التصعيد الزاحف في جبهة غزة-معاريف
2018-02-24
1. من أسبوع لآخر يتضح الوضع في قطاع غزة. نظرة واعية إلى الاشهر الأخيرة، التي شهدت مصالحة فلسطينية داخلية فاشلة وإزالة المسؤولية في غزة عن حكم «حماس»، تبين صورة تصعيد زاحف. بطيء جداً ومتدرج، ولكن مع ذلك تصعيد واضح جداً باتجاهه. فحجم اطلاق الصواريخ في الاشهر الاخيرة، اعمال الاخلال بالنظام على الجدار، والاسبوع الاخير الذي شهد عبوات ناسفة – كل هذا يبين حركة دولاب مسنن. في كل مرة يتحرك فيه دولاب التصعيد درجة واحدة الى الامام. حركة بطيئة، ولكن ثابتة ومتواصلة. اما الحركة الى الوراء، فتكاد تكون متعذرة.
حتى قبل «الجرف الصامد»، كان زرع العبوات موضوعا عاديا. فوعي المواجهة في القطاع بعد فك الارتباط يرتبط أساسا باطلاق الصواريخ، ولكن على مدى السنين كان القتال على الجدار شبه متواصل. زرع العبوات على طول الجدار الفاصل حصل في المتوسط عدة مرات في الاسبوع. وفي معظم الحالات كان الجيش الاسرائيلي يكتشفها، ولكن كانت هناك ايضا عمليات كبيرة ذات نتائج قاسية.
منذ «الجرف الصامد» لا تسمح «حماس» لمنظمات «ارهاب» اخرى تنفيذ عمليات ضد الجيش الاسرائيلي على الحدود. فهل قررت الآن تغيير سياستها؟ في هذا المرحلة من السابق لاوانه أن نعرف ولكن توجيه «المشاغبين» نحو الجدار يوم الجمعة القريب القادم ايضا، وعدد اصابات اكثر في اوساط الفلسطينيين قد يسرع سياقات التصعيد.
مقارنة بالمنظمات السلفية في القطاع، التي تعمل «حماس» ضدهم بيد قاسية، فان منظمة «لجان المقاومة» التي تقف خلف زرع العبوة، يوم الجمعة الماضي، توجد في شبكة علاقات مركبة مع القيادة في غزة. في الماضي كانت تعتبر منظمة تنتمي لـ»حماس» وعملت غير مرة بتكليف مباشر منها. الكثير من «المخربين» الذين ينتمون لهذه المنظمة هم من خريجي «حماس» وذوو تجربة عملياتية كبيرة. وفي السنوات الاخيرة حل تطرف ديني آخر داخل المنظمة وبدأ الابتعاد عن «حماس». ولكن نشاط المنظمة لا يزال تحت السيطرة والرقابة.
في جهاز الامن يسمون اعمال «الارهاب» التي لا تنفذها «حماس» او «الجهاد الاسلامي» أعمالا عاقة. هكذا ايضا الموقف من زرع العبوة. ولكن الموقف من لجان المقاومة كمنظمة عاقة مضلل ومشوش بعض الشيء. فمقارنة بالمنظمات السلفية الصغيرة، فان هذه قادرة على انتاج تواصل ثابت من العمليات على الجدار الفاصل أو باطلاق الصواريخ و»حماس» توجد في معضلة شديدة بالنسبة لها. اذا ما واصلت غض النظر، فمن شأن «لجان المقاومة» ان تجر الى الساحة «الجهاد الاسلامي»، ومن هنا فان السبيل الى التصعيد سيكون قصيرا.
لا تستبعد امكانية أن تكون «حماس» سلمت بفقدان الأنفاق، ولن تختار الخروج الى معركة حول هذا الموضوع. وبالمقابل، فان عدم الاستقرار في القطاع، الازمة الاقتصادية، والانهيار النهائي لمساعي المصالحة يمكنها أن تؤدي بـ»حماس» الى قرار بان لا مفر من المواجهة. توجد «حماس» في معضلة سلطوية: فقد فهمت بان ليس في وسعها حل الازمات المدنية، وهي معنية بان تزيل المسؤولية عن نفسها، ولكن ان تبقي لنفسها السيطرة على القطاع وعلى حركة الاموال دون أن تحكم ودون أن تدفع ثمنا. بالطبع لا أمل في هذه الظروف بمصالحة حقيقية مع السلطة. وفقط التنفس الاصطناعي يبقي المداولات على الطاولة. المريض مات، ولكنه يتنفس اصطناعيا. في هذه اللحظة على الاقل هذا في صالح الجميع.
الثمن الذي سيجبى من «حماس» في الحرب واضح جدا لها ولزعيمها في القطاع، يحيى السنوار، الذي يعتبر في اسرائيل «متطرفاً» على نحو خاص، ولكن منذ انتخب يتصرف بشكل براغماتي ويحذر من الانجرار الى المواجهة. من جهة اخرى، بدأ الضغط الداخلي يؤثر منذ الآن. اثناء رد الجيش الاسرائيلي على العبوة الناسفة، اطلقت «حماس» النار على الطائرات بمدافع «دوشكا» 14 مليمترا قديمة. ليس لهذا الحدث معنى عملياتي من ناحية طائرات سلاح الجو، ولكن من ناحية «حماس» هذا هدف رمزي.
مثلما في الشمال، رغم التوتر فان المواجهة الواسعة والشاملة لا تزال لا تبدو في الافق. ولكن اياما قتالية، جولات تصعيد قصيرة، هي سيناريو معقول جدا للفترة القريبة القادمة في القطاع، باحتمالية اعلى مما في الجبهة الشمالية.
2. شهد السبتان الماضيان أحداثا عملياتية ليست طيبة للجيش الاسرائيلي. فاسقاط طائرة العاصفة في الشمال وحادثة العبوة في الجنوب حدثان كان يمكن منعهما بسلوك عملياتي سليم. في الحدثين كان مركز التحقيق هو في اعمال القوة في الميدان، والطائرة الوحيدة في الجو، ورغم ذلك يجب النظر ايضا الى الصورة الواسعة في كل ما يتعلق بالرقابة، الانذار المبكر، التحكم، والرقابة في المستويات المنظوماتية.
كان يمكن للحدثين أن ينتهيا بنتائج أقسى. الرد الاسرائيلي، بشكل تقليدي، يتأثر كثيرا باختبار النتيجة. لو انتهى الحدثان بقتلى، من المعقول الافتراض بان رد الجيش الاسرائيلي سيكون اقوى بكثير. حكومة اسرائيل ليست معنية بالدخول الى مواجهة في اي من الجبهتين. ونتيجة ذلك هي أن المسؤولية على القادة في الميدان كبيرة على نحو خاص. ويكاد يكون كل خطأ تكتيكي من شأنه ان يعقد الوضع الذي يوجد على اي حال على شفا اشتعال كبير. وعلى القادة في الميدان ملقاة مسؤولية ثلاثية: الايفاء بالمهام العملياتية، الحفاظ على امن القوات، والامتناع عن اخفاقات تكتيكية من شأنها أن تؤدي الى معانٍ استراتيجية. هذه مهام غير بسيطة في أيام من التعقيد العملياتي والتغييرات الكبرى الجارية في كل الجبهات.
ان السلوك العملياتي للقوة المشتركة في حادثة العبوة يجب أن يقلق القادة في الميدان. نحو اربع سنوات من الهدوء الامني في الجنوب تؤثر ايضا على التجربة العملياتية للجنود والقادة الصغار. قادة الألوية وحتى قادة السرايا الشبان لم يجربوا تقريبا احداثا عملياتية تحت النار او في ساحات عبوات. ولهذا السبب، غير مرة في الاحداث الاولى التي تبشر بالتصعيد بعد فترات هدوء تنكشف اخفاقات تكتيكية. على الحدث الاخير أن يكون اشارة تحذير.
3. كثيرون في اسرائيل، في الضفة وفي القطاع ينشغلون بمسألة اليوم التالي لعهد ابو مازن. يخيل أن الوحيد الذي لا ينشغل في هذا الموضوع هو أبو مازن نفسه، الذي عرض، هذا الاسبوع، في مجلس الامن في الامم المتحدة الخطة الفلسطينية للسلام، وطلب الاعتراف بفلسطين كعضو كامل في الامم المتحدة في ظل مهاجمته لاسرائيل والولايات المتحدة. بين ابو مازن والقيادة السياسية في اسرائيل، ولا سيما مع نتنياهو وليبرمان، تجري مواجهة حادة، وهو يعرض عندنا كعائق كبير للسلام. وفي جهاز الامن ايضا لا توجد خيالات حول تقدم سياسي محتمل، ولكن على المستوى العسكري – الامني توجد فجوة آخذة في الاتساع بين القيادة السياسية وفكر القيادة الامنية – المهنية. بينما تعرض القيادة السياسية ابو مازن كاحدى المشاكل المركزية، فان التقدير في جهاز الامن هو أنه لا يهم من يأتي بعده، فالكفاح الفلسطيني مع اسرائيل بعد رحيله سيكون عنيفاً أكثر.
ابو مازن، حسب هذا المفهوم، لا يزال يمكنه أن يدير الصراع في المستوى السياسي. من ناحية الجهات المهنية في جهاز الامن هو خيار أهون الشرور، الاقل سوءاً في هذه الايام، ولا يزال يعتبر جهة لاجمة. اما القيادة السياسية، كما أسلفنا، فتبث رسالة اخرى تماما.