اغتيال مقـعـد اعزل .. إلى «الجنـايـات الدولـيـة» -هآرتس
2017-12-18
أحد القناصة من الجيش الاسرائيلي لم يستطع اول أمس التسديد نحو الجزء السفلي من جسم الضحية – ابراهيم ابو ثريا، إذ لم يكن لديه جزء سفلي. نصف انسان، شاب ابن 29 عاما، ماسح سيارات من مخيم اللاجئين «الشاطئ» في غزة جرح جراحا خطيرة جراء القصف الاسرائيلي في عملية «الرصاص المصبوب» في سنة 2008، وقطعت رجلاه على طولها. منذ ذلك الحين كان يسير على كرسي متحرك. بالامس استكمل الجيش الاسرائيلي المهمة: قناص أطلق النار على رأسه بنيران حية وقتله.
تسلسل الامور كان مرعبا: أبو ثريا كان يدفع على كرسي متحرك من قبل اصدقائه، وهو يدعو للنضال ضد قرار الاعتراف بالقدس كعاصمة لاسرائيل؛ ابو ثريا يزحف على الارض نحو الجدار الذي يسجن القطاع الذي يعيش فيه؛ ابو ثريا يلوح بعلم فلسطين؛ أبو ثريا يرفع كلتا يديه بعلامة النصر؛ ابو ثريا النازف والمحتضر مرفوعا على ايدي اصحابه؛ جثة ابو ثريا الميت موضوعة على النقالة. النهاية.
القناص الاسرائيلي لم يكن باستطاعته التسديد نحو الجزء السفلي لضحيته ولهذا اطلق النار على رأسه وقتله. بالامكان الافتراض انه رأى بانه يطلق النار على شخص مقعد على كرسي متحرك، الا اذا كان قد أطلق النار الحية بدون تمييز داخل جموع المتظاهرين. أبو ثريا لم يعرض حياة أحد للخطر، كما هو مفهوم، لا يستطيع شخص مقطوع الارجل وغير مسلح على كرسي متحرك، المسجون خلف الجدار، ان يعرض حياة أحد للخطر؟ كم من البلادة والشر يجب أن يتوفر من أجل اطلاق النار على مقعد فوق كرسي متحرك، ليس هو الفلسطيني المقعد الاول الذي يقتله الجنود الاسرائيليين ولن يكون الاخير الذي يقتله اكثر الجنود اخلاقية في العالم أو غير أخلاقية.
ان قتل المقعد المعتقل مرات في اسرائيل مر الكرام. كان واحدا من المتظاهرين الفلسطينيين الثلاثة الذين قتلهم الجيش أول أمس، أمر روتيني تماما. من السهل تصور ماذا كان سيحدث لو ان الفلسطينيين قتلوا اسرائيليا على كرسي متحرك. لثارت الدنيا: كم من الكلمات كانت ستكتب عن قساوتهم وبربريتهم. كم من الاعتقالات كانت ستنفذ وكم من الدماء كانت ستسفك كرد على ذلك. ولكن عندما يتصرف جنود جيش الدفاع الاسرائيلي ببربرية، فان اسرائيل تصمت وحتى أنها لا تظهر اي اهتمام. لا صدمة ولا خجلا ولا شفقة. اعتذار، الندم او اظهار الأسف فقط هذه امور خيالية. تقديم للمحاكمة للمسؤولين عن القتل الفظيع هذا هو هذيان. ابو ثريا كان يستحق الموت لانه تجرأ على المشاركة في احتجاج ابناء شعبه، وقتله لا يهم أحدا لانه فلسطيني.
غزة مغلقة امام الصحافيين الاسرائيليين منذ 11 عاما. ولهذا بالامكان فقط تخيل مجرى حياة وموت ماسح السيارات من مخيم الشاطئ. كيف شفي من جراحه الخطيرة، بدون اعادة تأهيل مناسبة في غزة المحاصرة بدون احتمال أن يحصل على ارجل اصطناعية، وكيف اعتاد على الكرسي المتحرك القديم غير الكهربائي، ليسير في الازقة الرملية لمخيمه. كيف واصل العمل في تنظيف السيارات بالرغم من اعاقته، لانه لم يكن لديه خيار آخر. ايضا ليس للمقعد. كيف واصل النضال مع اصدقائه بالرغم من اعاقته.
ليس هنالك اسرائيلي يستطيع تصور الحياة في قفص كهذا، أكبر قفص في العالم، قطاع غزة في إطار التجريب الجماعي على البشر لم ينتهِ. يجب رؤية الشبان اليائسين الذين اقتربوا من الجدار في مظاهرة أول أمس، مسلحين بالحجارة التي لا تستطيع ان تصل الى اي مكان، يرشقونها من وراء القضبان المسجونين خلفها. لهؤلاء الشباب لا يوجد أي أمل في حياتهم. حتى وهم يسيرون على رجليهم. هذا الامل كان اقل لدى ابو ثريا.
هنالك شيء ما يثير الاحترام والشفقة في نفس الوقت في صورته وهو يرفع علم فلسطين من سجنه المزدوج، الكرسي المتحرك وبلاده المحاصرة؛ ليس مثل ابو ثريا من يعبر عن وضع ابناء شعبه. بعد وقت قصير من تصويره، وصلت حياته المعذبة الى نهايتها. عندما ينادون في اسرائيل كل اسبوع «نتنياهو لسجن معسياهو» يجب على احد ما أن يبدأ بالحديث أخيرا أخيرا أيضا عن محكمة الجنايات في هاغ.