من تراثنا الشعبي -الطب الشعبي في فلسطين
2013-08-22
"الطب الشعبي" في فلسطين ليس مفصولا عن الطب الشعبي في العالم العربي غلبت عليه تسميه "الطب العربي" وأخد مبادئه من حضارات وادي الرافدين والنيل، شرق وغرب الجزيرة العربية .
ويمكن الإشارة إلى أن شريعة حمورابي –وهي أو شريعة متكاملة سجلها التاريخ القديم- نظمت أعمال الجراحين والأطباء وحددت مسؤولياتهم وواجباتهم، ومنهم عرب الشرق- دولة الرعاة أو الهكسوس الذين دخلوا مصر قبل المسيح بثلاثة عشرين قرنا، ونقلوا معهم حضارة العرب إلى أرض مصر، ودولة ثمود في اليمن، ودولة سبأ الأولى والثانية، ودولة طسم وجديس، ودولة كنده وهي بطن من كهلان، وآشور في شمال العراق،و الأنباط في سلع وأكسيوم (في الحبشة)، ودولة الأيثوريين التي استولت على لبنان الشرقي والغربي.. وجميع هذه الدول تنحدر من أصل عربي، وتغلب عليهم اللغة العربية أو تشعباتها أو اللهجات العامية المتفرعة من العربية-.
لقد كانت بداية الطب عفوية وساذجة في جميع هذه المناطق، وكان الأطباء يعتمدون على (الخبرة) و(التجربة)، ولعل مصداق ذلك ما كان يقوم به البابليون من عرض مرضاهم على ذوي الخبرة في الساحات العامة، وقد عثر في (نينوى) على جزء من مكتبة الملك "آشور بانيبال"، ومن بينها ثمانمئة لوحة طبية، فيها الكثير من الوصف الدقيق للأمراض، وهي تتشابه مع مدونات برديات وادي لنيل، لجهة وصف أمراض الرأس والعين والكبد، ومرض الشلل والصرع.
ومن المعروف أن العرب قبل الإسلام مارسوا الطب والجراحة (البسيطة)، وتداولوا تلك الأساليب التي ورثوها عن أجدادهم، وإن اعتمدوا كثيرا على (الكي بالنار) و(القطع) والأدوية المستخرجة من أوراق النباتات والأملاح والبخور، يضاف إليها الطب الروحي والنفساني والكهانة والحدس وزجر الطير، وبرز بينهم أطباء عديدون.
وجاء الإسلام ليؤكد على الطب والعلاج والتداوي. ومن الأحاديث الشريفة (ما أنزل الله من داء الا أنزل له دواء ) وأيضا (العلم علمان علم الاديان وعلم الابدان )
ومن أقوال الطبيب العربي يعقوب بن إسحاق الكندي: ليتق الله تعالى ا لمطبب ولا يخاطر فليس عن الأنفس عوض..
واشتهر من الأطباء "ابن النفيس" الذي اكتشف الدورة الدموية الصغرى و"ابن الخطيب" و"ابن رشد" و"علي بن العباس" و"علي بن عيسى الكحال" و"الزهراوي" و"الرازي" و"الطبري" و"محمد التميمي المقدسي".
الطب الشعبي عند البدو في شمال في فلسطين:
لا نستطيع أن نحيط في هذه العجالة بالطب الشعبي (العربي) في كل فلسطين، ولأن ما لا يدرك كله لا يترك جله، فإننا نعرض هنا للطب الشعبي لدى البدو في شمال فلسطين.
والمعروف أن بدو شمال فلسطين هم في الأصل من بدو شبه الجزيرة العربية ووادي الرافدين، كما هو حال كل بدو فلسطين، استقروا في فلسطين في حقب تاريخية مختلفة، وجلبوا معهم المعارف التي توارثوها عن أجدادهم الذين اشتهر من بينهم الأطباء الكبار كما أسلفنا.
ولقد كان الأطباء العرب –وفي مقدمتهم ابن سينا- أول من عارض النظرية اليونانية التي دعا إليها ابقراط بالفكرة القائلة: إن تقيح الجروح ما هو إلا عملية طبيعية مرغوبا فيها جدا ويسعى الطبيب إلى دعمها وإن يعمل على إحداثها بنفسه، وذلك لتطهير الجسد.
وعارضه الأطباء العرب الذين ابدعوا في مداواة الجروح المعدية، ووجدوا لها وسيلة لم تكتشف حتى منتصف القرن العشرين، وهي مكافحة الجراثيم بالمضادات الحيوية (أنتي بايوتك). فمن سروج دوابهم حيث تتعفن وتكثر الإشناه حصلوا على مضادة للجراثيم وعلى دواء الهليون وضعوا منها مراهم عالجوا بها الجراح الملتهبة، كما أنهم كانوا ينفخون غبار الخبز المعفن في الحلق عند التهابه، وهذا كان شائعا لدى البدو في شمال فلسطين.
التجبير:
عالج البدو الكسور –إعادة العظم المكسور كما كان أصلا وتثبيته في مكانه خوفا من تقلص الأعصاب بوضع خشبة في كل ناحية بعد ربطه بلزقة توضع على مكان الكسر، وكذلك على الظهر في بعض حالات آلام العمود الفقري بعد إجراء عملية تدليك وتليين للمفاصل والعمود الفققري- ويتم ذلك ببرش قطعة من الصابون وتنعيمها حتى تصبح كالدقيق، وخلطها ببياض البيض على قطعة قماش تلف حول الكسر.
ويسبق ذلك تليين العظم ببخار نبات الطيون الذي ينمو على ضفاف الأنهار، توضع كمية من أوراقه في قدر مملوء بالماء، وبعد الغليان يتم تمرير الذراع أو الساق المكسورة فوق البخار حتى يصبح ا لعظم لينا، وبعدها يقوم الطبيب المجبر بإعادة العظم المكسور إلى مكانه ووضع اللزقة عليه، ويتم التثبيت بواسطة لوحين من الخشب ويطلب من المريض عدم تحريك الجزء المكسور مدة معينة تتراوح بين أسبوع أو شهر حسب نوع الكسر.
واشتهر في شمال فلسطين المرحوم المجبر (حسن النادر) –من عشيرة المواسي- الذي حصل على شهادة من رئيس مستشفى طبريا بعد إجرائه لعمليات تجبير عجز الطبيب البريطاني المختص عن تجبيرها، وتوارث أبناؤه المهنة من بعده إلى يومنا هذا.
وينقل الباحث (عوض سعود عوض) عن خاله (عواد الوحش) حادثة تجبير لرجل كسرت رجله وخرج أعلى الفخذ من مكانه، وبعد المعاينة طلب المجبر من ذويه أن يعطشوا دابة (حمارا) مدة يومين أو ثلاثة فلا يسقوه ماء، وفي اليوم الثالث طلب المجبر أن يوضع الشعير أمام الحمار الجائع، فأكل حتى امتلأ بطنه، بعدها ثم إركاب المصاب على ظهر الحمار، وثبت رجليه على بعضهما تحت بطن الحمار كيلا يسمح له بتحريكهما، بعد ذلك أحضروا الماء للحمار الذي ظل يشرب وبطنه يكبر وبكبر والرجل المكسور يصيح من الألم لأن بطن الحمار كلما كبر عاد عظم الفخذ إلى مكانه، وسمع الحضور صوت عودة مفصل الورك إلى مكانها. هنا تم فك رباط رجلي المكسور ومددوه على الأرض، وعمل له المجبر لزقة، وثبت فخذه تماما، وبعد ثلاثة أيام عاد فخذ الرجل كما كان..
وقد شاهدت شخصيا كيف كان المرحوم حسن النادر يعالج الكسور، فقد أصيب -في مطلع عقد الخمسينيات الماضية وكنت في العاشرة من عمري- أحد أقاربي بكسر متفتت في عظم الكوع، وقرر الأطباء بتر الذراع من أعلى الكتف كي لا تصاب الذراع بالغرغرينا، ولكن والد المكسور قرر تهريبه من المشفى ونقله إلى البطيحة في الجولان السوري المحتل، إلى مضارب بيت النادر، وذهبت مع من ذهب ورأيت كيف أجرى المجبر حسن النادر عملية الكشف، فاستمع أولا إلى القصة السريرية –كما يسميها الأطباء الآن- ثم قام بمعاينة الذراع المكسورة مطمئنا المريض إلى أن كل شي سيكون على ما يرام، وفي هذا الوقت قام أولاده بجلب نبات الطيون من منطقة قريبة في الوقت الذي أوقدت قرينته النار تحت قدر كبيرة، وحين تصاعد البخار مرر الذراع فوق البخار الساخن جدا لفترة معينة، وبعدها عالج الكسر ووضع عليه اللزقة وألواح الخشب، وشفيت الذراع ونجت من البتر..
الوخز بالإبر أو التخريم:
سمي بهذا الاسم لأن المعالجة تتم بإبر (الخرام)، ومرض (الخرام) يحدث إذا امتص الجسم رطوبة، كأن ينام شخص وملابسه مبتلة بالماء، ويؤدي المرض إلى ضعف الجسم مع بعض الآلام، ويتم التعرف على المرض بدهن جسم المريض بالزيت وتعريضه لضوء الشمس وقت الضحى، فتظهر نقاط سوداء كالنمش. وتظهر غالبا في أعلى الظهر وأعلى الكتفين واليدين والرجلين. وتتم المعالجة بدهن أماكن هذه النقاط بالملح والثوم، ثم يوخز المكان بالإبر بإدخالها في كل نقطة سوداء فتخرج من الجسم مادة صفراء يشفى بعدها المريض من الخرام. ولا يشعر المريض بالألم، وغالبا ما يكون المعالج امرأة بدوية ورثت العمل عن أمها أو جدتها.
المعالجة بالأعشاب:
اعتقد البدو بأن ما من شي مر المذاق أو كريه الطعم إلا وهو يفيد في معالجة المرض، وعلى هذا الأساس اختاروا النباتات التي تتصف بهذه المزايا، وعن طريق التجربة تعرفوا إلى مزايا النباتات وخواصها، ومن أهم النباتات:
- الشيح: تؤخذ أوراقه وتغلى جيدا، و يستخدم منقوعها لمعالجة آلام وأوجاع البطن، ويقال أنه مفيد لمرض السكري.
- المرمية أو المريمية: لها خواص نبات الشيح في العلاج.
- عشبة الوطيفة: تستخرج منها مادة شبيهة بالصمغ، تستخدم لعلاج الأمراض الداخلية وآلام المعدة والجوف.
- الخبيزة: لها خصائص ملينة، تؤكل مطبوخة، ويستخدم منقوعها بعد غلي أوراقها دواء للسعلة ومغاطس للالتهابات النسائية.
- القرفة: تستخرج من لحاء شجرة مهدها الأصلي سيلان، كان منقوعها يستخدم ساخنا للتعجيل بالطلق للولادة وكذلك بعد الولادة.
- نبات حمحم: تعرف باسم (لسان الثور) وهو نبات صيفي له عدد من الأوراق العريضة والسميكة –حوالي 30سم طول و20سم عرض- غير مالسه وعليها ما يشبه الوبر، وفي كل نبتة حوالي ست ورقات. تجفف أوراقه وتهرس وتخلط مع زيت الزيتون، وتوضع كمرهم على الجراح. وتستخدم في تحضير بعض الأدوية.
- نبات الخامشة: نبات يزهر في فصل الربيع نوارة نيلة اللون، وتستمر خضرته طوال العام، أوراقه تشبه أوراق الملوخية، يستخدم لأوجاع العين وآلام الشرج. إذا فركته على أي مكان في الجسم تتجمع في المكان كمية من الدم وتبدو كأنها إثر رضة. تستخدم أوراقه كتحميله.
- نبات قثة الحمار: نبات يشبه القثاء، نوارته صفراء وثمرته خشنة موبرة تشبه حبة الخيار الصغيرة، فيها مادة صفراء سامة، تستخدم لمرض اليرقان بوضع نقطة منها في كل فتحة من فتحتي الأنف، وبعد مدة تخرج المادة الصفراء الملونة للجسم من فتحتي الأنف ويشفى المريض.
- نبات الصفلين: هو نبات يرسل زهرة بيضاء أو صفراء كالدبابيس. يستخدم مغلي الثمرة لمعالجة الرمل أو في حال انحصار البول.
- الجعدة: نبت طيب الرائحة ينبت في الربيع ويجف سريعا، ويستخدم لآلام المعدة وخاصة المغص.
- نبات اللبد شوكي: نبات تفرش أوراقه على وجه الأرض، وتتميز بأشواكها، يرسل زهرة زرقاء تتحول إلى كتلة شوكية وتعيش على السيخ الذي يحمل الزهرة الشوكية دودة تفرز شرنقة بيضاء، تؤخذ الشرنقة ويتم إخراج الدودة الميتة، وتؤكل الشرنقة مع الحليب لمعالجة السعال الديكي.
- قشر الرمان المجفف: يدق وينخل ويخلط مع الشبة، وتؤخذ كمية بمقدار حبة الحمص على الريق، ومساء قبل النوم، لمعالجة آلام قرحة المعدة.
- دودة الزرنوخ: وهي دودة تظهر في الربيع بين الحجارة، لها ما يشبه البرنس على رأسها وبقية جسمها مفرض على شكل قطع، تؤخذ وتجفف وتوضع في حبة تمر وتؤخذ مباشرة بعد عضة الكلب المسعور لمعالجة داء الكلب. ويحصل الشفاء بعد أسبوع.
المعالجات الجراحية:
- التهاب اللوزتين: يتم بالتمسيد والترفيع لإعادتهما إلى مكانهما، وتقوم الممسدة –غالبا من النساء- بوضع نقطة من الزيت على كفها ومس اللوزتين لرفعهما، وإذا ترافق التهاب اللوزتين بالتقيح تضع الممسدة على إصبعها ملح الطعام وتكبس على اللوزتين، وينصح المريض بالغرغرة بالملح المذاب في الماء الفاتر.
- اليرقان: يلجأ المعالج إلى قطع عرق صغير تحت اللسان فتسيل مادة صفراء.
- معالجة الجروح: يسد الجرح بالكحل وتوضع لزقة فوقه عبارة عن بصلة محروقة ويطلب من المجروح الاستراحة في البيت وعدم التعرض للشمس، وإذا ظهر التقيح يتم عصر الجرح ثم يغسل بالماء المالح لتطهيره.
وفي حال اللسعة (الدبور أو النحلة) يفرك المكان بثومة وتترك لتشفى.
- التشطيب: يتم بإحداث جروح بسيطة في حال وجود دم متقيح تحت الجلد، وكذلك في حالات آلام وأوجاع الرأس. تحدث الجروح في الأذن الخارجية أو من الظهر أو على عضلة الساق.
- الكي: إحداث حرق بسيط، إما بتسخين قضيب من الحديد يكوى به مكان الألم، أو إحراق خرقة صغيرة تسمى العطبة، توضع على الجلد مكان الألم، وتوضع لزقة لترطيب المكان المكوي كي لا يجف بسرعة.
ويتم الكي في منتصف الظهر أو مؤخرة القدم، أو أسفل الركبة من الخلف أو فوق الثديين أو أعلى الأكتاف.
- الحجامة: وتسمى (كاسات الهواء) ويقول البدو: "كاسات الهوى تروح العلة بدون دوا"
وصفة طبية شعبية
وصفة طبية شعبية
يجاب حنظلة من الحنظل وتسطح نصفين، ويغتسل المريض بالماء الساخن، أي يستحم في حجرة دافئة (الحمام) وقبل أن يتنشف ويلبس ثيابه، يأتي بالحنظلة المسطوحة ويدق كعب رجله في نصفها ويبقى واقفا حتى يشعر بمرار في لسانه وبسوسة في لسانه أيضا، عندها يرفع رجله ويلبس ثيابه.