قرارات المجلس المركزي الأخير -معتصم حمادة
2018-08-30
قراءة معمقة لبيان المجلس المركزي في ختام أعمال دورته الـ 29، تؤكد بما لا يقبل الشك، أنه يعبر عن أزمة سياسية فاقعة تتبدى بين السطور، بين فقرة وأخرى. كما يعبر عن حالة إنكار لا تخفى على أحد.
• فمقاطعة الجبهتين الديمقراطية والشعبية والمبادرة الوطنية والمستقلين، وحماس (عبر نوابها في التشريعي) والجهاد الاسلامي (التي رفضت الدعوة) لا يرى فيها البيان إلا امتناع بعض أعضاء المجلس عن الحضور، متنكراً للنضاب السياسي، في إطار مؤسسة وطنية تقوم على التوافق الوطني، مستعيناً بطريقة فجة بالنصاب العددي، الذي يمكن، بسبب الخلل الكبير في تركيبة المجلس، أن تؤمنه فتح وحدها، دون أن تتمكن بالتالي من تأمين النصاب السياسي المطلوب.
• أما الاكتشاف الكبير الذي حققه البيان فهو التأكيد أن الهدف المباشر للنضال الفلسطيني هو استقلال دولة فلسطين. لكنه بالمقابل لم يوضح ولم يقرر ما هي السبل والآليات، وما هي القرارات الواجب اتخاذها وتنفيذها لتحقيق هذا الانتقال. وكأن البيان يستعيد إعلان الاستقلال وغير أن إعلان الاستقلال(15/11/1988) كان مستنداً إلى انتفاضة شعبية عارمة، بينما يخلو البيان من أي مدخل عملي، سوى الاشارة إلى قرارات سابقة مازالت معطلة.
• الأمر يتكرر مع التوصيات المقدمة له من اللجنة التنفيذية بشأن تنفيذ قرارات المجلس الوطني وأقرها البيان لكنه لم يوضح من هي الجهة المعنية بتنفيذ هذه التوصيات. علماً أنها «توصيات» مستندة إلى قرارات المجلس المركزي في 5/3/2015، و15/1/2018، وقرارات المجلس الوطني في 30/4/2018، ومازالت حتى اللحظة معطلة. ولعل الرد جاء في سياق الكلمة الختامية في المجلس المركزي حين أوضحت هذه الكلمة أن كل ما تم إقراره في هذه الدورة، لا يعدو عن كونه مجرد «توصيات تحتاج إلى التفكير بكيفية تنفيذها»، وقد أجلت الكلمة الختامية عملية التنفيذ، إلى ما بعد الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث سيلقي رئيس السلطة كلمة فلسطين، وحيث من المتوقع أن تجري بعض المشاورات. بعدها كما جاء في الكلمة سيدعى لمجلس مركزي جديد، لبحث نتائج دورة الأمم المتحدة، وإعادة دراسة القرارات والتوصيات المتخذة ودراسة آليات تطبيقها. أي إن البيان لم يخرج من دوامة الدائرة المفرغة، ودوامة ترحيل القرارات من لجنة دراسة إلى لجنة دراسة أخرى، ومن مجلس مركزي، إلى مجلس وطني. ومن مجلس وطني إلى مجلس مركزي، وهكذا، إلى حين أن يتحقق ما وعدت به السلطة الفلسطينية.
* * *
• وحتى لا يبدو الأمر وكأنه فيه ظلماً للقيادة الرسمية في رهاناتها، يؤكد البيان في قراره تحت بند «أولاً»، على استمرار قطع العلاقات السياسية (لاحظ السياسية فقط دون الأمنية) – مع الولايات المتحدة – لحين تتراجع الإدارة الأميركية عن قراراتها غير القانونية بشأن القدس واللاجئين والاستيطان. أي أن هناك ثمة رهاناً على إمكانية أن تتراجع الولايات المتحدة عن قراراتها. هذا الرهان ما هو في الحقيقة إلا أوهام وحالة إنكار لحقائق السياسة الأميركية وحقيقة «صفقة العصر» التي يتم تطبيقها خطوة خطوة، دون تردد، ودون أي اعتبار للرفض والاعتراف، الذي لم يتجاوز الصراخ في حدوده. فالرفض المبدئي جيد. لكن الوقوف عند الرفض الكلامي، هو شكل من أشكال الاستسلام، والتردد، والتخوف من الاشتباك الميداني مع الولايات المتحدة، يخفي في طياته وهماً بإمكانية الوصول مع إدارة ترامب إلى «حلول وسط»، بينما الاستيطان مستمر، والأسرلة والتهويد مستمران، ومشاريع نتنياهو هي الأخرى مستمرة بلا عوائق.
• أما الخلطة العجيبة الغريبة في البيان، فهي الفقرة الثانية في (أولاً) وهي تتمسك بالدعوة لمؤتمر دولي كامل الصلاحيات.. والتمسك في الوقت نفسه بمبادرة السلام العربية للعام 2002، وكذلك برؤية الرئيس محمود عباس في 20/2/2018. المؤتمر الدولي «على أساس تطبيق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة»، المبادرة العربية تشطب حق العودة من هذه القرارات، بينما مبادرة الرئيس تعود إلى أوسلو، الذي من تفاهماته، أن ما يتم التوصل إليه بين الطرفين، هو التطبيق العملي لقرارات الأمم المتحدة. أي أن مرجعية المفاوضات، أو المؤتمر الدولي هي المفاوضات نفسها، وليست قرارات الشرعية الدولية. ومن المنطقي أن ترحب الولايات المتحدة وأن يرحب نتنياهو بهذا «التمسك»، لأنه يضع المفاوضات أمام ثلاث خيارات، تقود تنازلياً في خيارها الثالث إلى اتفاق أوسلو، وهو ما يقود في السياق إلى التقاطع مع «صفقة العصر»، حتى لو أنكرت كل وسائل الإعلام التابعة للسلطة، ذلك.
وإلا فماذا يفسر للرأي العام الفلسطيني تعطيل قرارات فك الارتباط بأوسلو، ويفسر ما جاء في الكلمة الختامية في المجلس المركزي الأخير، بأن ما تقرر هو مجرد «توصيات» سيعاد بحثها مرة أخرة في دورة قادمة للمجلس تعقد بعد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة.
* * *
وأخيراً، وليس آخراً، فقد لفت النظر في القرارات، أنها جميعها وردت في صيغة «يقرر»، «يؤكد» و«يصادق»، وهي صيغة تعني (في العام) امتلاك صلاحية القرار وصلاحية الإلزام ماعدا البند الخاص بـ «الإلغاء الفوري للإجراءات التي اتخذت بشأن رواتب واستحقاقات موظفي قطاع غزة ومعاملتهم أسوة بباقي موظفي السلطة الفلسطينية».
هنا ينتقل المجلس من «الإقرار والالزام» إلى «المطالبة». إذ هو «يطالب»، دون أن يوضح «يطالب من»، ويتحدث عن إجراءات اتخذت، دون أن يدين من اتخذها أو يكشف عن هوية من اتخذها. فضلاً عن أن المجلس، وخلافاً لتصريحات رئيس الحكومة، ورئيس السلطة، وبعض أعضاء اللجنة التنفيذية، يعترف بوضوح أن هناك إجراءات عقابية وظالمة مازالت سارية يجب وقفها فوراً. لكن للأسف، ورغم «دبلوماسية» المجلس في «مطالبته» مازالت هذه «الاجراءات» سارية المفعول ولم يتم إلغاءها.
المجلس يكرر ذات القرارات بذات الأساليب ولذات الأهداف. علماً أن أحد الفلاسفة، قال ذات مرة «إن الغباء هو فعل الشيء نفسه مرتين بالأسلوب نفسه، والخطوات نفسها، وانتظار نتائج مختلفة».