«نجوم الصحراء»... تفكيك المجتمع وشرعنة التجنيد
2018-03-15
كثُر الجدل في الأيام الماضية على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي بشأن ما يسمى مشروع "نجوم الصحراء" بالنقب، جنوبي البلاد، بعد الإعلان عن تخصيص قرية بمساحة 60 دونما على أراضي قرية وادي زُبالة المهجرة (تتبع لعائلة أبو القيعان سكان أم الحيران المهددة بالترحيل، اليوم).
وازدادت حدة النقاش في أعقاب الملاحقة السياسية لرئيس بلدية رهط، د. عامر الهزيل، إثر تصريحاته حول رفضه القاطع للخدمة المدنية والعسكرية والترويج لها في النقب، وانتقاده لمشروع "نجوم الصحراء" الذي وصفه بأنه "مشروع مشبوه".
تتمحور معظم تبريرات المدافعين عن المشروع حول مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" وأحيانا الإنكار، وأن النقص في برامج التثقيف الشبابي وتدني مستوى التعليم في النقب هو الحالة التي ينطلق المشروع لتغييرها، حيث لا ضرر في جمع التمويل من أي مصدر كان ما دام سيصب في مصلحة رفع مستوى التعليم في النقب!
ومن هذا المنطلق، صوّر مؤسسو ومسؤولو "نجوم الصحراء" بأنه "المنقذ للنقب من الجهل والواضع للجيل القادم له في دائرة الحياة الأكاديمية، سوق العمل، النشاط السياسي والتأثير على سير العملية السياسية في إسرائيل"!
أصل الحكاية
في العام 2011 نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" مقالا مفاده أن "الملايين ستصب في النقب خلال السنوات القادمة لدعم وبناء مشاريع لا منهجية تهدف لدمج شباب وبنات النقب في سلك التعليم العالي وتطوير الشخصية، وأيضا الدعوة للتجنيد المدني والعسكري، والهدف حث الشباب العرب من النقب على الانخراط في جيش الدفاع (جيش الاحتلال الإسرائيلي)، دعم المجندين الحالين فيه ومرافقتهم بعد إنهائهم لخدمتهم العسكرية، وذلك في أعقاب انخفاض أرقام المجندين البدو في جيش الدفاع".
لم تذكر المقالة أي عنوان من العناوين أو المؤسسات التي ستتلقى هذا الدعم، لكنها أعطت الإشارة الأولى للشر القادم إلى النقب.
في السنوات التي تلت ذلك بدأ مشروعان بالتشكل بصيغة غير مفهومة وطُرحت الكثير من التساؤلات، الأول هو مشروع وادي عتير والذي يتكون من مجموعة مرافق، قرية زراعية وحظائر حيوانية، الهدف منه صناعة المنتجات الاستهلاكية الأساسية، الحليب، الأجبان والمنتجات الزراعية، بقصد بيعها في الأسواق العربية في النقب. أما الثاني فهو مشروع "نجوم الصحراء" ما يقول القائمون عليه هو "بلورة نخبة من قادة المستقبل الذين يعتمدون على قدراتهم ويستثمرون قريحتهم الفتيّة، ومن ثم تبوء مواقع مفتاحية لخدمة مجتمعهم" (في النقب).
تميز العام 2013 في النقب بمركزية خاصة في الحياة السياسية لعرب النقب واحتدام المعركة ضد مخطط "برافر" وخلاله تصاعد عمل الصندوق الدائم لإسرائيل (كيرن كاييمت ليسرائيل- ككال) في الأراضي العربية في النقب، وبالأساس في قرية العراقيب التي تقف في وجه مخطط التحريش والتهجير.
وفي حين كانت القيادة المحلية والحراك الشبابي في النقب يديرون المعركة ضد مخطط برافر، كان البعض الآخر يتوجه للجمعيات الصهيونية العالمية وبالأساس "الصندوق الدائم لإسرائيل في فرع بريطانيا وفرع أستراليا" لجمع المزيد من التمويل (جمعية نجوم الصحراء)- حسب مقالات صدرت عن الصندوقين، تتحدث عن المشاريع التي ترعاها في إسرائيل.
وما يعرف عن صناديق التمويل للعاملين في المجال أنه لا تمويل بلا شروط وأجندة وخصوصا إذا كان هذا التمويل من ركن أساسي في الحركة الصهيونية، الصندوق الدائم لإسرائيل (كيرن كاييمت ليسرائيل- ككال).
كَي الوعي
استمر هذا النهج حتى بدأت تتفتح العيون المجتمعية على مشروع "نجوم الصحراء" بشكل أوسع بعد الإعلان عن إقامة مستوطنة "حيران" في النقب والتي تخطط السلطات الإسرائيلية إقامتها بعد هدم قرية أم الحيران العربية وتهجير سكانها.
كان واضحا منذ البداية أن مشروع إقامة مستوطنة حيران هو مشروع الصندوق الدائم لإسرائيل (كيرن كاييمت ليسرائيل- ككال) بشكل معلن، والذي وضع ختمه وأعلامه ومعداته في منطقة العمل منذ اليوم الأول للإعلان عن إقامة حيران.
نفذ "ككال" مجموعة من الاعتداءات على السكان في أم الحيران، في عدة مراحل، عبر موظفيه وعبر الشرطة الإسرائيلية التي يعمل عناصرها بإمرته في أم الحيران، وكان آخر هذه الاعتداءات هدم المنازل وإعدام الشهيد يعقوب أبو القيعان في تاريخ 18.01.2017.
وإذ شكل مشروع مستوطنة حيران اليهودية على أنقاض أم الحيران العربية حرجا عالميا لإسرائيل في تمثيله لحالة أبرتهايد كولونيالي واضحة، نشر "ككال" العديد من المقالات لتبييض صفحته أمام العالم عبر موقعه الرسمي، تتحدث عن قصص نجاح لشباب عرب من النقب مشتركين في مشروع "نجوم الصحراء" وسعادتهم لكونهم شركاء في التغيير، بالإضافة إلى "رغبتهم في الانخراط في المجتمع الإسرائيلي بشكل أكبر والعطاء للدولة".
لم تُهمل نشرات "ككال" الكثيرة، باللغة الإنجليزية، مشروع وادي عتّير الذي يمثل، حسب رواية الصندوق، "حالة العمل المشترك الأمثل بين العرب واليهود في النقب، وتنظيما للحياة الزراعية في النقب تحت شعار: نغرس الأشجار معا عربا ويهودا".
ويبعد مشروع وادي عتير الذي أقامه الصندوق عدة كيلومترات عن قرية أم الحيران التي يحاول اقتلاعها بنفس الأدوات.
المعركة
ناضل الحراك الشبابي المستقل في النقب ضد مشروع "نجوم الصحراء" عند كشف صناديق تمويلها وخطورة الأجندة التي تنفذها والطاقم المسؤول عن عمل الجمعية وتصميم مضامينها وخلق الحالة القيادية التي تلائم الأجندة المذكورة وما بان منها وما خفي ومنهم: المدير العام للمشروع: متان يافي- ضابط سابق لوحدة "أبناء رفول" لدمج الجنود من خلفية اقتصادية اجتماعية متردية، وأعضاء الهيئة الإدارية: نمرود شفر- رئيس قسم التخطيط في الجيش سابقا، وإليشع كرا، عميل جهاز "موساد" سابقا افتضح أمره في نيوزلندا، ويتسحاق زيفان الذي تبرع لحركة "إم ترسو" الفاشية بمبلغ 88,075 شيكلا عام 2013. بالإضافة إلى عدد من العرب واليهود الذين خدموا في الجيش وأشباههم.
لا تدعو الجمعية، الغريبة عن المجتمع العربي الفلسطيني بالنقب، للتجنيد بشكل مباشر، بل تأخذ منحى أكثر دهاء وخبثا، فهي تعمل على طمس وعي الشباب وصقل هوية مختلفة، أي كسر الحاجز النفسي بين الشباب العرب والمؤسسة بفروعها الأكثر خطورة وأنسنة المؤسسة الإسرائيلية، من خلال زيارات متكررة إلى مؤسسات صهيونية، ويتجلى ذلك من خلال تعاون مع جمعيات تعمل على تحضير الشباب للخدمة العسكرية، وغيرها من الطرق والوسائل التي برزت في شهادات خرجت إلى الإعلام عبر خريجين من دورة "القيادة الشابة" في الفوج الأول، أو مشاركين انسحبوا من المشروع قبل إنهائه وصور محدودة نشرت في شبكات التواصل الاجتماعي.
لاحق عرابو "نجوم الصحراء" أفراد الحراك الشبابي لانتقادهم للمشاريع المشبوهة على شبكات التواصل بعدة طرق، منها التهديد والملاحقة العشائرية في النقب وفي أغلب الأحيان التهديد بالشرطة.
وهنا ظهر توجههم، للمرة الأولى، إلى أذرع إسرائيل الأمنية ضد أبناء شعبهم بعدما أخفقوا وفشلوا في النقاش الاجتماعي، ولكن لم تلك هي الحالة الوحيدة، فكما ذكرت في البداية جرى التحريض على د. عامر الهزيل في الصحف والإعلام الإسرائيلي بشكل مكثف بهدف معاقبته لانتقاده المشروع، وكان آخر تحريض، رسالة وصلت من الوزير المتطرف، أوري أريئيل، إلى وزير الداخلية، أرييه درعي، يطلب فيها فصل الهزيل من عمله رئيسا لبلدية رهط.
السلاح الأقوى
تحاول الجمعية إضفاء شرعية مجتمعية على عملها من خلال إبراز أشخاص مع خلفية دينية واجتماعية، وتحاول استخدام الدين كشماعة لعملها، عبر الزج بشخصيات دينية مهمة للنسيج الاجتماعي في النقب في الصور الترويجية وعلى المنصات الرسمية للجمعية، بالإضافة لكون المسؤولين الرئيسين عن الجمعية هم شخصيات تحظى بشرعية اجتماعية، تستخدم نفوذها في الشارع النقباوي بهدف إعطاء الشرعية للمشروع، ومن أمثلة منح الصبغة الدينية لكسب المشروع أن ذهب الأمر بمسؤول العلاقات العامة بالجمعية لأن يقول "شباب الدفيئة، يصلون الفجر في جماعة".
وكان أحد أساليب كسب الشرعية أيضا مشاركة بعض أعضاء كنيست العرب من القائمة المشتركة (الأسماء محفوظة في ملف التحرير) بدون علاقة لعلمهم بخلفية الجمعية ومخططاتها.
يتعامل القائمون عن المشروع بطريقة الدفاع المستميت والمستمر، وتستخدم حسابات خريجي وطلاب "نجوم الصحراء" المعلقين بالعشرات في كل نقاش، مشكلين الخط الأول للدفاع بالإضافة إلى بعض المنتفعين من المشروع أو العاملين فيه.
وتشكل الأساليب المذكورة واستخدامها خطرا جديا بدأت تظهر نتائجه جلية على النسيج الاجتماعي في النقب، تفكيك وتحريض وإعادة دور الحاكم العسكري، الآمر الناهي، الممول، والمُعاقِب لكل من يخالف أجندته.رأفت أبو عايش