ايها الرفاق الاعزاء، مساء الخير - يديعوت
2018-04-21
هناك الكثير من الضجيج والجلبة حول احتفالنا، ولكننا لا ننسى أن أكثر من كل شيء، هذا احتفال ذكرى واتحاد. الضجيج، حتى عندما يكون حاضرا، هو خارجنا الان. إذ في قلب هذا المساء يوجد هدوء فراغ خلقه الفقدان.
أنا وعائلتي فقدنا في الحرب اوري، شاب جميل وذكي ومرح. الان ايضا، بعد نحو اثنتا عشر سنة، يصعب علي الحديث عنه على الملأ.
موت انسان حبيب هو في واقع الامر ايضا موت ثقافة خاصة كاملة، شخصية ولمرة واحدة، مع لغة خاصة بها وسر خاص بها، وهي لن تعود لتكون. ولن تكون واحدة اخرى مثلها.
مؤلم بشكل لا يوصف الوقوف امام الـ “لا” المطلقة هذه. هناك لحظات يكاد يجتذب الى داخله كل ما هو قائم وكل ما هو نعم.
صعب ومضن القتال كل الوقت ضد قوة ثقل الفقدان. صعب وداع الذاكرة من الالم. مؤلم التذكر ومخيف اكثر النسيان. وكم سهل، في هذا الوضع الاستسلام للكراهية، للغضب، للرغبة في الثأر. ولكني اكتشفت أني في كل مرة يغريني الغضب والكراهية اشعر على الفور اني افقد الاتصال الحي بابني. شيء ما هناك ينسد وانا اتخذت قراري، واتخذت خياري. ويخيل لي أن من يوجد هنا هذا المساء، قد اتخذ هو ايضا ذات الخيار.
وأنا اعرف أنه من داخل الالم توجد روح، ويوجد ابداع، ويوجد فعل خير. ان الحزن لا يعزل فقط بل يربط ايضا، ويعزز. فها هم حتى الاعداء من الماضي – اسرائيليين وفلسطينيين – يمكنهم ان يرتبطوا الواحد بالاخر انطلاقا من ألمهم، وبالذات بسببه.
التقيت في هذه السنين غير قليل من العائلات الثكلى. قلت لها، من تجربتي انه حتى عندما يوجد المرء في اعماق الالم يجدر به أن يتذكر بان كل واحد من ابناء العائلة من حقه أن يحزن كما يشاء، ووفق طبيعته ووفق ما تقوله له روحه.
احد لا يمكنه ان يفرض على انسان آخر كيف يحزن. وهذا صحيح بالنسبة للعائلة الخاصة، وهو صحيح أيضا بالنسبة لعائلة الثكل (الكبرى في اسرائيل(.
هناك شعور قوي يربطنا، واحساس بالمصير المشترك والالم الذي نعرفه نحن فقط، ولا تكاد له كلمات في الخارج، في النور. وعليه، فاذا كان تعريف “عائلة الثكل” حقيقي وصادق، فرجاء احترموا طريقنا وهو جدير بالاحترام وهو ليس طريقا سهلا، وليس مفهوما من تلقاء ذاته، وليس عديم التناقضات الداخلية ولكنه طريقنا لاعطاء معنى لموت اعزائنا ولحياتنا بعد موتهم. وهو طريقنا ليس فقط للحزن معا على الفقدان، بل لاجراء حساب النفس على أننا لم نفعل ما يكفي لمنعه. وهو طريقنا للعمل وللفعل – لا لليأس ولا للكف – كي تخبو الحرب ذات مرة، في المستقبل، ولعلها تتوقف تماما، ونبدأ في العيش، عيش حياتنا كاملة، وليس فقط نبقى من حرب الى حرب، من مصيبة الى مصيبة. نحن، اسرائيليين وفلسطينيين، فقدنا في الحروب بيننا من كان عزيزا لنا، ربما اكثر من حياتنا – فاننا محكومون لان نلمس الواقع عبر جرح مفتوح. ومن هو جريح هكذا لا يمكنه ان يتعلل بالاوهام. من هو جريح هكذا لا يعرف كم هي الحياة مصنوعة من تنازل كبير من مساومة لا تنتهي. يخيل لي أن الثكل يجعلنا، اولئك الذين جاءوا الى هنا هذا المساء، اناسا اكثر وعيا. وواعين مثلا بما يتعلق بقيود القوة، بما يتعلق بالوهم الذي دوما يرافق ذاك الذي القوة في يده.
ونحن ايضا شكاكون اكثر، اكثر مما كنا قبل المصيبة وممتلئون بالنفور في كل مرة يلاحظ فيها مظهر فخار فارغ، او تعابير غرور قومي، او تصريحات معتدة بنفسها من الزعماء. نحن لنا فقط شكاكين بل نحن حساسون حقا. تحتفل اسرائيل هذا الاسبوع بسبعين سنة، وليتنا نحتفل بمزيد ومزيد من السنين، مزيد ومزيد من اجيال الابناء والاحفاد وابناء الاحفاد ممن يعيشون هنا، الى جانب دولة فلسطينية مستقلة، بامن وبسلام وبابداع، وبالاساس بحياة يومية هادئة لجيرة طيبة وآمنة لنشعر جميعا هنا في البيت.
ما هو البيت؟ البيت هو مكان حيطانه – حدوده – واضحة ومتفق عليها. وجوده مستقر وصلب ومرتاح. سكانه يعرفون اسراره الحميمة. علاقاته مع جيرانه مرتبة. وهو يبث احساسا بالمستقبل. ونحن الاسرائيليين، حتى بعد 70 سنة – ولا يهم كم هي الكلمات تقطر عسلا وطنيا تقال في الايام القريبة – فنحن لسنا هناك بعد. لسنا في البيت بعد. لقد اقيمت اسرائيل كي يحظى الشعب اليهودي، الذي لم يشعر ابدا تقريبا في البيت في العالم، اخيرا ببيت. وها هو بعد 70 سنة ومع انجازات تبعث على الدهشة في الكثير جدا من المجالات فان اسرائيل القوية هي ربما تكون قلعة، ولكنها ليست بيتا بعد. ان الطريق لحل العقدة الهائلة في علاقات اسرائيل والفلسطينيين يمكن ايجازه بصيغة قصيرة واحدة: اذا لم يكن للفلسطينيين بيت، فلن يكون للاسرائيليين بيت.
والعكس هو الصحيح ايضا: اذا لم يكن لاسرائيل بيت – لن يكون لفلسطين بيت ايضا.
عندنا حفيدتان، ابنتي ستة وثلاثة. من اجلهما، اسرائيل هي امر مفهوم من تلقاء نفسه. مفهوم لهما من تلقاء نفسه بان لنا دولة، ان هناك طرق ومدارس ومستشفيات وحاسوب في الروضة، ولغة عبرية حية وغنية.
انا أنتمي لجيل لم يكن لديه اي شيء من هذه مفهوم من تلقاء ذاته، ومن هذا المكان ان اتحدث. من المكان الهش الذي يتذكر جيدا الخوف الوجودي، وكذا الامل العظيم بان هذا هو، حقا، اخيرا وصلنا الى البيت.
ولكن عندما تحتل اسرائيل وتقمع شعبا آخر، على مدى خمسين وواحدة من السنين، وتخلق في مناطق الاحتلال واقع الابرتهايد – فانها تصبح بيتا اقل بكثير. عندما يحاول وزير الدفاع ليبرمان منع الفلسطينيين محبي السلام من الوصول الى لقاء كهذا لنا، فان اسرائيل هي بيت أقل. عندما يقتل القناصة الاسرائيليون عشرات المتظاهرين الفلسطينيين، ومعظمهم مدنيون – فان اسرائيل هي بيت اقل. عندما تحاول حكومة اسرائيل عقد الصفقات المشكوك فيها في اوغندا وفي رواندا ومستعدة لان تخاطر بحياة الاف طالبي اللجوء وابعادهم الى المجهول، وربما الى موتهم – فانها في نظري بيت اقل، وعندما يحرض ويشهر رئيس الوزراء ضد المنظمات التي تحرص على حقوق الانسان، وعندما يبحث عن الطرق لتشريع قوانين تلتف على محكمة العدل العليا، وعندما يكون شك دائم في الديمقراطية وفي المحكمة فان اسرائيل تصبح أقل بيتا بقليل. للجميع. عندما تهمل اسرائيل وتميز بحق سكان بلدات المحيط. عندما تترك لمصيرهم وتضعف المزيد فالمزيد من سكان جنوب تل أبيب. عندما تصلب قلبها امام ضائقة الضعفاء وعديمي الصوت – الناجين من الكارثة والمحتاجين، والعائلات احادية الاب أو الام والشيوخ، والمدارس الداخلية للاطفال الذين اخرجوا من بيوتهم والمستشفيات التي تنهار – فانها بيت اقل. هي بيت لا يؤدي وظائفه. وعندما تطلب وتميز بحق مليون ونصف فلسطيني من مواطني اسرائيل؛ عندما تتخلى عمليا عن الامكانية الهائلة التي فيها للحياة المشتركة هنا – فهي بيت اقل، للاقلية والاغلبية على حد سواء. وعندما تحرم اسرائيل يهودية ملايين اليهود الاصلاحيين والمحافظين – فانها مرة اخرى تصبح بيتا أقل.
اسرائيل تؤلمني. لانها هي البيت الذي نريد ان تكونه. لاننا نعرف الامر العظيم والرائع الذي يحصل لنا في أنه توجد لنا دولة، وفخورون بانجازاتها في مجالات كثيرة جدا، في الصناعة وفي الزراعة، في الثقافة وفي الفن وفي التكنولوجيا، في الطب وفي الاقتصاد. ونحن نتألم ايضا من زيفها.
والناس والمنظمات الذين يوجدون هنا اليوم وعلى رأسهم “منتدى العائلات الثكلى” و “مقاتلون من اجل السلام” وكثيرون مثلهم، هم ربما اولئك الذين يساهمون اكثر من غيرهم في ان تكون اسرائيل بيت، بكل معنى الكلمة.
بيت. ان نعيش فيه حياة هادئة وآمنة. حياة السكنية، حياة لا تستعبد لاهداف حلم شمولي، مسيحاني وقومي متطرف. بيت سكانه لا يكونون مادة اشتعال لمبدأ اعظم منهم، وكأنه منشور اكثر منهم.
الحياة فيه تكون على مقياس الانسان.
فجأة يقوم في الصباح ويشعر انه انسان. عندما يشعر هذا الانسان بانه يعيش في مكان غير فاسد، موضوعي، متساوي حقا، ليس متزلفا ولا بنزعة قوة، في دولة تتصرف ببساطة انطلاقا من الحرص على الانسان الذي يعيش فيها، كل انسان يعيش فيها، برأفة، بتسامح وكل من يريد أن يكون اسرائيليا. حبذا لو أنه بعد سبعين سنة يقف هنا احفادنا وابناؤهم، اسرائيليين وفلسطينيين، وكل واحد ينشد نشيده القومي الخاص به.
ولكن يوجد صف واحد يمكنهم أن ينشدوه معا، بالعبرية وبالعربية: “ان نكون شعبا حرا في بلادنا”. وربما عندها، في تلك الايام التي ستأتي، ستكون هذه الامنية اخيرا واقع الحياة، للشعبين.