:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/14346

الاندفاع المسعور لوزير الدفاع-ايمن عودة

2017-12-24

الاندفاع الذي أصاب وزير الدفاع إفيغدور ليبرمان في الأسبوعين الأخيرين له تفسير واحد فقط: الانتخابات. رائحة انتخابات قوية تملأ الساحة السياسية، وهذه الرائحة تخرج الجميع عن أطوارهم لا سيما ليبرمان، الذي على مدى فترة طويلة حاول أن يطور من دون نجاح صورة البالغ المسؤول الهادئ. هذه المحاولة تلاشت تماما مع بداية الهجمات الهائجة له ضد الجمهور العربي وممثليه.
هل من الضروري أن نرى في هجومه الأخير نوعا من الاعتدال؟ أو يجب علينا الاستعداد للأسوأ الذي سيأتي فيما بعد؟ لأن هذا هو ليبرمان نفسه الذي دعا في فترة الانتخابات إلى قطع رؤوسنا بالبلطات. متأثرا كما يبدو بجو داعش، لكن أيضا بالجو العام لحكومة اليمين المتطرفة لنتنياهو، وللأسف أيضا بالجو العام المؤيد، أو في الأقل الذي يُمكِّن من نشر أفكار كهذه.
خطة التهجير والطرد تحولت إلى جزء لا يتجزأ من حملة حزب ليبرمان المراوغ الانتخابية. ولكن كل من يستطيع رؤية الواقع يعرف أن طرد سكان وادي عارة ونقل المدن والقرى من هناك إلى حدود الدولة الفلسطينية المنتظرة، هي فكرة خيالية، إذا أردنا تسميتها باعتدال. ليس فقط لأننا نحن المواطنين العرب نعارض الفكرة التي تنفيذها مرتبط بإلغاء متكرر للجنسية من مئات الآلاف، بل لأن الأمر يتعلق بخطة غير قابلة للتنفيذ. وإسرائيل لن توافق في أية حالة على وضع الحدود قرب الخضيرة، ومن أجل الوصول إلى العفولة يجب المرور بمناطق الدولة الفلسطينية. إذا كان الأمر هكذا فلِمَ يعود ليبرمان دائما إلى الخطة ذاتها؟.
خطة الطرد، التي تشبه مقاله أمس في «هآرتس»، هي جزء من مخطط استراتيجي واسع. ليبرمان يريد إشعال العنف بين اليهود والعرب في إسرائيل. وهو يفعل ذلك من خلال سلب الشرعية والإنسانية لمواطني الدولة العرب، وعرْضنا مخيفين وحتى قتلة. حسب رأيه، بناء الهُوية الإسرائيلية يتم بوساطة إلغاء المواطنة للعرب، لذلك فإن العربي يعيش في الوقت الضائع في الدولة، ومجرد وجوده فيها ليس حقيقة حتمية، والهدف هو سلب الشرعية السياسية من الجمهور العربي، وأن يشكك بمواطنته. لأنه ما الفرق بيني أنا العربي من سكان حيفا أو أحد سكان الناصرة أو رهط، وسكان وادي عارة.
ليبرمان يحاول أن يقول لنا إن مواطنتنا نفسها مشكوك فيها، ويمكن سلبها منا في أية لحظة من دون صلة بما قمنا به. ببساطة كوننا عربا. إذا كان الوضع هكذا فمن المفهوم أنه ليس لنا حق في التأثير في اتخاذ القرارات في الدولة ـ لأننا مجرد ضيوف مؤقتين في وطننا.
عند سماع هجمات ليبرمان وأقواله التحريضية لا يمكن إلا أن نتذكر الأنظمة الظلامية في القرن العشرين. لقد كتب دانييل بلتمان هنا في الأسبوع الماضي كلمات كنت أريد أن تدوي في قلب كل مواطن يهودي: حملة دعائية تحمل الكراهية ورسائل مدمرة من شأنها أن تؤدي إلى العنف في أوقات الأزمة… ليبرمان يتصرف الآن بالطريقة نفسها. فهو يقطر باستمرار بدعاية كراهية ضد العرب ويغذي العداء والشك في أوساط الجمهور اليهودي ضد السكان العرب. نتيجة عملية كهذه واضحة ومكتوبة على جدار التأريخ بحروف من الدم والعنف». محظور علينا السماح لليبرمان والمتعاونين معه في الحكومة جرّنا إلى هناك.
من المهم النظر إلى أقوال ليبرمان في سياق أوسع. وزير الدفاع يعبر عن مواقف غير ديمقراطية. فهذه مواقف فاشية كلاسيكية تقضي بأنه لا معنى لنظام ديمقراطي لدولة قانون، يعاقب فيها فقط من يخالف القانون. وحسب موقف ليبرمان فإن جمهورا كاملا يتهم ويعاقب فقط بسبب قوميته.
المقال الشيطاني في «هآرتس» نشره ليبرمان ردا على مقال موشيه آرنس («هآرتس»، 18/12). وكما هو معروف، هناك فجوة سياسية بيني وبين آرنس، لكن حتى من موقعه السياسي في اليمين المتطرف فهو يخشى من تحريض ليبرمان. آرنس أشار في أقواله إلى نضال القائمة المشتركة من أجل المساواة، وحتى أنه ذكر مشاركتنا، نحن أعضاء الكنيست في القائمة، في خطوات حقيقية لتقليص التمييز في ميزانيات السكان العرب في إسرائيل.
الجمهور العربي ـ الفلسطيني في الدولة نجح في الوصول إلى إنجازات مثيرة برغم التمييز المؤسسي والعقبات والصعوبات التي لا تتوقف. في هذه السنة، للمرة الأولى، نسبة الطلاب العرب الذين بدأوا السنة الدراسية الأكاديمية هي 18 من مئة من إجمالي الطلاب ـ أكثر من النصف هن طالبات. شبابنا يناضلون من أجل النجاح ويحتلون الأماكن العليا في الهاي تيك والعلوم والطلب. وفي الفن والثقافة أيضا فإن أبناءنا وبناتنا يشقون طريقا مميزا مثيرا، يعبر عن تركيبة هُويتنا التي نفخر بها والحياة في دولة تقوم باحتلال النصف الثاني من شعبنا.
ليبرمان يمكنه الاستمرار في تهديده، لكن هذا هو وطننا ولا وطن آخر لنا غيره، نحن مثل المنظر الطبيعي لبلادنا الحبيبة، سنبقى هنا إلى الأبد وسنستمر في البحث عن يهود يريدون بناء حياة مشتركة معنا قائمة على المساواة والاحترام المتبادل.
هآرتس 21/12/2017