:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/14384

كل فلسطين وليس فقط القدس د. الياس عاقلة

2017-12-28

المتحدث عن الصراع العربي الصهيوني معتبره قضية فلسطينية حصرية إما يكون جاهلاً للحقائق التاريخية وللأطماع الإستعمارية أو عميلاً صهيونياً . فحقيقة الصراع هو صراع عربي صهيوني بحت بدأ في فلسطين وهدفه الإنتشار الى بقية الدول العربية . الصهيونية عبارة عن اسم مشروعٍ استعماري جديد لما يُسمى "المؤسسة الاستعمارية العالمية" أو "اليد الخفية" ، من بين أسماء أخرى ، التي تنمو وتتغذى على استمرارية الحروب ودمار الشعوب . وقد استغلت هذه المؤسسة ما سُمي بالديانة اليهودية لدفع اليهود الى منطقة الشرق الأوسط العربي لتحقيق المشروع الصهيوني الاستعماري بإنشاء إسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات كخطوة إنشائية وكمرحلة أولى.
المرحلة الثانية ، الأبعد والتي لم تدركها الشعوب العربية ولا زعماؤها بعد ، هي امتدادٌ إسرائيلي من إسرائيل الكبرى لتشمل كل الشرق الأوسط العربي من الخليج الفارسي شرقاً الى البحر الأبيض المتوسط غرباً ، ومن الحدود الجنوبية لتركيا شمالاً الى المحيط الهندي جنوباً . وهذا يشمل فلسطين والأردن ولبنان وسوريا والعراق للسيطرة على الهلال الخصيب وموارد المياه الطبيعية . وكذلك يشمل أيضاً كل دول الخليج الفارسي واليمن الغنية بالنفط والغاز من أجل السيطرة على مصادر الطاقة ، وللتحكم بالمناطق الإستراتيجية المسيطرة على مداخل ومخارج البحر الأحمر وعلى مداخل الخليج الفارسي .
أما على القارة الإفريقية فقد يمتد هذا الإستعمار، في المستقبل البعيد أو في المرحلة الثالثة ، ليشمل كل مصر ممتداً الى السودان ، سلة الخضار الإفريقية ، والى إريتريا وأثيوبيا لإكمال السيطرة على شواطئ البحر الأحمر، ثم يمتد أيضا الى ليبيا الغنية بالنفط وبالمعادن وبالمياه الجوفيه.
وإذا ألقينا نظرةً شاملةً متفحصةً لحروب المنطقة نستطيع أن نرى هيكل هذا المشروع الإستعماري الكبير . فبعد هزائم وعجز الجيش الصهيوني عن الامتداد واحتلال أراض جديدة في الاتجاهات الثلاثة : شرقاً وشمالاً وجنوباً، لجأت المؤسسة الاستعمارية العالمية ، المسيطرة على الإدارات الأميركية ، الى استغلال هذه الإدارات لبث سموم التفرقة والخلافات الطائفية بين شعوب الدول العربية من أجل شرذمتها وإضعافها ، مبتدئين بأيلول الأسود عام 1971 في الأردن الذي أدى الى إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من الأردن الى بيروت ، ثم لاحقوا المنظمة هناك في حروب لبنان المتتالية التى أدت لإبعاد المنظمة الى تونس بعيداً عن الجوار الفلسطيني.
وفي عام 1980 شجعت الإدارة الأميركية الرئيس العراقي صدام حسين بشن الحرب ضد إيران في حرب استمرت ثماني سنين لم تأت بنتيجة ملموسة سوى إضعاف الطرفين . وفي عام 1990 شجعت الإدارة الأميركية صدام حسين مرة أخرى لاحتلال الكويت واستغلت هذا الاحتلال لشن حرب الخليج الثانية لتدمير معظم الجيش العراقي ولفرض حصار اقتصادي على العراق لإضعافه .
ثم قامت الإدارات الأميركية بخلق المنظمات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة ، كما اعترفت "هيلاري كلينتون" أمام مجلس الشيوخ حين قالت "نحن خلقنا تنظيم القاعدة" الذي أُستعمل كمبرر للهجوم على العراق عام 2003 وتدميره بعد اتهام العراق بدعم القاعدة التي اُتهمت بهجومات 11 أيلول 2001 على مدينة "نيو يورك" .
من المعروف في الدهاليز السياسية أن إدارة الرئيس الأميركي "باراك أوباما" قد خلقت ومولت وسلحت المنظمات الإرهابية مثل "داعش" وأخواتها، من أجل تدمير سوريا التي كانت تدعم محور المقاومة والتي ساندت حزب الله في دحر إعتداءات الجيش الصهيوني عام 2006 . وقد فضح الرئيس الحالي "ترامب" هذه الحقيقة عندما أعلن للملأ وبصوتٍ عالٍ أثناء حملته الإنتخابية أن "أوباما قد خلق المنظمة الإرهابية داعش". كما قامت إدارة "أوباما" أيضاً بدفع المملكة العربية السعودية للهجوم على اليمن .
وقد تم اختيار اليهود لاحتلال الشرق الأوسط العربي بسبب خرافاتهم الدينية صاحبة إله حروبٍ عنصري غاضبٍ مستعبدٍ يطالب شعبه "المختار" بتدميرٍ وحرقٍ كاملٍ لكل مدن الأغيار (غير اليهود) وذبحهم من الطفل الى الكهل واستعباد نسائهم ومن تبقى منهم الى الأبد متخذينهم ورثةً لأولادهم ، ومطالباً ببناء هيكلٍ لكي ينزل من السماء الفسيحة ليسكن في بناءٍ أرضيٍ حقيرٍ نسبيا . وما عليك إلا أن تطالع كتبهم لتدرك هذه الحقائق . وقد وضعت هذه الخرافات اليهودية بصمات لها على مختلف مناطق الشرق الأوسط مدعية امتلاكها . فقد جاء إبراهيمهم من مدينة "أور" الكلدانية مهاجراً الى فلسطين والى مصر، وجاء ابنه إسماعيل الى شبه الجزيرة العربية حيث بنى أحفاده الكعبة ، بينما بنى أحفاد إسحق إسرائيل القديمة التي امتدت لتشمل فلسطين والأردن ولبنان . وانتشر أنبياؤهم في مختلف أنحاء الشرق الأوسط ليبنوا كنساً لهم على أراض امتلكوها . ولن أستغرب عندما يقوم هؤلاء اليهود الصهيونيون بمطالبة ما قد يدعون أنها ممتلكاتهم القديمة ، عدى عن أرض الميعاد ، في شبه الجزيرة العربية مثل مدينة "خيبر" – المدينة المنورة حاليا – مطالبين بإعادة بناء كنسهم فيها ، وقد يطالبون حتى باسترجاع مكة نفسها وبناء كنيس لهم بدل الكعبة . وها نحن نرى بعض هؤلاء اليهود الصهيونيين يلتقطون صورهم من داخل الحرم النبوي الشريف الذي ربما قد يستطيعون احتلاله وتدميره قبل أن يستطيعوا تدمير الأقصى ، ويقيمون علاقات حميمة مع بعض دول الخليج مثل البحرين وقطر والإمارات حيث سيقيمون مكاتب وكنساً لهم فيها .
لم يخالف الرئيس "ترامب" سياسة من سبقه من الزعماء في دق إسفين الفرقة والعداوة الطائفية بين الشعوب العربية ، ومحاولاً تحويل الصراع العربي الإسرائيلي الى صراع ديني سني/شيعي عربي/إيراني ومشجعاً تطبيع بعض الدول العربية مع الكيان الصهيوني لدرجة أن بعض الرؤساء والسياسيين العرب وقفوا يدافعون عن إسرائيل ويدينون محور المقاومة بالإرهاب . وانتهز "ترامب" هذا الواقع العربي المُخزي ليعلن مدينة القدس عاصمة لإسرائيل متحدياً إرادة جميع دول العالم ومخالفاً قرارات الأمم المتحدة الجاحدة أصلاً في حق الفلسطينيين بتحرير كل فلسطين بدون أي شروط .
انتفضت الشعوب العربية والإسلامية ضد قرار "ترامب" وتظاهر بعض الرؤساء العرب بالإستياء لهذا القرار وتوجهوا الى الجامعة العربية والى الأمم المتحدة مع علمهم المسبق للنتائج . فقد أعلنت الجامعة العربية على لسان أمينها العام أحمد أبو الغيط أنه ليس للفلسطينيين أي بديل غير مبادرة السلام العقيمة والفاشلة ، بينما استعملت الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو" لإفشال أي قرار ضد إعتراف "ترامب" . كما قام "ترامب" ببلطجة تهديد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بعدم معارضة أو إدانة اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل وإلا سيقطع عنهم المساعدات المالية التي تمنحها لهم الإدارة الأميركية .
لقد خذل الزعماء العرب الفلسطينيين منذ بداية الاحتلال الصهيوني التدريجي لأراضيهم بدءاً من إرسال مهاجرين يهود الى فلسطين وإسكانهم في مستوطنات زراعية عسكرية توسعية (كيبوتسات) ، ومروراً باعتراف الأمم المتحدة الظالم لإسرائيل عام 1948 واحتلال كل فلسطين عام 1967 الى يومنا الحاضر . وقام كثير من هؤلاء الزعماء باحتواء منظمات المقاومة الفلسطينية التي نشطت في مقاومة الإحتلال الصهيوني . عندما احتل الكيان الصهيوني بقية فلسطين تناسى هؤلاء الزعماء العرب القضية الأصلية والإحتلال الأصلي وبدأوا يطالبون بدولة فلسطينية على مساحة 22% من مساحة فلسطين الأصلية بعد أن اعترفوا بالكيان الصهيوني على 88% من الأراضي الفلسطينية . ويجب أن لا ننسى أن ياسر عرفات نفسه قام بالإلتفاف حول الفريق الفلسطيني المفاوض ليوافق على اتفاقيات "أوسلو" الظالمة والمقيدة لكل الحريات للشعب الفلسطيني ولبناء اقتصاد مستقل . وبعد إدعاءات حل الدولتين جاء "محمود عباس" ليتخلى عن حق العودة الى بلده صفد ، وليحتوي على ، وليقوض أي مقاومة فلسطينية متذرعاً بأنها قد تؤخر مفاوضاته مع الإحتلال .
والآن وبعد اعتراف "ترامب" بالقدس عاصمة لإسرائيل ، محطماً كل الآمال الفلسطينية ومتحدياً دول العالم بما فيهم الرؤساء العرب والمسلمين ، تناسى العرب كل فلسطين وانتفضوا يطالبون بجزءٍ فقط من القدس . ونلاحظ هنا تراجع مطالبة الدول العربية من استرجاع ومن تحرير كل فلسطين الى المطالبة بأجزاء صغيرة جداً من فلسطين . وقد قال "ديفيد بن غوريون" أول رئيس للكيان الصهيوني عن العرب "الآباء سيموتون والأبناء سينسون" فلسطين ، متأملاً أن يكون مصير الفلسطينيين كمصير سكان أميركا الأصليين (الهنود الحمر) .
لكن أجيال الفلسطينيين المتعاقبة لم تنسى فلسطين . فقد حمل أطفالهم ، شباباً وشابات ، مفاتيح بيوت أجدادهم ولا يزالون يقاومون بعزيمة جبارة هذا الكيان الصهيوني الغاصب بالحجارة وبالصدور العارية ضد جنود الاحتلال المدججين بأعتى الأسلحة والعتاد والوسائل القمعية .
لقد أظهرت الوقائع التاريخية الفشل الذريع لما سُمي "بالمقاومة السلمية" الذي استعمله السياسيون لاحتواء غضب الجماهير الفلسطينية ولتقليل فاعلية ثوراتهم ، فهو عبارة عن إصطلاح متناقض إذ لا توجد مقاومة بدون عنف . كما أظهر التاريخ بكل وضوح أن اللغة الوحيدة الناجحة في التعامل مع الكيان الصهيوني ، ومع كل أربابه أمثال الولايات الأميركية وبريطانيا وفرنسا ، هي لغة القوة المسلحة وفرض سياسة الأمر الواقع كما اعرب الرئيس "ترامب" باعترافه القدس عاصمة لإسرائيل لأن ذلك أمر واقع . وإذا تنصل بعض الزعماء العرب من مناصرة ودعم اخوتهم الفلسطينيين في مقاومتهم المسلحة فعلى الفلسطينيين التوجه الى من أعرب عن استعداده لمناصرتهم ودعمهم بالخبرات وبالصناعات وبأدوات المقاومة أمثال حزب الله وسوريا وإيران .
لا يقاوم الفلسطينيون الكيان الصهيوني الإستعماري دفاعاً عن القدس ومقدساتها وعن فلسطين فقط ، بل هم يدافعون عن كل الشرق الأوسط العربي والدول المجاورة له ، لا بل حتى عن كل شعوب العالم لأن الكيان الصهيوني اليهودي يعتمد في وجوده ويسعى الى تحقيق الخرافات اليهودية في استعلاء وقدسية اليهود وفي استعبادهم لجميع شعوب العالم كله .