:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/14528

انتصار الفلسطينيين المقدسيين-هآرتس

2018-01-20

"إمبلا" هي كلمة عربية ليس لها موازٍ دقيق بالعبرية. ومعناها نعم بالذات، أو رغم كل شيء. مجموعة نشطاء يساريون مقدسيون يعتزمون اقامة مركز ثقافي ونشاط جديد في مدينة تحت اسم "إمبلا". المؤسسون طلبوا مني ان احاضر بروح المكان الجديد. بعد التفكير اخترت أن اتحدث عن انتصارات الفلسطينيين على الاحتلال في القدس.
ظاهرا، هذا تعبير متضارب على نحو واضح، إذ لا خلاف بان الفلسطينيين بشكل عام والفلسطينيين في القدس بشكل خاص مهزومون ومحتلون منذ 50 سنة. مصيرهم ليس في أيديهم، هم عديمو الحقوق، يعانون من ظلم منهجي، من عنف سلطوي، من فقر عميق ومن غياب القيادة. ورغم كل شيء، فإن بودي ان ادعي – بالذات معا. بالذات الفلسطينيون في القدس، من كل باقي الجماعات الفلسطينية، اظهروا قوة صمود وتصميم في مواجهة الاحتلال. وبالذات هم الذين لديهم القوة للتأثير على مستقبل الشعبين.
الانتصار الاول للفلسطينيين في القدس هو الديمغرافيا. اذا كان هناك عامل واحد ثابت في السنوات الخمسين التي مرت منذ 1967، فهو الصمود الفلسطيني في القدس. لا يهم ما يحدث، الفلسطينيون لا يغادرون المدينة.
تى لو كان المعنى هو "العيش في ظروف صعبة في احياء مكتظة. هكذا، رغم المساعي الجبارة من جانب حكومات إسرائيل للحفاظ على الاغلبية اليهودية – الجهود التي تضمنت مصادرة واسعة للاراضي واقامة احياء كبرى لليهود على تلك الاراضي – فإن الاغلبية اليهودية في القدس تقلصت من 75 في المئة في 1976 إلى 60 في اليوم اليوم.
وحتى مشروع الاستيطان المزدهر، الذي تقوده جمعيتا "العاد" و"عطيرت كوهانيم"، في داخل الاحياء الفلسطينية في المدينة يتخذ صورة مختلفة قليلا عند النظر اليه في عيون ديمغرافية. المستوطنات في سلوان، البلدة القديمة وفي اماكن اخرى وان كانت تتسع بلا انقطاع على حساب العائلات الفلسطينية، الاتساع الذي يلحق معاناة للسكان، الا ان عدد المستوطنين في الاحياء الفلسطينية طفيف. بعد 30 سنة من الجهود المركزة، استثمار مئات ملايين الشواكل والتعاون الوثيق مع الحكومة، يبلغ معدل المستوطنين بين عموم السكان في تلك الاحياء 1 في المئة.
كما لم ينجح المستوطنون في تغيير المجال العام بشكل ذي مغزى. بفضلهم اضيفت اعلام إسرائيل، شرطة حرس الحدود وكاميرات حراسة، ولكن "تهويد" احياء شرقي القدس ليس قريبا اليوم مما كان قبل بداية المشروع. في 1990 كان يعيش في سلوان 8700 فلسطيني وصفر مستوطن. اليوم يعيش في الحي نحو 500 مستوطن واكثر من 20 الف فلسطيني. وهذا يعتبر النجاح الاكبر للمستوطنين. من الصعب اذن الادعاء بان المستوطنين يوشكون على تغيير طبيعة سلوان أو كل حي فلسطيني آخر.
ولكن الديمغرافيا ليست الانتصار الفلسطيني الوحيد في المدينة. فالفلسطينيون في القدس اثبتوا أيضا المرة تلو الاخرى بانهم لا يقبلون الاملاءات الإسرائيلية. هكذا كان في جهاز التعليم، حين فشلت إسرائيل في ادخال المنهاج التعليمي الإسرائيلي. وهكذا أيضا في المقاطعة التامة للانتخابات البلدية. مع أن هذه المقاطعة تمس بالخدمات التي تتلقاها الاحياء الفلسطينية، ولكنها تشدد كون شرقي القدس مدينة محتلة. وحتى في موضوع التخطيط والبناء، أدى ظلم الفلسطينيين إلى بناء واسع بلا تراخيص، رغم هدم البيوت اضطر كل رؤساء البلدية إلى استيعاب حقيقة انه لا يمكن هدم عشرات آلاف المباني. وفي نهاية المطاف ستكون حاجة لمنح اغلبيتها الساحقة تراخيص بناء.
لقد أثبت الفلسطينيون في المدينة لإسرائيل أن ليس لها يد حرة في الحرم ومحيطه. في كل مرة حاولت فيها إسرائيل اجراء تغييرات في الوضع الراهن في الحرم، اصطدمت بمقاومة شعبية، تدهورت احيانا إلى عنف الشارع المقدسي. وترافقت هذه المقاومة مع احتجاجات من جانب الأردن ودول اخرى، وفي نهاية المطاف مع تراجع إسرائيلي. هكذا حصل أيضا في الصيف الاخير في مسألة البوابات الالكترونية على مداخل الحرم. فالمقدسيون اي الفلسطينيون في القدس اثبتوا بانهم يؤدون باخلاص دورهم كحراس الاقصى، وبعد الاحتجاج، غير العنيف في معظمه، والذي استمر اسبوع، تراجعت إسرائيل وفككت البوابات الالكترونية. ومنح الانتصار احساسا بالقوة والوطنية المحلية في اوساط الفلسطينيين في المدينة.
ولكن القوة الحقيقية للفلسطينيين في القدس تكمن في حقيقة أن إسرائيل لا تعرف ما تفعله بهم. لقد نجحت إسرائيل في عدة خطوات لامعة في تقسيم وتفكيك الشعب الفلسطيني إلى عدة جماعات – لاجئين في الشتات، عرب إسرائيل، سكان الضفة (الذين هم ينقسمون بين مناطق أ و ب و ج)، سكان غزة والقدس. لكل جماعة "حيكت" بدلة تستهدف ضمان السيطرة الإسرائيلية والانقسام الفلسطيني. في الضفة الغربية تستخدم إسرائيل السلطة الفلسطينية كي تضعف المقاومة للاحتلال؛ قطاع غزة مغلق جيدا من خلف اسيجة عالية، في الوقت الذي تبذل فيه تجاه عرب إسرائيل جهود لدمجهم في المجتمع الإسرائيلي وتوسيع الفوارق بينهم وبين باقي الفلسطينيين. يبدو ان إسرائيل طورت لدرجة الفن سياسة فرق تسد.
ولكل جماعة فلسطينية في قوتها ما تعرضه من سلة واسعة من الجزر والعصي. لغزة يمكن أن تعرض بضع ساعات اخرى من الكهرباء، لعرب الضفة بضع تصاريح عمل اخرى ولعرب إسرائيل بضع كليات أو ميزانيات لشق الطرق. اما عن العصي فلا حاجة للتوسع.
ولكن من كل الجماعات، 320 الف فلسطيني مقدسي يضعون امام إسرائيل التحدي الذي لا جواب له. من جهة، في السنوات الاخيرة تقوم بلدية القدس، وزارة التعليم ووزارات اخرى بمحاولة "عناق" سكان شرقي القدس، وتمرير سياقات أسرلة عليهم، مثل اخوانهم من المثلث والشمال. من جهة اخرى، وزارة الداخلية، بلا شك بتعليمات من فوق، تحرص على الا تسمح للفلسطينيين في القدس بالتجنس، والحصول على حق التصويت في الكنيست ليصبحوا حقا جزءا من المجتمع الإسرائيلي.
فمثل هذا التجنس الجماعي هو من ناحية اصحاب القرار في إسرائيل، سيناريو رعب، مئات الاف اخرى من الفلسطينيين ذوي حق التصويت هم اخبار سيئة لكتلة اليمين؛ والاسوأ من ذلك، هذا يعني انه حقا قضي الامر على حل سياسي ما وإسرائيل تسير نحو مستقبل دولة واحدة ثنائية القومية، ولا يتبقى الان سوى اختيار نوع نظام الحكم الذي يكون فيها – ابرتهايد ذي نزعة قوة يحافظ على الطابع الصهيوني للدولة ام ديمقراطية تفكك إسرائيل من مزاياها الصهيونية.
من هنا، فإنه من بين كل الجماعات الفلسطينية، فإن الوحيدين الذين يمسكون بمفاتيح ما لمستقبلهم ومستقبلنا هم الفلسطينيون المقدسيون. هم يسمعون اليـأس من المسيرة السياسية الذي في اقوال محمود عباس، ويفهمون بان حلم الدولة الفلسطينية التي عاصمتها القدس آخذ في الافول. ولكن بخلاف الجماعات الاخرى بوسعهم أن ينتقلوا على الفور من كفاح على السيادة إلى كفاح على المساواة والمطالبة بالجنسية. عمليا، هذا الكفاح يحصل منذ الان في الميدان. واكثر من قسامات حماس أو الحجارة التي ترشق في قرى الضفة يمكن لهذه ان تكون ساحة الكفاح التي تصمم مستقبل إسرائيل وفلسطين.