نيويورك تايمز: على عباس الرحيل الان ..
2018-01-29
كتب المعلق روجر كوهين في صحيفة "نيويورك تايمز" تحت عنوان "حان الوقت لأن يرحل عباس".
ويقول كوهين إن "إيلي شما، هو الشاب الذي تحتاجه فلسطين، فهو متخصص في التكنولوجيا، ويعمل مع منظمة دولية في الضفة الغربية، ويكمل دراسته في مجال الإدارة من خلال برنامج لجامعة أمريكية في رام الله، لكنه يشعر بالإحباط، ويرى أن مستقبله في مكان آخر، حيث وصل الناس إلى نقطة علموا فيها أنهم فقدوا حياتهم".
ويقول كوهين: "تحدثنا ونحن في الطريق شمالا من رام الله إلى نابلس، وعلى مدى النظر المستوطنات الإسرائيلية فوق التلال، وتلاحقك في كل منعطف، وبيوتها ذات القرميد الأحمر علامة على نصف قرن من الاحتلال، وعندما مررنا عن حاجز للجيش الإسرائيلي، تمتم شما قائلا: (في دقيقة يمكنهم إغلاق كل شيء، وفي دقيقة أخرى يفتحون كل شيء)، فالتخطيط مستحيل لثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية، وحياتهم تعتمد على نزوات الإسرائيليين".
ويعلق الكاتب قائلا إن "الفلسطينيين لم يمروا وخلال عقود من كفاحهم الوطني بلحظة أضعف مما هم عليه الآن، حيث كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مصمما على تقويض إمكانية قيام الدولة الفلسطينية، فيما فقدت الدول العربية المهووسة بإيران الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وهدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقطع المساعدات عن الفلسطينيين؛ ردا على موقفهم من قراره بشأن القدس و(سحبها عن الطاولة)، واعترافه بها عاصمة لإسرائيل".
ويرى كوهين أن "رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (82 عاما) لا يمكنه التهرب من المسؤولية، خاصة أن حكومته ينظر إليها وعلى نطاق واسع على أنها فاسدة، وعاجزة، وبعيدة عن الجماهير، ولا تخدم إلا نفسها، وسلطوية أكثر من اللازم، وكان عباس قد انتخب لولاية من أربعة أعوام في كانون الثاني/ يناير 2005، ويدخل الآن عامه الرابع عشر في رئاسة لا تتعرض للمحاسبة".
ويشير الكاتب إلى أن "الانقسامات الشائكة بين حركتي فتح وحماس لا تزال مستمرة، رغم مظهر (المصالحة)، وفي شعب متوسط عمر أفراده 20 عاما، فعباس وشلته يبدون من الماضي، ومن بين 18عضوا في اللجنة المركزية لحركة فتح هناك واحد فقط تحت سن الخمسين، ويعيش معظمهم حياة رغدة، فيما يراهم الفلسطينيون أداة في يد إسرائيل؛ بسبب استمرار التنسيق الأمني معها".
وتنقل الصحيفة عن مديرة منظمة غير حكومية تشجع الرياضة بين الأطفال دارين حسين، قولها: "هناك شعور متزايد بالخوف.. ويمكن تعرضك للاعتقال في حال وضعت شيئا ناقدا على وسائل التواصل الاجتماعي"، مشيرة إلى أنها في الثلاثينبات من عمرها، فإنها وصلت للمرحلة النهائية بأن "لا شيء سيتغير".
ويلفت كوهين إلى أن "عباس قمع حرية الإعلام، في وقت تسبب فيه التحقيق الاستقصائي في إسرائيل بمشكلات لنتنياهو بشأن مزاعم الفساد، وأصدر قانونا غريبا للجرائم الإلكترونية بالسجن مدة عام لأي شخص (ينشر أخبارا تهدد وحدة الدولة الفلسطينية) أو (النظام العام)، ويشمل القانون عقوبة عامين لمن ينشر معلومات (بنية الهجوم على مبادئ العائلة والقيم)".
ويعلق الكاتب قائلا إن "هذا يعد خرقا للقانون الأساسي الفلسطيني عام 2003، الذي يضمن الحق للجميع ليعبروا عن رأيهم، ونشره لفظيا، كتابة أو أي شكل من أشكال التعبير".
ويقول كوهين إن "الرئيس أضعف استقلالية القضاء، حيث عين محكمة دستورية تسير وفق إرادته، وكانت محاولة للتحايل على المحكمة العليا، ورفع الحصانة عن عدد من أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني، الذي لم ينعقد منذ أكثر من عقد، وكان التحرك يستهدف خصمه السياسي محمد دحلان، الذي يعيش في الإمارات، وصدر ضده حكما بالسجن بتهم الفساد".
وتورد الصحيفة نقلا عن خليل الشقاقي، الذي يدير مركزا للاستطلاع "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية"، الذي يموله الاتحاد الأوروبي، قوله إن عباس حاول عرقلة التمويل بطريقة غير قانونية؛ لإجبار المركز على التوقف، وأضاف الشقاقي: "أفسدت السلطة عباس.. ودمر القضاء، ويدمر التعددية في المجتمع المدني، وقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية لا يستحقه إلا صدام حسين".
ويجد الكاتب أن "عباس أصبح عباس غطاء للاحتلال الإسرائيلي بجهوده الاستيطانية، التي لا تتوقف، واستخدامه للقوة، ويأتي التيار الكهربائي ويذهب، وكذلك المياه التي تأتي بشكل متقطع، والرحلة التي تستغرق ساعة ربما أخذت 12 ساعة، وربما تم جر الناس من بيوتهم، ويصبح الحصول على إذن لمطار بن غوريون أو زيارة أقارب في غزة صداعا كبيرا، فيما تتحول الإهانة الصغيرة إلى عدة إهانات، وفي هذه الظروف، التي ينحرف فيها نتنياهو نحو اليمين، ويدعو وزراءه بشكل علني لضم أجزاء من الضفة الغربية، فإن الحكومات تتردد في انتقاد عباس".
ويتساءل كوهين عما إذا "كانت فلسطين قد انزلقت نحو الظلمة وحكم الفرد، بعد الدفعة الانتقالية، التي بدأها رئيس الوزراء السابق سلام فياض، وانتهت عام 2013، بالإضافة إلى الدمار الجانبي الذي يتسبب به الاحتلال، والضغط الإسرائيلي عليه، فما هي حيلة عباس؟".
ويذكر الكاتب أن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد اشتية، يرد قائلا: "نحن لسنا منفصمين عن الواقع.. لكننا لم نكن قادرين على تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني؛ بسبب الاحتلال الإسرائيلي، ولم يكن فشلنا بسبب أي أخطاء".
ويعتقد كوهين أن "نقاشا كهذا ليس مقنعا، فمن خلال تفكيك حرية الفلسطينيين، وحرمان شعبه من القوة، فإن عباس قام بتخريب الأسس للدولة الفلسطينية، وأضعف بشكل تدريجي الطاقة التي يحملها الأفراد، ومن هنا فإنه حان الوقت لتنظيم انتخابات تؤدي إلى قيادة شابة، وتكشف عن ميزان القوى في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ لأن الخيار هو الانحراف نحو الديكتاتورية تحت قيادة رجال قادرين على إظهار الغضب وعاجزين عن عمل كل شيء آخر".
وتنقل الصحيفة عن فياض، قوله:" لو لم تعتمد على قدرتك في التحرر فلن تتحرر.. وما يراه الفلسطينيون في حقهم بالدولة ليس جذابا".
وينوه الكاتب إلى أن عباس لا يزال يؤمن بحل الدولتين، مع أن الاعتقاد بهذا الحل يتلاشى، وينقل عن الشقاقي، قوله إن نسبة الفلسطينيين الذين يدعمون حلا كهذا لا تتجاوز 46%، مقارنة مع 80% في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، حيث يرى الشقاقي أن حل الدولتين مع ذلك لا يزال قابلا للتطبيق، لافتا إلى أن الدراسات المسحية تظهر أن بعض المحفزات، مثل الإفراج عن السجناء الفلسطينيين، واتفاقيات سلام واسعة مع العالم العربي، قد تحرف الرأي العام.
ويقول كوهين إن "نتنياهو سيذهب عاجلا أم أجلا، إما من خلال الانتخابات أو من خلال توجيه التهم له، إلا أنه من الصعب تخيل استعداد أي خليفة له للتنازل عن الأرض مقابل السلام، مع أن هذا ممكن، وحدث في الماضي، وسيذهب ترامب يوما ما، ويمكن لعباس أن يعيش لسنوات أخرى، إلا أن الضرر الذي يتسبب به للقضية الفلسطينية كبير، وعليه الاستقالة الآن إن لم يكن مستعدا لتنظيم انتخابات عام 2018".
ويذهب الكاتب إلى أن "الفراغ الحالي جعل من حل الدولة، بصفتها مكانا يعيش فيه الناس بحقوق متساوية، ينال زخما، إلا أنه لن يحدث؛ لأنه يعد تدميرا لفكرة كون إسرائيل وطنا لليهود".
ويعتقد كوهين أن "رغبة ترامب في تدمير الوضع القائم خطيرة، مثل ارتياح عباس له، ومن هنا فإن تهديد الرئيس الأمريكي بقطع ملايين الدولارات لدعم اللاجئين ومدارسهم ومستشفياتهم غير مقبول، مثلما هو غير مقبول أن يكون إسهام الدول العربية 3.5% من ميزانية الأونروا، مقارنة مع المساهمة الأمريكية 25%، وأصبحت العملية السلمية، التي لم تستطع حل مشكلة اللاجئين آلية جهنمية وفاسدة لتفريخ الضحية، والتغطية على الانتهاكات المتعددة بواجهة هي (السلطة الوطنية)".
وينقل الكاتب عن الناشط عيسى عمرو من الخليل، قوله إن السلطة الوطنية أصبحت "مقاولا فرعيا للاحتلال"، ودعا عباس لوقف الفساد وتنظيم الانتخابات.
ويصف كوهين في نهاية مقالته رحلته إلى نابلس، حيث تمر السيارة من منطقة "ألف" إلى "جيم"، مشيرا إلى أن 60% من مناطق الضفة واقعة تحت السيطرة الإسرائيلية، وفي نابلس وفي خانها القديم التقى مع الأستاذ الجامعي والشاعر سعيد أبو حجلة، الذي تحدث عن مقتل والده وآثار التعذيب في السجن، حيث يقول أبو حجلة إنه بعد الصفعة التي تلقتها السلطة من ترامب فإن عليها الاستقالة وتنظيم انتخا،بات، لافتا إلى أن السلطة، ولخمسة عشرين عاما، وضعت بيضها في سلة الأمريكيين وحصلت على الإهانة.