عالم أكاذيب نتنياهو-هآرتس
2018-03-08
حددت حانا أرندات في مقالة نشرتها في مجلة «نيويوركر» في شباط 1967، أن الحقيقة هي عدو السياسي وعدو الطاغية. الحكام يكرهون الحقيقة لأنهم لا يستطيعون السيطرة عليها. وكما كتبت أرندات فإنه يمكن لهم أن يجادلوا أو يساوموا وجهات النظر والآراء المختلفة، «ولكنهم يظهرون أمام الحقائق غير اللطيفة تعنتا مزعجا، لا يمكن التخلص منها إلا من خلال الأكاذيب العلنية». وحذرت أرندات، التي تخصصت في تحليل أساليب الدعاية للنظم الشمولية، قبل نصف قرن من وصول دونالد ترامب، من قدرة القادة في العصر الحديث على خلق واقع كاذب بديل، مقنع جدا إلى حد أنه يمكن استخدامها كبديل شامل للحقيقة.
هذا ما يشغل بنيامين نتنياهو والمقربين منه هذه الأيام. إنهم يحاولون خلق عالم واقعي بديل، يقوم على افتراض كاذب بأن نتنياهو لم يرتكب أي خطأ. إنه ضحية بريئة. مشاكله ليست مبررة. ومن هنا ينبع أن الافتراءات ضده والتحقيقات اللاحقة هي نتيجة مؤامرة مظلمة من خصومه لإسقاطه، وليس عن طريق صندوق الاقتراع. في إعادة صياغة خبيئة لمقولة بطله، ونستون تشرشل، الشهيرة، في ساعة الضائقة نتنياهو يدافع عن الكذب بدعم شديد من الأكاذيب الأخرى.
في عالم أكاذيب نتنياهو، يعتبر قبول الهدايا من المليارديرات أصحاب المصلحة، قاعدة، ومحاولة السيطرة على وسائل الإعلام، وخصي الصحافة مبررة ومباركة، والتخلي عن الإصلاح الذي كان سيفيد عملاء الشركة، مقابل تغطية متعاطفة هو وصية، وحقيقة أن الأقارب يستغلون علاقاتهم لجرف الملايين من الصفقات الأمنية، ليست مسألة تخص الجمهور. ومن هنا، فإن الشرطة التي تحقق معه هي فاسدة، ورجال النيابة الذين يناقشون قضيته ضعفاء، والقوى المظلمة من اليسار، ووسائل الإعلام، والأوساط الأكاديمية، والمحاكم هي التي تجذب الخيوط.
هذا السرد الكاذب له ميزة مدمجة: يمكنه تشويه واحتواء أي تطور جديد لكي يلائم الخداع الأصلي. مفوض الشرطة، الذي هلل له نتنياهو، أصبح بين عشية وضحاها متعاونا مع العناصر المظلمة؛ المستشارون والمقربون الذين رسمهم في الأمس فقط كمخلصين، وموالين وشركاء في السر، يعاد اختراعهم كوشاة يفتقرون إلى الخجل والمعرفة؛ ونظام القانون والعدالة، الذي كان، على الرغم من عيوبه، مجد دولة إسرائيل، يصبح فجأة بؤرة للفساد وحياكة الملفات ويعتبر قضاته أشرارا. وسائل الإعلام فقط بقيت كما هي: تاجرة للأنباء الكاذبة، تعتبر كل حقائقها خداع.
لدى نتنياهو كتائب من الأغبياء المفيدين، في وسائط الإعلام والسياسة، الذين ينشرون افتراءاته على البلاد بسبب الكراهية والمواقف المسبقة. ويفضل آخرون، حتى في قيادة الليكود، أن يظلوا صامتين، بسبب اعتبارات النفعية السياسية أو الخوف من الحشود التي تصغي لاختراعاته. بعد سنوات طويلة من الحكم شبه الحصري وغسل الدماغ المستمر حول الأعداء خارج وداخل البيت، أصبحت أجزاء كبيرة من الرأي العام بمثابة مادة في أيدي منتج للدعاية الموجهة مثل نتنياهو. الإيمان بنظريات المؤامرة المهووسة هو أسهل وأكثر مغذيا من التعامل مع الحقيقة حول زعيم تم ضبطه في محنته ويرفض الذهاب.
في مواجهة مد أكاذيب الحاكم، تحدد أرندات، تتحول الحقيقة نفسها إلى موقف سياسي. ربما في تحد خفي للانتقادات التي تلقتها أرندات، بسبب تقاريرها عن محاكمة أيخمان، تحدد أن نهايتها الانتصار. فالوقائع، كما تقول، أكثر عنادا وإصرارا من تشويهات السلطة. لم يكن بوسعها أن تقيِّم بالطبع ما إذا كان القرار المنشود سيأتي قبل الانتخابات القريبة أو بعدها، أو ما إذا كانت إسرائيل ستضطر إلى دفع الثمن الباهظ للإدمان على الأكاذيب الذي دفعته شعوب أخرى.