إبنة الناصرة فيليتسيا لانغر-هشام نفاع
2018-06-24
في مطلع شهر أكتوبر الشهير من العام 2000 تلقيت في "الاتحاد" مكالمة مختلفة في تلك الأيام التي لن تغيب عن البال، بل التي صاغت بالنا جميعًا الى حدّ بعيد، كان ذلك صوتًا يختلط فيه الغضب بالهمّ والحزن. هنا أعيد نشر هذا الاقتباس من "الاتحاد":
"صوتها مليء بالغضب. سمِعَت لتوّها ما جرى ارتكابه في الناصرة. تتشابك لديها كلمات الغضب على قتل وجرح الشبان العرب في الناصرة، بلهجة الإدانة القاطعة للسلوك المشترك بين البوليس والفاشيين من "نتسيرت عيليت". وإليهما تضاف كلمات حزينة الى والدتَي واخوات واخوة ووالدَي وسام يزبك وعمر عكاوي: إبعث اليهم بتعازيّ الحارة، أشعر بحزن عميق في قلبي.. عميق جدًا..".
كان هذا صوت المحامية المناضلة فيليتسيا لانغر. أعدت يومها الاتصال بها لإجراء مقابلة هاتفية معها، وكانت هذه خاتمتها:
"كلماتها الاخيرة في هذه المقابلة هي التالية: (صمتٌ في البداية..) انا اشارك الامهات والآباء والاخوات والاخوة حزنهم. لا ازال اؤمن بامكانية سلام حقيقي عادل. واشعر بتضامن عميق مع هذا الشعب الذي يناضل ضد القمع. احاول تقديم ما يمكنني القيام به.. ولكني اشعر بحزن عميق يملأ قلبي – تختتم فيليتسيا لانغر".
"صوتها مليء بالغضب. سمِعَت لتوّها ما جرى ارتكابه في الناصرة. تتشابك لديها كلمات الغضب على قتل وجرح الشبان العرب في الناصرة، بلهجة الإدانة القاطعة للسلوك المشترك بين البوليس والفاشيين من "نتسيرت عيليت". وإليهما تضاف كلمات حزينة الى والدتَي واخوات واخوة ووالدَي وسام يزبك وعمر عكاوي: إبعث اليهم بتعازيّ الحارة، أشعر بحزن عميق في قلبي.. عميق جدًا..".
كان هذا صوت المحامية المناضلة فيليتسيا لانغر. أعدت يومها الاتصال بها لإجراء مقابلة هاتفية معها، وكانت هذه خاتمتها:
"كلماتها الاخيرة في هذه المقابلة هي التالية: (صمتٌ في البداية..) انا اشارك الامهات والآباء والاخوات والاخوة حزنهم. لا ازال اؤمن بامكانية سلام حقيقي عادل. واشعر بتضامن عميق مع هذا الشعب الذي يناضل ضد القمع. احاول تقديم ما يمكنني القيام به.. ولكني اشعر بحزن عميق يملأ قلبي – تختتم فيليتسيا لانغر".
**
يوم الجمعة 13 أيار 2005 كانت لانغر في الناصرة. وقد استضافها وكرّمها مركز "عدالة" برعاية بلدية الناصرة، وبحضور رئيسها رامز جرايسي. كان الجمهور كما وصفه جرايسي: "فيه من كل التيارات، من العرب واليهود، من كل الأجيال، من الجليل والمثلث والنقب، من الجولان ومن تل أبيب"، مضيفًا: "فقط فيليتسيا لانغر يمكنها أن تجمع جمهورًا بهذا التعدّد".
لانغر ليست غريبة عن الناصرة. فهي مواطنة المدينة. وقد منحها القائد الراحل توفيق زياد مواطنة شرف في 20.6.1990 قبل ان تغادر البلاد الى المانيا حيث تمكث هناك محاضرة ومناضلة وناشطة من أجل حقوق الشعب الفلسطيني. تركت البلاد لكنها لم تترك قضيتها، القضية الفلسطينية، قضية الشعبين في هذه البلاد.
بدأت حديثها بانفعال وحرارة، كما عهدها رفاقها ومن عرفها عن قرب. وأيضًا مثلما سمع عنها وقرأ كتبها/مذكراتها من لم يلتقِ بها، (أنا من هؤلاء). لم أسجّل محاضرتها، بل "اصطدتُ" المقولات والجمل بشكل خاطف.
تقول: جئت الى هذه البلاد من الظروف التاريخية الوحشية (النازية) وفُجعت بالمجازر والتهجير هنا عام 1948. لم يكن انعدام العدالة بحق الشعب الفلسطيني فقط هو ما بلور دوري لاحقـًا، بل الغضب.. أيقنت حينئذ انه لن يكون سلام دون اعتراف اسرائيل بالغبن.
تتسلسل الاحداث ومعها ذكريات لانغر. وهي تستعيد كلمات ألبرت أينشطاين، (يهودي الدين) العالم الأبرز في القرن العشرين: "ان الشعب اليهودي الذي عانى نفسه من الآراء المسبقة والقمع، عليه أن يحقق الحرية والمساواة للعرب" (1954).
بكلماتها الحادّة: "اسرائيل دولة نصف ديمقراطية.. كل جيل يحدّد حدودها، وبالحراب. ولا يزال الفاشيون فيها يسمسرون بالضحايا وبالقتلى". وتستعيد تجربتها مع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين ("لقد سجّلوا تاريخهم النضالي بحروف مضيئة")، وممارسات الجيش ("هذا الجيش اعتاد التملُّص من تقديم الحقائق، حتى في حالات القتل")، ولقاءاتها مع اللاجئين (تذكر أحد أبطال "رجال تحت الشمس" لـ غسان كنفاني، أبو قيس الذي "كان يسمع نبض الأرض"، وتربطه بـ أبو طاهر، اللاجئ الذي وجد نفسه تحت الاحتلال العسكري وأرضه تُصادر لصالح مستوطنة عمانوئيل، قائلة: "أنا اليهودية الاسرائيلية تعلمتُ فصلا في قضايا الأرض، ليس من القاعات الجامعية المغلقة ولا من المحاضرين الأكاديميين، بل من موقع النهب، موقع صمود أبو طاهر"). تتحدث عن هدم البيوت ("عام 1967 شعرت بالخجل حين رأيت بيتًا فلسطينيًا مهدومًا بأيدي الجيش.. بعدها قررت استبدال الخجل بالعمل والدعم ومحاولة تقديم المساعدة").
تتذكر ضحايا جهاز الاحتلال الاسرائيلي: "صور المواطنين وهم يبحثون عن أغراضهم تذكّر بصور من أماكن أخرى وأزمان أخرى.." وأيضًا: "من المُحزن أن ضحايا النازية في الأمس يتنكّرون للمواثيق التي صيغت ردًا على معاناتهم". (إشارة الى الاعلان العالمي لحقوق الانسان).
لدى فيليتسيا لانغر لائحة اتهام: استنادًا الى تجربة الماضي والى الوضع الراهن فإنني أتهم حكومة اسرائيل بالمسّ المقصود والمنهجي بحقوق الفلسطينيين، وهو بمثابة جرائم حرب".
ولكن مقابل منهجية جرائم الحرب هذه، تقول، هناك منهجية أخرى: "منهجية النضال ضد الاحتلال، فالتوق للحرية أقوى من كل شيء".
بعد المحاضرة، سألتُ لا نغر سؤالا واحدًا: هل أنت متفائلة؟
وكان جوابها: أنا متفائلة. فكوني هنا في الناصرة، بين جمهور من العرب واليهود المؤمنين بقضية عادلة، يجعلني متفائلة. والمثابرة البطولية التي تستحق كل التقدير للشعب الفلسطيني، بثمن باهظ للأسف، يجعلني لا أفقد الثقة ولو للحظة بأن هذا الشعب لن يرضخ. ثم انه ليس لديّ ترف التشاؤم فيما أنا أرى شعبًا مناضلا بكل قوته لنيل حريته"..
يوم الجمعة 13 أيار 2005 كانت لانغر في الناصرة. وقد استضافها وكرّمها مركز "عدالة" برعاية بلدية الناصرة، وبحضور رئيسها رامز جرايسي. كان الجمهور كما وصفه جرايسي: "فيه من كل التيارات، من العرب واليهود، من كل الأجيال، من الجليل والمثلث والنقب، من الجولان ومن تل أبيب"، مضيفًا: "فقط فيليتسيا لانغر يمكنها أن تجمع جمهورًا بهذا التعدّد".
لانغر ليست غريبة عن الناصرة. فهي مواطنة المدينة. وقد منحها القائد الراحل توفيق زياد مواطنة شرف في 20.6.1990 قبل ان تغادر البلاد الى المانيا حيث تمكث هناك محاضرة ومناضلة وناشطة من أجل حقوق الشعب الفلسطيني. تركت البلاد لكنها لم تترك قضيتها، القضية الفلسطينية، قضية الشعبين في هذه البلاد.
بدأت حديثها بانفعال وحرارة، كما عهدها رفاقها ومن عرفها عن قرب. وأيضًا مثلما سمع عنها وقرأ كتبها/مذكراتها من لم يلتقِ بها، (أنا من هؤلاء). لم أسجّل محاضرتها، بل "اصطدتُ" المقولات والجمل بشكل خاطف.
تقول: جئت الى هذه البلاد من الظروف التاريخية الوحشية (النازية) وفُجعت بالمجازر والتهجير هنا عام 1948. لم يكن انعدام العدالة بحق الشعب الفلسطيني فقط هو ما بلور دوري لاحقـًا، بل الغضب.. أيقنت حينئذ انه لن يكون سلام دون اعتراف اسرائيل بالغبن.
تتسلسل الاحداث ومعها ذكريات لانغر. وهي تستعيد كلمات ألبرت أينشطاين، (يهودي الدين) العالم الأبرز في القرن العشرين: "ان الشعب اليهودي الذي عانى نفسه من الآراء المسبقة والقمع، عليه أن يحقق الحرية والمساواة للعرب" (1954).
بكلماتها الحادّة: "اسرائيل دولة نصف ديمقراطية.. كل جيل يحدّد حدودها، وبالحراب. ولا يزال الفاشيون فيها يسمسرون بالضحايا وبالقتلى". وتستعيد تجربتها مع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين ("لقد سجّلوا تاريخهم النضالي بحروف مضيئة")، وممارسات الجيش ("هذا الجيش اعتاد التملُّص من تقديم الحقائق، حتى في حالات القتل")، ولقاءاتها مع اللاجئين (تذكر أحد أبطال "رجال تحت الشمس" لـ غسان كنفاني، أبو قيس الذي "كان يسمع نبض الأرض"، وتربطه بـ أبو طاهر، اللاجئ الذي وجد نفسه تحت الاحتلال العسكري وأرضه تُصادر لصالح مستوطنة عمانوئيل، قائلة: "أنا اليهودية الاسرائيلية تعلمتُ فصلا في قضايا الأرض، ليس من القاعات الجامعية المغلقة ولا من المحاضرين الأكاديميين، بل من موقع النهب، موقع صمود أبو طاهر"). تتحدث عن هدم البيوت ("عام 1967 شعرت بالخجل حين رأيت بيتًا فلسطينيًا مهدومًا بأيدي الجيش.. بعدها قررت استبدال الخجل بالعمل والدعم ومحاولة تقديم المساعدة").
تتذكر ضحايا جهاز الاحتلال الاسرائيلي: "صور المواطنين وهم يبحثون عن أغراضهم تذكّر بصور من أماكن أخرى وأزمان أخرى.." وأيضًا: "من المُحزن أن ضحايا النازية في الأمس يتنكّرون للمواثيق التي صيغت ردًا على معاناتهم". (إشارة الى الاعلان العالمي لحقوق الانسان).
لدى فيليتسيا لانغر لائحة اتهام: استنادًا الى تجربة الماضي والى الوضع الراهن فإنني أتهم حكومة اسرائيل بالمسّ المقصود والمنهجي بحقوق الفلسطينيين، وهو بمثابة جرائم حرب".
ولكن مقابل منهجية جرائم الحرب هذه، تقول، هناك منهجية أخرى: "منهجية النضال ضد الاحتلال، فالتوق للحرية أقوى من كل شيء".
بعد المحاضرة، سألتُ لا نغر سؤالا واحدًا: هل أنت متفائلة؟
وكان جوابها: أنا متفائلة. فكوني هنا في الناصرة، بين جمهور من العرب واليهود المؤمنين بقضية عادلة، يجعلني متفائلة. والمثابرة البطولية التي تستحق كل التقدير للشعب الفلسطيني، بثمن باهظ للأسف، يجعلني لا أفقد الثقة ولو للحظة بأن هذا الشعب لن يرضخ. ثم انه ليس لديّ ترف التشاؤم فيما أنا أرى شعبًا مناضلا بكل قوته لنيل حريته"..
**
فيما يلي اقتباس من المقابلة المذكورة مع لانغر (أكتوبر 2000):
* "الاتحاد": فيليتسيا، أأنت متفائلة؟
- لانغر: .. الشعب الفلسطيني لا يسكت لا يرضى بما يحاولون اجباره عليه. وهذا هو السبب الوحيد الذي يملأني بالتفاؤل والامل. إنه شعب يرفض الخضوع حتى امام قوة نووية كاسرائيل.. وهذا كاف ليجعل صدري مليئا بالأمل.. أمل بسلام يقوم على العدالة وليس على القوة"..
فيما يلي اقتباس من المقابلة المذكورة مع لانغر (أكتوبر 2000):
* "الاتحاد": فيليتسيا، أأنت متفائلة؟
- لانغر: .. الشعب الفلسطيني لا يسكت لا يرضى بما يحاولون اجباره عليه. وهذا هو السبب الوحيد الذي يملأني بالتفاؤل والامل. إنه شعب يرفض الخضوع حتى امام قوة نووية كاسرائيل.. وهذا كاف ليجعل صدري مليئا بالأمل.. أمل بسلام يقوم على العدالة وليس على القوة"..