:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/16637

كيف تُصفّي «دائرة أراضي إسرائيل»عرب النقب؟-رأفت أبو عايش

2018-08-05

يُطرح سؤال العنف الاجتماعي، أسبابُه وآليات التصدي له، بعد كل حالة عنف في المجتمع العربي، وتساهم هذه "الظاهرة" في تكوين التنميطات عن المجتمع العربي بشكل عامّ، وعن عرب النقب بشكل خاص، دون الأخذ بالأسباب ودون مراجعة الخلفية الاجتماعية لكل حالة عنف على حدتها.
ضربت موجة العنف المجتمعي النقب، من جديد، منذ بداية الأسبوع الحالي، إذ توفي شاب في قرية اللقية في النقب متأثرا بجراحه وأصيب 6 آخرون، حتى الآن، بجراحٍ متفاوتة بعضها خطيرة، بعد خلاف مسلح بين عائلتين في القرية.
وبحسب رواية العائلات والأهالي، نشب الخلاف في أعقاب تسويق حارة جديدة في القرية قامت دائرة أراضي إسرائيل بالالتزام أمام العائلتين بتخصيصها للطرفين بشكل منفرد، دون علم الطرف الآخر، ووجب السؤال في هذه الحالة، هل تعلم دائرة أراضي إسرائيل بعواقب هذا النهج؟
تعاني قرية اللقية من التضييق في المساحات في أعقاب سلب دائرة الأراضي وسلطات التخطيط المؤسسة لجزء كبير من الأراضي الموجودة في الخريطة الهيكلية للبلدة، بهدف بناء قاعدة عسكرية (إحدى العائلتين المتقاتلتين تمت مصادرة أرضها الحالية لبناء القاعدة العسكرية)، وبناء مقطع من شارع 6، بالإضافة إلى مستوطنة كرميت، المقابلة لقرية اللقيّة.
ليست هذه المرّة الأولى التي تخلف دائرة أراضي إسرائيل وعودها في قضية الأرض، وتتلاعب بالنسيج الاجتماعي في النقب عبر الوعود بتخصيص قسائم البناء على نفس الأرض لأكثر من عائلة واحدة، فقد أدّت هذه الممارسة إلى تطوّر العديد من العداوات والخلافات بين عائلات النقب على الأرض وقسائم البناء، يُذكر منها تعرض مواطن من بلدة تل السبع لإطلاق النار قبل أسبوعين، في أعقاب خلاف على قسيمة بناء.
وتجدر الإشارة إلى وفاة مواطن من مدينة رهط في شجار عائلي في العام 2016 وإصابة آخرين، بعد خلاف على قسيمة بناء تعهدت له بها دائرة أراضي إسرائيل حسب شهادات الأهالي.
تاريخيًا
لعبة دائرة أراضي إسرائيل (المينهال)، التي تأسست في العام 1960، الدور الأكبر في التواصل مع عرب النقب وشكلت العنوان لكل من يعاني من ضائقة السكن في البلدات السبع المخططة، ولكل من يريد الوصول إلى تسوية على الأرض في القرى مسلوبة الاعتراف، لتحصيل الخدمات الحياتية الأساسية.
وبدأ نشاط دائرة أراضي إسرائيل في النقب في نهايات الحكم العسكري وخلال سنوات الـ٧٠، وهدفت أساسًا إلى تقليص المساحات المخصصة لعرب النقب داخل منطقة السياج، بالإضافة إلى محاولتها ترويج الصفقات المشبوهة التي تهدف لنقل أصحاب الأرض بقدر الإمكان إلى سبع قرى مخططة، مقابل تنازلهم عن دعاوى ملكيتهم على أرضهم التي لا تعترف بها دائرة أراضي إسرائيل من الأساس.
بدأت دائرة أراضي إسرائيل، بعد صياغة مشروع البلدات السبع المخططة بالدفع لبناء مؤسسات حكومية منفصلة تعنى بشؤون النقب فقط، وتعالج قضايا الأرض بعقلية أمنية بحته، ومنها:
إقامة سلطة تطوير البدو (1984)، سلطة التعليم البدوي (1981)، والدورية الخضراء (1976).
وعملت المؤسسات المذكورة منذ إنشائها على أنّها السلطات الإدارية لشؤون القرى مسلوبة الاعتراف في النقب، والمشرفة على عملية الانتقال إلى البلدات السبع المخططة "التمدين القسري لعرب النقب داخل منطقة السياج"- (بروفيسور إسماعيل أبو سعد).
في العام 1968، أقيمت بلدة تل السبع على أنها البلدة الأولى في مشروع البلدات السبع المخططة والذي يهدف لتوطين كل عرب النقب في سبع قرى داخل منطقة السياج. تم اختيار نموذج توطيني مديني ومكتظ بشكل واضح لتدمير كامل لنمط الحياة البدوي التقليدي. وإذا كانت أهداف الحكومة، في الحقيقة، "عصرنة" البدو وتوفير الخدمات فقط، ففي الإمكان تحقيق الهدفين عبر التخطيط لقرى أو تعاونيّات زراعيّة لهم بشكل ناجع أكثر فقط، تستند إلى الأرض (مثل القرى الزراعية اليهودية أو الكيبوتسات) تكون خاصة بالبدو (إسماعيل أبو سعد -دراسة).
تضخمت البلدات السبع المخططة وأدّى التمدين القسري وضيق السكن والخروج من الأرض والملك كما التضييق على العرب وتعسف المؤسسة الأمنية في النقب، إلى انتشار العنف والجريمة في المجتمع العربي، ووصل ذروته في سنوات التسعينيّات.
ويذكر الجمهور العربي للشرطة الإسرائيلية دورَها التاريخي في ضرب المجتمع العربي، والغياب عن دورها الميداني، بالإضافة إلى عدم قبول المجتمع العربي في النقب لها واحتكامه للقضاء العشائري بشكل شبه كامل.
تخاف المؤسسة الإسرائيلية من الوحدة الشعبية للعرب في النقب ووحدة القرار في قضايا الأرض، لذا فكل ممارسات دائرة أراضي إسرائيل في التعامل مع عرب النقب تعتمد على فكرة "فرق تسُد"، وقلب العائلات المختلفة التي تعاني من أزمة السكن بمستويات متقاربة، ضد بعضها البعض وتكوين العداوات، ما يقلّص احتمالات صمودها في أرضهم، وذلك عبر التعهد لأكثر من عائلة واحدة بصفقات وهمية على نفس قطعة الأرض، ويبدو من استمرارية هذا الأسلوب، رغم النتائج الكارثية التي أدى إليها حتى اليوم، أنه ممنهج وليس مصادفة.