حسم أعداد المستوطنين-أنطوان شلحت
2017-11-29
سجّل الوزير الإسرائيلي السابق، حاييم رامون، أن نحو 400 ألف مستوطن كولونيالي يهودي يقيمون اليوم في أراضي الضفة الغربية المحتلة باستثناء منطقة القدس الشرقية. وجزم أن "من الواضح للجميع أنه لن يجري إخلاء المستوطنين اليهود في مناطق القدس الشرقية في إطار أي اتفاق تسوية في المستقبل". ووفقًا لأحدث الإحصاءات، يصل عدد هؤلاء المستوطنين أيضًا إلى نحو 400 ألف.
وتابع رامون إن من بين مستوطني الضفة يعيش نحو 300 ألف في ما تسمى "الكتل الاستيطانية الكبرى" التي يوجد إجماع قومي بشأن "ضرورة بقائها تحت السيادة الإسرائيلية". وبرأيه "حتى ممثلو السلطة الفلسطينية وافقوا، ضمن جولات المفاوضات السابقة، على أن هذه الكتل الاستيطانية لن يجري إخلاؤها في إطار اتفاق، في مقابل تبادل أراض".
بناء على هذه الأرقام، فإن ما يجري الحديث عنه، في قراءته، هو 100 ألف حتى 110 آلاف مستوطن يعيشون خارج "الكتل" في شتى أنحاء الضفة الغربية. وكما يفيد، بموجب استطلاعات رأي أجريت في فترة حكومة إيهود أولمرت، التي أشغل فيها رامون منصب وزير، فإن نحو 70% حتى 80% من هؤلاء سيجري إخلاؤهم في نهاية الأمر طوعًا أو باتفاق، لأنهم بالأساس "لا يريدون العيش تحت سيادة فلسطينية". وسيبقى نحو 20 ألفًا منهم يشكلون النواة الصلبة والمتطرّفة للمستوطنين، بمن فيهم عصابات شبان التلال. وهؤلاء سيبقون، ليس من أجل العيش بسلام تحت حكم فلسطيني، بل من أجل تفجير الاتفاق. ولذا ستكون هناك يوميًا مواجهاتٌ من كل صنف ونوع بينهم وبين الفلسطينيين، وسيضطر الجيش الإسرائيلي إلى التدخل من أجل المحافظة على أمن هؤلاء المستوطنين، وسيؤدي هذا إلى مواجهاتٍ لا تتوقف مع الشرطة الفلسطينية، في اللحظات الحساسة لبدء تطبيق الاتفاق. وفي جميع الأحوال، واضحٌ أن وجود هؤلاء قنبلة موقوتة، ستفجر الاتفاق آجلًا أم عاجلًا.
للمقارنة، عشية توقيع "اتفاق إعلان المبادئ" (اتفاق أوسلو) بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1993، بلغ عدد المستوطنين اليهود في أراضي الضفة 110 آلاف مستوطن، ومثلهم في مستوطنات القدس الشرقية. وعلى ذكر نية الإخلاء، لا بُد من استعادة ما تعرف باسم "خطة الانفصال" التي طُبقّت عام 2005، وأخلت حكومة أريئيل شارون في نطاقها المستعمرات الإسرائيلية في قطاع غزة. وثمّة من يؤكد أنه، منذ هذا الإخلاء، حُسم السجال السياسي بين الإسرائيليين بشأن الأراضي المحتلة منذ 1967 لمصلحة المستوطنين.
أذكر أنه بعد تلك الخطة، كتب أحد كبار المعلقين السياسيين الإسرائيليين أنه على الرغم من أن معظم الإسرائيليين على استعداد للتسليم بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، بحسب ما تُظهر استطلاعات الرأي العام تباعًا، فإن "الدولة" التي يقصدونها لا تختلف كثيرًا عن السلطة الفلسطينية الحالية، سواء من الناحية الجغرافية، أو من الناحيتين، السياسية والعسكرية.
ولعل أكثر ما يدل على هذا القصد أن أقلية من بين الإسرائيليين، وفقًا لاستطلاعات الرأي العام في ذلك الوقت، تؤيد إجلاء 150- 200 ألف مستوطن من الضفة الغربية، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قواعده العسكرية في منطقة غور الأردن، وإقامة خط حدود جديد في القدس، وتحويل الأراضي المحتلة إلى بلدٍ يستوعب مئات الآلاف من اللاجئين، وخصوصًا من مخيمات لبنان. وهذا يؤكد أنه حتى في حال وجود خلافات بين الإسرائيليين بشأن الأراضي المحتلة، فإنها حُسمت لمصلحة المستوطنين. ويبدو أن شارون استوعب هذا الأمر جيدًا. ولذا فإنه بواسطة إبراز الصعوبة الكبيرة التي واجهت عملية إخلاء بضعة آلاف من المستوطنين في قطاع غزة، أظهر للعالم كل الصعوبات الأكبر المتوقع مواجهتها في حال الإقدام على عملية إخلاء تشمل أعدادًا تفوق عدد أولئك المستوطنين بعشرين ضعفًا.
وكان العشرون ضعفًا متعلقين بأعداد المستوطنين في الضفة قبل 12 عامًا، حيث تفيد الإحصائيات بأنهم لم يتجاوزوا آنذاك الـ 200 ألف.