يا ابنتي، هذه دموع النضال-باسم التميمي
2018-01-02
جريدة هآرتس الاسرائيلية
هذه الليلة مثل الليالي التي داهم فيها للمرة الاخيرة عشرات الجنود بيته تحت جنح الظلام، زوجتي نريمان وابنتي ابنة الـ 16 سنة، عهد، ونور إبنة عمة عهد، يقضين الوقت وراء القضبان. رغم أن هذا هو الاعتقال الاول لعهد، إلا أن سجون حكمكم ليست غريبة عليها، كل حياتها قضتها تحت ظل السجن الاسرائيلي الثقيل – بدء من فترة سجني الطويل، التي اثقلت على طفولتها، ومرورا بالاعتقالات المتكررة لأمها وشقيقها واصدقاءها وصديقاتها وانتهاء بالتهديد الخفي – العلني الكامن في وجود جنودكم الدائم في اوساطنا. بناء على ذلك، اعتقالها كان دائما هو مسألة وقت. مأساة من الصعب منعها بانتظار التحقق.
قبل بضعة اشهر، اثناء زيارة في جنوب افريقيا، عرضنا أمام الجمهور فيديو يوثق نضال قريتنا، النبي صالح، ضد النظام الاسرائيلي المفروض.
قبل بضعة اشهر، اثناء زيارة في جنوب افريقيا، عرضنا أمام الجمهور فيديو يوثق نضال قريتنا، النبي صالح، ضد النظام الاسرائيلي المفروض.
عندما تم اشعال الاضواء وقفت عهد من اجل شكر الحضور على دعمهم. وعندما شاهدت الدموع في عيون عدد من الحضور توجهت اليهم وقالت: “صحيح أننا ضحايا للاحتلال الاسرائيلي، لكن لا يقل عن ذلك أننا نفخر باختيارنا للنضال رغم الثمن المعروف مسبقا. لقد عرفنا الى أين تؤدي بنا هذه الطريق، لكن هويتنا كأفراد مغروسة في النضال، ومن هناك تنهل. زيادة على المعاناة والقمع اليومي للمعتقلين والمصابين والشهداء، فنحن نعرف ايضا القوة الكبيرة للانتماء لحركة المقاومة، الاخلاص، المحبة ولحظات التسامي الصغيرة التي تنبع من اختيارنا لتحطيم الجدران الشفافة للسلبية.
“لا اريد أن اعتبر ضحية، ولن اعطي لافعالهم القوة في تحديد من أنا وماذا سأكون. أنا اختار أن اشكل بنفسي الطريقة التي سترونني فيها. نحن لا نريد أن تدعمونا بسبب بضع دمعات رقيقة، بل لأننا اخترنا النضال ونضالنا عادل، فقط بهذا الشكل سننجح ذات يوم في التوقف عن البكاء”.
بعد اشهر من الحدث في جنوب افريقيا، عندما تحدت الجنود المسلحين من قمة الرأس حتى اخمص القدم، ليس الغضب الآني على الجرح الشديد لمحمد التميمي (15 سنة) قبل وقت قصير من ذلك وعلى بعد امتار من هناك، هو الذي حركها. وليست الاثارة والتحريض الكامن في دخول الجنود الى بيتنا، هؤلاء الجنود أو غيرهم أو من يشبهونهم بالعمل والوظيفة هم ضيوف غير مدعوين وليس مرغوب فيهم في بيتنا منذ ولادة عهد. لا، لقد وقفت امامهم لأن هذا هو طريقنا، لأن الحرية لا تعطى كصدقة، ولأن ثمنها باهظ، ورغم ثمنها الباهظ نحن على استعداد لدفعه. إبنتي ابنة السادسة عشرة سنة، في عالم آخر وفي عالمكم كانت حياتها ستكون مختلفة تماما. في عالمنا عهد هي ممثلة الجيل الجديد لابناء شعبنا، مقاتلي الحرية الشباب، هذا الجيل اضطر الى ادارة نضاله في جبهتين، من جهة مفروض عليه كما هو معروف واجب مواصلة التحدي والنضال ضد الكولونيالية الاسرائيلية التي ولدوا داخلها، الى حين انهيارها. ومن جهة اخرى، هم مضطرون الى التشدد في مواقفهم أمام التحلل والجمود السياسي الذي تفشى فينا. عليهم أن يبثوا الحياة في العروق من اجل ان تنبعث ثورتنا من الموت المرتبط بثقافة سلبية آخذة بالازدياد، والمغروسة في عقود من انعدام العمل السياسي.
عهد هي واحدة من فتيات كثيرات، التي ستقود في السنوات القريبة المقاومة ضد الحكم الاسرائيلي. هي لا تهتم بالاضواء الموجهة اليها حاليا في اعقاب اعتقالها، بل بتغيير حقيقي للواقع. هي ليست نتاج احد الاحزاب او الحركات القديمة، وباعمالها هي ترسل رسالة: من اجل ان نبقى، علينا أن نناضل بصدق ضد ضعفنا وهزيمة خوفنا.
في هذا الوضع، الواجب الاكبر لي ولابناء جيلي هو دعمها واخلاء الطريق، وضبط النفس وألا نحاول افساد أو سجن ابناء الجيل الشاب هذا في ثقافة قديمة وايديولوجيات ترعرعنا فيها.
عهد، لا يوجد والد في العالم يتمنى أن يرى ابنته تقضي ايامها في زنزانة الاعتقال، رغم ذلك، عهد، ليس هناك في كل العالم اليوم شخص فخور بابنته اكثر مني. انت وابناء جيلك شجعان بما يكفي من اجل الانتصار أخيرا. افعالك وشجاعتك تملأ قلبي بالخوف وتملأ عيني بالدموع، لكن كما طلبت، هذه ليست دموع الحزن او الندم، بل هي دموع النضال.