حرص اليمين الاستيطاني على أجندته تسبّب بإنقاذ نتنياهو والحكومة!
2018-04-08
أنهى الكنيست، في منتصف آذار الجاري، دورته الشتوية، وعامه البرلماني الثالث، بثبات وتماسك الائتلاف الحاكم، بشكل يكسر كل تجارب الماضي، في الولايات البرلمانية الإسرائيلية، التي واجهت فساد من يقف على رأس الحكومة. ونجح الائتلاف في تحقيق سلسلة من المكاسب السياسية، على صعيد التشريعات العنصرية والاحتلالية، وأيضا على الصعيد
الاقتصادي، بإقرار ميزانية العام المقبل في وقت مبكر. ومن خلف هذا يقف عاملان مركزيان، أولهما حرص اليمين الاستيطاني على أجندته، فهذه الحكومة هي الأفضل بالنسبة له؛ والثاني، حسابات الربح والخسارة لدى أحزاب الائتلاف، والائتلاف ككل، وكل هذا نجح في ظل غياب معارضة ذات وزن لسياسة الحكومة.
ومن أبرز محطات الدورة الشتوية أنها بدأت في ظل تكثف التحقيقات مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في شبهات الفساد، لكن بعد ذلك بشهر تلقى نتنياهو دعما سياسيا على المستوى الشخصي، ولحكومته بشكل عام، من خلال إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال، ونقل السفارة الأميركية اليها من تل أبيب، وهو ما اعتبره اليمين الاستيطاني دعما غير مسبوق لتوجهاته.
وفي منتصف شهر شباط الماضي أعلنت الشرطة توصياتها بمحاكمة نتنياهو في قضيتي رشاوى وخرق الأمانة. وكان مثل هذا في حالة سابقة كفيل بأن يقود نتنياهو إلى الاستقالة. فمثلا في العام 1977، حينما قرر المستشار القانوني التحقيق مع رئيس الحكومة إسحاق رابين، وزوجته ليئا، بسبب وجود حساب بنكي للأخيرة في الولايات المتحدة، فيه أقل من ألفي دولار، استعجل رابين الاستقالة. ولاحقا، في العام 2008، لم ينتظر رئيس الحكومة إيهود أولمرت صدور قرار رسمي من المستشار القانوني، ولا حتى من الشرطة في قضية شبهات الفساد، وأعلن استقالته. ومن المفارقة أن القضية الأساسية التي استقال أولمرت بسببها برأته المحكمة لاحقا منها لضعف الأدلة.
أما نتنياهو فقد حظي بدعم حزبي من كافة أطراف الائتلاف، وهذا انعكس مباشرة في صعود قوة الليكود وشعبية نتنياهو في استطلاعات الرأي. فحتى ما قبل توصية الشرطة، كانت الاستطلاعات تتحدث عن خسارة الليكود، ما بين 5 إلى 6 مقاعد من مقاعده الـ 30 الحالية، أما اليوم فإن استطلاعات الرأي تتحدث عن احتفاظ الليكود بمقاعده الحالية، أو لربما يفقد مقعدا أو اثنين. وقد ساهمت في هذا عملية صناعة رأي مكثفة، في مركزها شيطنة جهاز التحقيقات في الشرطة، وعرض نتنياهو عائلته بأنها "ضحية مؤامرة".
لكن بعد توصية الشرطة بأيام قليلة أعلنت إدارة دونالد ترامب استعجال نقل السفارة إلى القدس، في ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني، في منتصف أيار المقبل، رغم أن الحديث كان يجري عن نهايات 2019، وهذا ما أظهر أن ترامب ومجموعته يسعيان لتقديم دعم سياسي إضافي لشخص نتنياهو.
وبعد ذلك بأيام فجّرت كتلتا اليهود الحريديم، يهدوت هتوراة وشاس، مسألة قانون جديد لتحييد الغالبية الساحقة من شبان جمهورهما من مسألة التجنيد الالزامي في الجيش، إذ إن المحكمة العليا كانت قد ألغت التعديل القانوني الذي أقره الكنيست بطلب من الحكومة، في خريف العام 2015، ويخفف كثيرا من قانون تجنيد الحريديم، التي كانت حكومة نتنياهو والكنيست قد أقراه في بحر العام 2014، حينما كانت الحكومة من دون حريديم. غير أنه قبل دخول ذلك القانون مسار التنفيذ كليا، بادرت الحكومة الحالية لتعديله، بطلب من الحريديم، وهو ما ألغته المحكمة العليا، وطلبت أن يقر الكنيست قانونا بديلا، حتى شهر أيلول من العام الجاري 2018.
ومن أبرز معالم الدورة الشتوية أن الائتلاف الحاكم سارع في الأسابيع الأخيرة لإنجاز عدد من القوانين الداعمة للاحتلال والاستيطان، وقوانين عنصرية أخرى، وكما يبدو تحسبا لاحتمال التوجه إلى انتخابات مبكرة قد تلغي مكتسبات كبيرة لليمين الاستيطاني.
في المقابل، ضغط نتنياهو على الائتلاف لدفع "قانون القومية" العنصري، رغم ما فيه من بنود اختلاف بين أطراف الائتلاف، في ما يتعلق بطابع النظام الديمقراطي، ومكانة المساواة العامة، ومكانة الطابع اليهودي والشريعة اليهودية. وكان واضحا أن نتنياهو يريد هذا القانون مكسبا سياسيا بيده.
وكان الكنيست قد أقر القانون بالقراءة التمهيدية قبل عام من الآن، ولم يتسن الدفع به أكثر. وفقط في آخر أسبوع من الدورة الشتوية، صادقت اللجنة الخاصة التي تعمل على بلورة القانون على صيغته للقراءة الأولى، لعرضه على الهيئة العامة. وفشل نتنياهو في أن يتم عرضه على الهيئة العامة قبل نهاية الدورة الشتوية، ولذا يطالب بعرضه للتصويت في الأسبوع الأول من الدورة الصيفية المقبلة، في نهاية نيسان المقبل.
كما فشل نتنياهو بالدفع بقانون فرض قيود على أذان المساجد، الذي أقره الكنيست بالقراءة التمهيدية قبل أكثر من عام، وهو يواجه خلافات وتحفظات داخل الائتلاف الحاكم.
ما بين الحسابات السياسية والحزبية
من الواضح أن قرار عدم التوجه إلى انتخابات مبكرة خاطفة، كان نتنياهو تواقا لها جدا، كان يرتكز أساسا على حسابات ربح وخسارة حزبية. لكن في الحقيقة ليس هذا وحده، بل كانت هناك أيضا حسابات سياسية، وبالذات لدى الرابح الأكبر من هذه الانتخابات، تحالف المستوطنين "البيت اليهودي"، الذي "تبشره" استطلاعات الرأي باستعادة قوته البرلمانية التي حققها في 2013، من 12 مقعدا، بدلا من 8 مقاعد اليوم، لكنه يرى أنه مقابل هذه الزيادة "السخية" نسبيا، فإن حجم الائتلاف الحاكم اليوم سيتقلص، ما قد يغير تركيبة الحكومة، بما يمنع تحقيق مكتسبات سياسية لليمين الاستيطاني، بالمستوى الذي يتحقق منذ ثلاث سنوات.
فعلى مستوى حزب الليكود، في الوقت الذي يرغب فيه نتنياهو بالتوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، فإن قسما كبيرا من كتلة حزبه البرلمانية ليس معنيا بها، لأنه وفق نظام الانتخابات الداخلية في الليكود، فإن كل انتخابات ستؤدي إلى خروج ما بين 33% إلى 40% من أعضاء الكنيست الحاليين، من القائمة الانتخابية الجديدة. فالنظام القائم يعتمد على تخصيص مقاعد للأقاليم وفروع الحزب الكبيرة. وبعد أن يُنتخب الشخص لأول مرّة على مقاعد الأقاليم، فإنه في الانتخابات التالية سيكون عليه التنافس على المقاعد القطرية، وهذا ما يزيد من حدة التنافس عليها، ويؤدي إلى خروج من هم أضعف، ولذا فإن نصف النواب الحاليين من الليكود سيخافون على مستقبلهم ويضغطون بعدم التوجه إلى انتخابات مبكرة، قدر الإمكان.
والخوف هو أيضا لدى حزب "كولانو" حديث العهد، بزعامة موشيه كحلون، فكل استطلاعات الرأي تتنبأ بأن يخسر الحزب ما بين 3 إلى 4 مقاعد من مقاعده الـ 10 الحالية. وفي حالة كهذه فإن كحلون ليس فقط انه سيعود أضعف، وإنما أيضا لن يكون بمقدوره طلب حقيبة رفيعة بمستوى المالية، ومعها وزارة البناء والإسكان، كما هي حال حزبه اليوم.
وكذا الأمر بالنسبة لأفيغدور ليبرمان، الذي هو أيضا تقول استطلاعات الرأي إنه في أحسن أحواله سيحافظ على مقاعده الستة الحاليين، أو يربح أو يفقد مقعدا واحدا، وهذا ما يضعف وزنه في الحكومة التي ستقام بعد الانتخابات.
وفي الحقيقة فإن شيئا ما ليس مفهوما في استطلاعات الرأي فيما يتعلق بكتلتي الحريديم، وبالذات كتلة شاس. فحسب التقديرات، يشكل الحريديم حوالي 9% من جمهور الناخبين، ولربما أكثر بقليل، وهؤلاء نسبة التصويت لديهم تفوق 90%، ما يقرّب نسبتهم بين الناخبين فعلا في يوم الانتخابات إلى 10%، بمعنى 12 مقعدا على الأقل. إلا أن استطلاعات الرأي تتنبأ بارتفاع قوة يهدوت هتوراة لليهود الأشكناز بمقعد واحد، لتصبح 7 مقاعد، بينما قوة شاس لليهود الشرقيين ستهبط من 7 مقاعد اليوم إلى 5 وحتى 4 مقاعد، بمعنى صراع مع نسبة الحسم، على الرغم من أن لشاس قواعد انتخابية من اليهود الشرقيين من خارج جمهور الحريديم. وحركة شاس فقدت في انتخابات 2015 أربعة مقاعد، اثنان لصالح حزب "كولانو" نظرا لزعيمه الشرقي كحلون، واثنان آخران بفعل الانقسام في الحركة الذي قاده الوزير الأسبق إيلي يشاي، الذي ليست واضحة وجهته في الانتخابات المقبلة، ما يعني أن هناك معقدين تخطئ بهما استطلاعات الرأي، وقد يحققهما حزب شاس، لكن أيضا شاس بات يخاف من الانتخابات المبكرة.
في المقابل، فإن وسائل إعلام ومحللين اتهموا كتلة "المعسكر الصهيوني" المعارضة، التي يقف في صلبها حزب "العمل"، بأنها لم تمارس ضغطا شعبيا لحل الكنيست والتوجه إلى انتخابات مبكرة، وذلك نظرا لكون استطلاعات الرأي تتنبأ بأن يخسر التحالف نصف مقاعده الـ 24، ولربما في هذه النتيجة مبالغة ليس قليلة.
الانتخابات المبكرة
من الواضح أن الائتلاف الحاكم دخل الآن إلى مسار تجاذبات ليس سهلا، ترتكز أساسا على حسابات حزبية انتخابية، بمعنى أن هناك قوى تريد تحقيق أوراق سياسية رابحة، فكتلتا الحريديم، يهدوت هتوراة وشاس، وبالذات الأولى من بينهما، معنيتان بقانون مخفف إلى أقصى الحدود في مسألة تجنيد شبان الحريديم في الجيش. ومن ناحيتهما هذه الفرصة السانحة لوضع أساس جديد لهذه القضية، خاصة وأن جمهور الحريديم، وبالذات قيادتهم الدينية، يضغط لسن القانون بكل قوة، لأن المسألة مرتبطة بمستقبل جمهور الحريديم ومجتمعهم المغلق، كون التجنيد بالنسبة لهم هو بمثابة كسر جدران هذا المجتمع المنغلق على ذاته، وبذلك تكون بداية تدفق شبانهم إلى العالم المفتوح على كافة الصُعد.
في المقابل فإن وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان يحارب ضد هدف الحريديم، إذ كما ظهر بعد أشهر من انتخابات 2015، وضع ليبرمان لنفسه هدف جذب الجمهور اليميني المتشدد، الرافض للشروط التي يفرضها الحريديم على الحياة العامة، وعلى مسألة الانخراط في الجيش وحجم الميزانيات التي يتلقاها من الموازنة العامة. وليبرمان بعد أن انضم إلى الحكومة في حزيران 2016، أوقف كل مسيرته التي بدأها في هذا الاتجاه، ويرى في الصدام مع الحريديم حاليا في مسألة التجنيد عودة إلى هذا المسار، على أعتاب الانتخابات المبكرة.
كذلك ليس واضحا ما هو مصير "قانون القومية"، فعلى الرغم مما أعلن عن أن اللجنة البرلمانية الخاصة صادقت على القانون، فإنه ليس واضحا كيف أن كتلتي الحريديم وبالذات الأكثر تشددا دينيا، يهدوت هتوراة، ستدعمان القانون، الذي فيه العديد من البنود التي تصطدم مباشرة مع عقائدهما الدينية، خاصة وأن قوى واسعة من الحريديم تضغط في اتجاه افشال القانون.
ما يراد قوله هو أنه على الرغم من التماسك البادي في الائتلاف، فإن بدء هذا المستوى من التجاذبات قد يقصّر من عمر الحكومة. ومنذ الآن بالإمكان القول إن انتخابات في موعدها القانوني، في خريف 2019، ستكون أمرا صعبا جدا، ولذا فإن الانتخابات ستكون في ظل احتمالين، الأضعف منهما أن يتم حل الكنيست في بدايات الدورة الصيفية، التي ستبدأ في اليوم الأخير من نيسان المقبل، وحينها ستكون الانتخابات في نهاية تشرين الأول من العام الجاري، على أن يتم تأجيل انتخابات البلديات إلى شتاء 2019. وهذا السيناريو يعتمد على احتمال ظهور أمور جديدة، خاصة في قضية نتنياهو، أو احتدام الصدام بين أطراف الائتلاف حول قانون التجنيد، الذي بموجب قرار المحكمة العليا على الكنيست أن ينجزه في أيلول المقبل، وبشكل يلزم الغالبية الساحقة من الشبان الحريديم بتأدية الخدمة العسكرية الإلزامية. والاحتمال الآخر الأقوى هو أن تجري الانتخابات البرلمانية في بحر شهري شباط وآذار 2019، وهذا السيناريو مرتبط أيضا بظهور مفاجآت، أو صدور قرار نهائي في قضية بتقديم نتنياهو إلى المحاكمة، صادر عن المستشار القانوني للحكومة، على الرغم من أن القرار النهائي الكلي سيحتاج لأشهر طويلة، بموجب تجارب الماضي.
وبحسب الأنظمة القائمة، في حال قرر المستشار القانوني توجيه لائحة اتهام أو أكثر ضد نتنياهو، فإن ذلك القرار سيكون أوليا، ومن حيث المبدأ، لتعطى فرصة لمحامي نتنياهو بالاعتراض على القرار، ومحاولة إقناع المستشار بتغيير موقفه، وهذه عملية تستغرق ما بين ثلاثة إلى خمسة أشهر حتى صدور القرار النهائي.
ولكن القرار الأولي كفيل بتشديد الضغوط على نتنياهو، خاصة وأن هناك تباينا في المواقف، فحزب "كولانو" قال على لسان زعيمه موشيه كحلون إنه سيغادر الحكومة فور صدور قرار من المستشار بمحاكمة نتنياهو. بينما حزب "يسرائيل بيتينو" وعلى لسان زعيمه أفيغدور ليبرمان قال إنه سينتظر قرار المحكمة، وألمح تحالف "البيت اليهودي" إلى أنه يتبنى توجه ليبرمان نفسه (طالع عن ذلك كله في مكان آخر من هذه الصفحة).