:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/14051

الترحيل العقلي -هآرتس

2017-11-16

يخلد إرث رحبعام زئيفي ("الترحيل الطوعي") كل الوقت في غور الاردن. طريق 90 هناك يسمى على اسمه، في ظل تبني لقبه اللاذع – غاندي. على كل يافطة كتب "طريق غاندي"، حيث يرتبط التطلع الاسرائيلي غير الخفي للتخلص من الفلسطينيين بأحد الرموز الدولية للتحرر من الاستعمار.
فها هو وزير البناء والاسكان، يوآف غالنت، يأتي، بمساعدة هيئة البث "كان"، ليرحل الفلسطينيين. فقد قال في اخبار الصباح، الخميس الماضي (9 تشرين الثاني) إنه "في غور الاردن بعد خمسين سنة، يوجد 5 آلاف شخص بالإجمال".
لم يقل يهوداً، لم يقل إسرائيليين. قال "شخصا". والمذيع المجرب لم يقاطعه وقال: "لحظة، لحظة، في غور الاردن يعيش نحو 70 ألف فلسطيني على الأقل، وهم كانوا هناك حتى قبل 1967. ففي العوجا وحدها يسكن نحو 5 آلاف شخص. وفي الجفتلك عدد مشابه. وتعالوا لا ننسى مدينة أريحا، التي يبلغ عدد سكانها 35 ألفا، وكذا آلاف عائلات الرعاة التي تعتبر الغور بيتها".
روجت اخبار التلفاز في الهيئة قبل مساء من ذلك لخطة الوزير غالنت لحث المزيد من اليهود على الهجرة الى الغور. فقد شرحت المراسلة فقالت إنه "يسكن في الغور اليوم نحو 6 آلاف شخص فقط"، ولم يعدل أحد قولها. والامر يتكرر في موقع "كان": "يسكن في المنطقة اليوم 6 آلاف شخص فقط"، كما جاء في النبأ الذي يلخص التقرير في التلفاز.
لقد أبدى غالنت وصحافيو الهيئة سوء معرفة متطرفا لمعنى الكلمة التي اختاروها أو سمحوا باستخدامها، في السياق المذكور. فحتى لو كان الصحافيون أنفسهم يعارضون الابعاد، إلا أنهم نفذوا ترحيلا عقليا لعشرات آلاف الفلسطينيين، في ظل استيعاب الرؤيا الصهيونية المطلقة.
وها هي صدفة ليست بصدفة: بعد نحو ساعة من المقابلة الصحافية مع غالنت في الاذاعة في 9 تشرين الثاني، وصل جنود، بتكليف من قائد المنطقة، روني نوما، لتنفيذ أكثر من شطب لفظي: فقد وضعوا على الطريق أمر ابعاد لنحو 300 راع فلسطيني وعائلاتهم، في منطقة المجلس القروي المالح. والامر ليس موجها لأحد ولم يسلم شخصيا لأي شخص. الجنود نفذوا الأمر، بل استعرضوا الاستخفاف العميق بانسانية وحقوق الفلسطينيين، ربما مثلما تعلموا واستوعبوا من قادتهم في الجيش وفي الادارة المدنية وفي جهاز التعليم.
لم تنجح اسرائيل في اغراء عدد أكبر من الاسرائيليين للاستيطان في الغور، رغم وفرة المياه والارض التي تسرقها من الفلسطينيين وتنقلها الى المستوطنات. ولكنها نجحت بالفعل في تنغيص عيش الفلسطينيين فيه. فنحو 200 ألف على الاقل، ممن هربوا وطردوا في 1967، لا يسمح لهم بالعودة.
منذئذ واسرائيل تمنع التجمعات السكانية الفلسطينية في الغور من النمو والازدياد بشكل طبيعي، بجملة من الاساليب المخادعة التي فصلناها عشرات المرات، والتي تهرب الشباب من قراهم الى جيوب أ: المناطق المغلقة لاغراض التدريبات العسكرية، المحميات الطبيعية، البؤر الاستيطانية العنيفة، مصادرات الارض، منع الربط بشبكات المياه والكهرباء، محظورات البناء، الاغلاقات والحواجز، منع الوصول الى الينابيع، تجفيف الينابيع وهلم جرا.
لقد روى أحد الرعاة القدامى فقال لـ "هآرتس": "في السبعينيات أطلق الجيش النار على قطعاني كي يطردنا. لم ننصرف، وعندها اعتقلونا وأفرجوا عنا مقابل الكثير من المال. بعثنا بأبنائنا للرعي بدلا منا، وعندها صادر الجنود القطعان وألزمونا بفديتها بثمن كامل. فديناها. وفي 1993 – 1994 بدأوا بسياسة هدم مبانينا"، بمعنى مع بداية عصر "اوسلو".
تراث غاندي للابعاد الطوعي لا يحتاج الى تخليد؛ فهو يخلد كل الوقت.