هل يحقق عمر الرزّاز «المعجزة الأردنية»-موسى برهومة
2018-06-09
الذين ربطوا بين رئيس الوزراء الأردني الجديد عمر الرزّاز، وصانع نهضة ماليزيا مهاتير محمد، كانوا يعوّلون على الصفات المشتركة بين الشخصين والبلدين، فضلاً عن الرغبة المضمرة في الخروج من عنق الزجاجة الذي جعل الأردن، خصوصاً بعد الإضرابات والاحتجاجات الشعبية الأخيرة، على شفا الاختناق.
مهاتير محمد الذي عاد إلى الحكم أخيراً، وهو في الثانية والتسعين من عمره، ما زال يحتفظ بحيوية الأمل الذي خاض الانتخابات تحت يافطته، من أجل مواصلة مشوار كان أمضى فيه نحو عشرين عاماً نقل خلالها بلاده من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية، وبخاصة القصدير والمطاط، إلى دولة صناعية متقدمة يسهم قطاعا الصناعة والخدمات فيها بنحو 90 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وكان من نتيجة ذلك ارتفاع معدل دخل الفرد وتراجع الفقر والبطالة في البلاد.
وبمقدور الرزّاز (58 سنة) أن يحقق «المعجزة الأردنية»، فهو يحوز صفات ومهارات تجعله على المستوى الذاتي قادراً على إحداث فَرق، لا سيما أنه من خارج النادي التقليدي لرؤساء الوزراء في الأردن، فضلاً عن كونه من أسرة مناضلة ذات إرث سياسي واسع وتراجيدي، فأبوه منيف الرزّاز الذي انتخب أميناً عاماً لـ «حزب البعث العربي الاشتراكي» عام 1965، ثم قاده قدره إلى الموت اغتيالاً بالسم في بغداد بأوامر من صدّام حسين، وبتحريض من ميشيل عفلق عام 1984، وهو ما يؤكده الابن البكر لمنيف، الروائي مؤنس الرزّاز، في كتاب «منيف الرزّاز من الاعتقال إلى الاغتيال».
أضف إلى مزايا رئيس الوزراء الجديد أنه من أصول سورية، ما يجعله متخفّفاً من الانحيازات الجهوية والميول العشائرية التي تفتك بالمشهد السياسي الأردني، علاوة على كون الرئيس الجديد ذا سمعة نظيفة، وخبرة ناجحة حقق فيها تميزاً، وأفاد منها، بعد تخرجه من جامعة هارفارد حائزاً على الدكتوراه في التخطيط الحضري، وفي القانون، وعمله في البنك الدولي، وإدارته مؤسسة الضمان الاجتماعي في الأردن، ومواقع أخرى في القطاعين الخاص والعام، كان آخرها تجربته المليئة بالتحديات في وزارة التربية والتعليم، حيث ووجه بعقبات كأداء بسبب توجهاته الليبرالية والعلمانية، لكنه تجاوز الامتحان العسير بمهارة وذكاء.
على تلك الكفاءات، يراهن غالبية الأردنيين في أكثر اللحظات حساسية وخطورة على المستويين السياسي والاقتصادي، في ظل ارتفاع مطّرد للديْن الأردني العام الذي تخطى في 2018 حاجز الثمانية والثلاثين بليون دولار، أي ما يعادل أكثر من خمسة وتسعين بالمائة من الناتج الإجمالي المحلي.
ويمثّل الهم الاقتصادي الهاجس الأقصى للشعب والعرش على حد سواء، وقد تجلى ذلك، في كتاب تكليف الرزّاز تشكيل الحكومة الجديدة، حيث أكد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أنّ «التحدي الرئيس الذي يقف في وجه تحقيق أحلام وطموحات الشباب الأردني هو تباطؤ النمو الاقتصادي، وما نجم عنه من تراجع في فرص العمل خاصة لدى الشباب»، لذا فإنّ «أولوية حكومتكم يجب أن تكون إطلاق طاقات الاقتصاد الأردني وتحفيزه ليستعيد إمكانيته على النمو والمنافسة وتوفير فرص العمل».
المتشائمون يقولون إنّ الرزّاز لن ينجح في مهمته، لأنّ «الفتق اتسع على الراتق»، وأنّ الأردن عبارة عن مركبة قديمة مهترئة كلما أصلحت عطلاً فيها واجهتك أعطال لا تنتهي، لكنّ ذلك لا يتعيّن أن يفتّ من عضد الرئيس الجديد الذي لا يراهن وحسب على كفاءة فريقه الوزاري، ولا يتوخى أن يكون دربه مفروشاً بالورود، لكنه يتطلع إلى أن يحقق ما أخفق فيه غالبية من سبقوه في الموقع، أي «الولاية العامة للحكومة» القائمة على الفصل بين السلطات، وعدم التدخل في شؤون الحكومة، وبخاصة من قبل الأجهزة الأمنية، وقوى الشدّ العكسي، وهذا أعظم تحدٍ لأي رئيس وزراء في الأردن. لكنّ التحدي الذي يتجاوزه من حيث الأهمية والفاعلية والأثر، هو رغبة الحكم الحقيقية في الإصلاح، وترجمة ما تضمنته «الأوراق النقاشية الملكية» من إستراتيجيات وخطط قادرة على إخراج الأردن من محنته، ووضعه على سكة الدولة المدنية.
عن «الحياة» اللندنية