق سلام كامل قائم على صيغة الدولتين ليس واقعيا طالما انه توجد في اسرائيل حكومة يمين متطرف وطالما ان الولايات المتحدة تتعامل مع العملية السياسية كلعبة. بالرغم من تصريح محمود عباس القائل إن كل حكومة فلسطينية موحدة يتم تشكيلها يجب أن تعترف بدولة اسرائيل، فمن الواضح لـ «حماس» أن تصريحا كهذا ليس فقط غير ملزم لها، الآن، بل هو أيضا ليس له تداعيات حقيقية. من وجهة نظر «حماس»، من المفضل قبول ما يمكن تحقيقه في المجال العملي، قبل النقاش في الجوانب الايديولوجية.
رئيس الذراع السياسية لـ «حماس» في غزة، يحيى السنوار، ورئيس المكتب السياسي لـ «حماس»، اسماعيل هنية، يبدوان في هذه المرحلة كزعيمين برغماتيين. كلاهما دعم تغيير ميثاق «حماس»، الذي نشر في ايار الماضي، وكذلك قبل بشروط مصر التي أيدتها السعودية ودول الامارات. من ناحية «حماس» فإن هذا تحول استراتيجي يشير الى استعدادها للتنازل عن اعادة اعتمادها على ايران، بالرغم من الزيارة المغطاة اعلاميا التي قام بها عدد من زعمائها الى طهران في الشهر الماضي. الان تستطيع «حماس» الاستعداد للخطوات السياسية في فلسطين، من بينها انتخابات برلمانية ورئاسية، من شأنها أن تجلب لها مكاسب جديدة. اذا جلبت المصالحة الفلسطينية ايضا مكاسب اقتصادية مهمة في غزة، مثل اقامة ميناء ومحطة طاقة جديدة – خصصت لها اموال من قبل دولة الامارات – يمكن لـ «حماس» أن تعزز قوتها السياسية بصورة أكثر من خلال الازدهار الاقتصادي أكثر من «نشاطات المقاومة».
اتفاق المصالحة الفلسطيني ما زال غير مطبق بصورة كاملة، وتنفيذه مملوء بالالغام المتفجرة التي من شأنها تدميره في المرحلة القريبة، عندما يتم فيها بحث توزيع الوظائف وتوزيع الميزانيات. تفكيك سلاح «حماس» ليس مطروحاً على الأجندة، كما لا يوجد اتفاق حتى الان على موعد الانتخابات. ولكن مجرد نقل السيطرة على المعابر من شأنه أن يهدئ صراعات القوة، لانه لا يوجد اي طرف يريد ان يظهر كمسؤول ومتهم بتخريب قناة التطوير في غزة وفي إدامة الانقسام بين شطري الوطن. ولكن يجدر القول ان هذه التبريرات لم يأخذها كلا الطرفين طوال اكثر من عقد حيث ظلت فيها غزة تحت الحصار.
في هذا السياق تجدر الاشارة الى عقلانية مصر التي وافقت على فتح معبر رفح كمكافأة مقابل المصالحة. مصر أيضا أحسنت فهم عدم اشتراط فتح المعابر في تطبيق المصالحة واكتفت بشرط ان تقوم قوات من حكومة الوفاق الوطني بتشغيل المعابر في الجانب الفلسطيني. بهذا فان مصر نقلت الى ايديها قيادة المعركة السياسية الفلسطينية، وجددت دورها كراعية، ليس فقط في الجانب الاقتصادي والسياسي بل ايضا العسكري. ان منع المواجهة المتوقعة بين اسرائيل وغزة دليل هام على ذلك، وهي بذلك تلغي وحدانية إسرائيل في إدارة شؤون غزة.
السؤال الان هو هل ستحسن إسرائيل استغلال الظروف السياسية التي أجبرت «حماس» على القيام بمراجعة سياستها. هل ستوافق اسرائيل على التعاون مع حكومة الوفاق الفلسطينية أم أنها ستستمر في التمسك بسياسة الشعارات التي ترى من خلالها غزة فقط من خلال فوهات البنادق. على ما يبدو فان من هو غير معني بدفع عملية السلام ويرى في «السلام الاقتصادي» طريقا للهروب من المفاوضات السياسية، يجب عليه الان دفع المصالحة الفلسطينية والاعتراف بنتائجها السياسية من أجل تعزيز الاقتصاد الفلسطيني. ولكن المنطق ليس بالضرورة هو المنارة التي تنير طريق السياسة الاسرائيلية في «المناطق».