:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/14187

الاعتراف الأمريكيّ بالقدس عاصمةً لإسرائيل رسالة حادّةً كالموس للعالمين العربيّ والإسلاميّ

2017-12-03

يُعتبر اعتراف الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب بمدينة القدس عاصمةً لإسرائيل، هديةً من الولايات المُتحدّة للدولة العبريّة970، وجائزة تقدير لها بمُناسبة مرور حوالي سبعين عامًا على زرعها من قبل الاستعمار في فلسطين، على أنقاض الشعب الذي هُجّر وشُرّد من أرضه ووطنه في إحدى أكبر الجرائم التي ارتُكبت في التاريخ الحديث.
علاوةً على ذلك، إذا أعلن ترامب ذلك يوم الأربعاء المُقبل، فهو لا يتحدّى العالمين العربيّ والإسلاميّ، بل يُوجّه لهما رسالةً حادّةً كالموس: مواقفكم لا تعنيني ولا أخذها على محملٍ من الجدّ، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ الهرولة العربيّة للتطبيع مع إسرائيل ما زالت مُستمرّةً وبوتيرةٍ عاليةٍ.
التوقيت بالنسبة لترامب ممتاز، فهو يعلم جيّدًا أنّ الوطن العربيّ بات ممزقًا ومفتتًا، والحروب داخله تنتقل كالنار في الهشيم من دولةٍ إلى أخرى، والأهّم من ذلك، أنّ السعوديّة، التي تُعتبر بنظر واشنطن وتل أبيب، قائدة ما يُطلقون عليه في إسرائيل وأمريكا العالم السُنيّ المُعتدل، باتت تعتبر الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران هي العدّو رقم واحد، وتعمل بدون كللٍ أوْ مللٍ على تأجيج الصراعات العربيّة-العربيّة لمنع التمدّد الإيرانيّ في منطقة الشرق الأوسط.
بالإضافة إلى ذلك، ما كان ترامب أوْ نتنياهو يملكان الجرأة على اتخاذ هذا القرار التاريخيّ لولا حالة الذلّ والهوان التي تُميّز العالمين العربيّ والإسلاميّ. أمّا بالنسبة للساحة الداخليّة في أمريكا وإسرائيل، فإنّ توقيت الإعلان الأمريكيّ يخدم ترامب ونتنياهو على حدٍّ سواء، الرئيس الأمريكيّ، وبعد إقرار مستشاره السابق للأمن القوميّ، مايكل فلين، بعلاقاته مع الروس، بات مُهدّدًا من قبل السلطات ذات الصلة بأنْ تصله نار العلاقات غير الشرعيّة مع موسكو خلال المعركة الانتخابيّة التي أوصلته إلى البيت الأبيض، لذلك فإنّ إعلانه عن الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل قد يصرف الأنظار عن تورّطه في العلاقات مع روسيا، ويُرضي السواد الأعظم من مؤيّديه، الذين ينتمون لليمين واليمن المُتطرّف المؤيّد للدولة العبريّة.
وهذا الأمر ينسحب أيضًا على رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، حيث أعلنت الشرطة رسميًا أنّها ستُوصي بمحاكمته بعدّة تهم فساد ورشاوى وخيانة الأمانة، وللتدليل على عمق أزمته الشخصيّة، كان كافيًا أنْ ينظر أمس السبت إلى المظاهرة الضخمة التي جرت في تل أبيب، وشارك فيها عشرات ألآلاف من الإسرائيليين، الذين طالبوه بالاستقالة من منصبه واتهموه بالفساد، وبالتالي، فإنّ الاعتراف الأمريكيّ بالقدس عاصمةً لإسرائيل سيكون بالنسبة له بمثابة طوق نجاة، يستطيع استخدامه لإلهاء الإسرائيليين عن فساده وفساد زوجته، وتحديدًا في قضية حصولهما على هدايا ثمينة من رجلي أعمال اثنين بقيمة مئات آلاف الشواقل.
إذن، يُمكن القول الفصل إنّ الإعلان الأمريكيّ يُساهم كثيرًا في إنقاذ ترامب ونتنياهو من ورطتيهما الداخلتين، ولكن الأهّم من ذلك، أنّه كما هو معلوم فإنّ العلاقات الدوليّة محكومة بموازين القوى، وعليه لا تملك القيادة الفلسطينيّة برئاسة رئيس السلطة، محمود عبّاس، أيّ شيءٍ لتُهدد به، فمفاوضات الـ”سلام” مع دولة الاحتلال مُتوقفة منذ عدّة سنوات، ولا أحد يعمل على إحيائها أوْ الاهتمام بها، وهكذا فإنّ الاعتراف بالقدس كعاصمةٍ للدولة العبريّة قد تكون المُقدّمة لتصفية القضيّة الفلسطينيّة مرّةً واحدةً وإلى الأبد، إذا أخذنا بعين الاعتبار صفقة القرن، التي يتحدّث عنها الرئيس ترامب، والتي تمّت صياغتها بالتنسيق مع صنّاع القرار في تل أبيب، حيث أفادت التقارير الإعلاميّة في إسرائيل أنّ مُبادرة ترامب قد لا تشمل دولةً فلسطينيّةً بتاتًا.
وهكذا، بقي الشعب العربيّ-الفلسطينيّ وحيدًا ويتيمًا في الساحة، ولا يقدر على فعل أيّ شيءٍ ضدّ سياسة القهر والنهب والسلب التي يُمارسها الاحتلال الإسرائيليّ ضدّه يوميًا وضدّ أراضيه، بحيث باتت الضفّة الفلسطينية لمُحتلّة عبارةً عن كانتونات تفصل بينها مُستوطنات صهيونيّة وبؤر استيطانيّة أقامتها الحكومات الإسرائيليّة المُتعاقبة منذ عدوان العام 1967.
ولا غضاضة في هذه العُجالة من التذكير بأنّه في الثالث من شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) من العام 2001، عندما كان أرئيل شارون، رئيسًا للوزراء في إسرائيل، عقد المجلس الوزاريّ-الأمنيّ المُصغّر اجتماعًا لتدارس الدعوة الأمريكيّة لإسرائيل بوقف إطلاق النار في الضفّة الغربيّة المُحتلّة. شيمعون بيريس، حذّر في الجلسة عينها من أنّ عدم موافقة إسرائيل على الطلب من شأنه أنْ يعود سلبًا على العلاقات الأمريكيّة – الإسرائيليّة.
شارون، بحسب التقارير الإعلاميّة الإسرائيليّة، والتي لم ينفها رئيس الوزراء آنذاك، ردّ على مطلب بيريس بالقول: لا تقلق بشأن الضغط الأمريكيّ، نحن الشعب اليهوديّ نُسيطر على أمريكا، والأمريكيون يعرفون ذلك. وتابع شارون في الجلسة عينها: أنا أُدرك جيّدًا كيف أنّه من المستحيل تقريبًا تنفيذ السياسة الخارجيّة الأمريكيّة في منطقة الشرق الأوسط، إذا لم تتّم الموافقة عليها من قبل اليهود الأمريكيين.
ولفت شارون أيضًا إلى أنّ اليهود بأمريكا يتحكّمون بشكلٍ رائعٍ بوسائل الإعلام الأمريكيّة، وحتى أنّهم يتحكّمون بأعضاء الكونغرس، إذْ أنّهم لا يسمحون للكونغرس باتخاذ أيّ قرار ضدّ إسرائيل. النفوذ اليهوديّ، زاد شارون، يُهيمن تمامًا على الساحة الأمريكيّة، واختتم قائلاً إنّ سفارة تل أبيب في واشنطن هي التي تُملي عمليًا أجندتها على الكونغرس، من خلال اليهود الأثرياء جدًا في أمريكا، قال شارون لبيريس.