:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/16932

عن «اعترافات» عريقات -معتصم حمادة

2018-09-20

التصريحات التي أدلى بها صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لصحيفة «يديعوت أحرونوت» ووسائل إعلامية أخرى، وردت فيها ثلاث قضايا تستحق التوقف عندها.
• القضية الأولى: اعترافه لصحيفة عبرية، ولأول مرة، أن صحة الرئيس محمود عباس تدهورت في الأيام الأخيرة، بشكل خطير، مما هدد حياته. ونعتقد أن قضية كهذه ليست مجرد قضية تخص الرئيس عباس وحده، بل تخص كذلك الرأي العام والحالة الفلسطينية دون استثناء. ولا شك في أن الجميع يتمنى للرئيس عباس دوام الصحة والعافية، والعمر المديد. لكن هذا لا يعني أن يتم إخفاء أوضاعه الصحية عن الشعب الفلسطيني، كما لا يصح أن يطلّع الشعب الفلسطيني على حقيقة الأوضاع الصحية لرئيس السلطة، ورئيس اللجنة التنفيذية من خلال الإعلام العبري، بينما الإعلام الفلسطيني لا يتوقف عن التأكيد أن كل شيء بخير، في الوقت الذي وصلت فيه الأمور الى مرحلة خطيرة جداً. هذا أولاً.
ثانياً: لا يصح أن تكون اللجنة التنفيذية مغيبة عن الوضع الصحي لرئيس السلطة وأن تتحول أوضاعه الصحية إلى مجرد تكهنات متداولة هنا وهناك. فضلاً عن هذا كله، وباعتراف عريقات نفسه، أشرف الرئيس عباس على وضع خطير، دون أن تكون هناك ترتيبات لملء الفراغ، خلافاً للوضع الذي كنا عليه في زمن الراحل ياسر عرفات؛ خاصة وأن الرئيس عباس يتولى حجماً من المهام، وفي ظل أوضاع لاخلاف حول حساسيتها ودقتها.
الخلاصة: صحة الرئيس (أي رئيس في أي بلد) ليست شأناً خاصاً، بل هي شأن عام، ويجب أن يكون الشعب مطلاً على الوضع الصحي لرئيسه، وأن يطمئن إلى صحته، وإن يطمئن أنه في حال حصول استثناء ما، فإن الانتقال من يد إلى يد، سيكون سلساً، وقانونياً، ولا يعرض الوضع العام لخضات أو إرباكات، خاصة في وضع كالوضع الفلسطيني، حيث تحولت قضية خلافة الرئيس عباس إلى قضية من الدرجة الأولى نسجت حولها القصص والأساطير والروايات، ما يبعث على القلق الشديد؛ القلق على صحة الرئيس عباس (وهذه مسألة إنسانية من الطراز الأول) والقلق على استقرار الحالة السياسية الفلسطينية.
* * *
• القضية الثانية: اعترافه بأن المفاوض الفلسطيني، في جولات أوسلو، هو الذي بادر، ودون ضغوط أميركية أو إسرائيلية، لتقديم التنازلات المجانية.وبهدف إبداء حسن النية نحو إسرائيل، أسقط المفاوض حق العودة وقبل بالحلول البديلة. كذلك وافق على تعديل خط الرابع من حزيران، تحت مبدأ تبادل متفق عليه للأرض، ما يفتح شهية إسرائيل لمواصلة الاستيطان، ما دام باب ضم المستوطنات مفتوحاً. كذلك قبل المفاوض «بدولة» منزوعة السلاح (!) كي تطمئن إسرائيل أن الدولة الفلسطينية المجاورة، لن تشكل خطراً أمنياً عليها كما قبل بوجود «طرف ثالث» على الحدود الفلسطينية ـــ الأردنية، لطمأنة إسرائيل بعدم تسرب السلاح إلى مناطق «الدولة» الفلسطينية، وكذلك عدم تدفق اللاجئين الفلسطينيين تحت ذريعة أن هذا من شأنه أن يغرق الدولة الفلسطينية في الأزمات الاجتماعية، قد تتحول إلى انفجارات تكون لها انعكاساتها على الجوار الإسرائيلي (!)
لأول مرة، نسمع أن المعتدي عليه مطالب بتقديم ضمانات حسن النوايا للمعتدي. ولأول مرة نسمع أن المعتدى عليه هو مصدر الخطر على المعتدي. فضلاً عن أن عريقات اعترف بما كنا ننشره ونقوله عن «الأسرار» التفاوضية، وما كان المفاوض الفلسطيني ينفيه وينكره. منها مثلاً قضية اللاجئين وحق العودة ومنها قضايا السيادة وغيرها. إلى جانب هذا كله لا يستخلص عريقات ما يجب استخلاصه من ربع قرن من المفاوضات الفاشلة والتنازلات المجانية، وهو صاحب الكتاب الشهير «الحياة مفاوضات»، والذي كان فيه جريئاً باعترافه أن الوسيط الأميركي لم يكن وسيطاً بل كان طرفاً ثالثاً منحازاً على الدوام لصالح الجانب الاسرائيلي. ما يعني أن القول إن إدارة ترامب لم تعد وسيطاً نزيهاً فيه الكثير من المغالطات، فالولايات المتحدة لم تكن يوماً وسيطاً نزيهاً، بل، وكما يعترف عريقات لم تكن وسيطاً بالأساس ما يشكل إدانة مدوية لكل السياسات التي راهنت على مفاوضات أوسلو، وعلى مفاوضات «خطة الطريق»، وعلى مفاوضات «أنابوليس»، وإدانة لكل الدعوات لاستئناف المفاوضات، بالوسائل والآليات ذاتها، وخارج مؤتمر دولي تدعو له الأمم المتحدة، وترعاه الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وبموجب قرارات الشرعية ذات الصلة، وبما يكفل الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني: دولة مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية وعلى حدود 4 حزيران 67، رحيل الاستيطان وتفكيك بنيته، وضمان حق العودة للاجئين إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ العام 1948.
المفارقة، بعد هذا كله، أن المفاوض الفلسطيني، ورغم اعترافات عريقات، مازال يتلعثم عند الحديث عن المؤتمر الدولي، دون ملامح واضحة، مربوطاً بمبادرة السلام العربية (2002) و«برؤية الرئيس» (20/2/2018) ما يفتح الباب للعبث السياسي والتسلل خارج حدود الشرعية الدولية.
* * *
• القضية الثالثة (من بين قضايا أخرى عديدة): هي اعتراف عريقات بأن إدارة ترامب طبقت (حتى الآن) 70% من «صفقة العصر». وهو بإعترافه هذا (وإن جاء متأخراً) يؤكد سلسلة حقائق:
ـ ما كنا نؤكده، منذ أن تم الإعلان عن «الصفقة»، أنها مطروحة للتنفيذ العملي، وأن تنفيذها يتم خطوة خطوة، وإنه لن يتم الإعلان عن تفاصيلها النهائية إلا عندما تلتئم الظروف والشروط الضرورية لفرضها كاملة. وأن ما تقوم به، بالتحالف الوثيق مع الاحتلال، يهدف إلى توفير هذه الشروط ميدانياً.
ــــــ تدحض ما روج له العديد من أعضاء في اللجنة التنفيذية، وفي الدائرة المقربة من «المطبخ السياسي» أن رفض القيادة الفلسطينية ومعارضتها لصفقة العصر أجهض الصفقة في مهدها. وإن الصفقة فشلت وماتت (!)
ـــــــ تدحض السياسة القائلة بالرهان على دور عربي ما لتعطيل الصفقة، أو على الأقل لتعديلها ما يفتح الباب أمام شراكة فلسطينية معها. كما تدحض السياسة العربية ووعودها بأن للجانب الفلسطيني مقعداً في «الصفقة» سوف يحتله المفاوض الفلسطيني، كما تؤكد سقوط الرهان الرسمي الفلسطيني على التقاطع مع هذا الوعد، عبر التمسك ببقايا أوسلو، كما صاغتها رؤية الرئيس في 20/2/2018.
ــــــ كما تؤكد اعترافات عريقات أن المعارضة الكلامية لا توقف الصفقة وأن الاشتباك في الميدان، خطوة خطوة، في مقاومة الاحتلال، والاستيطان ومقاطعة تامة للولايات المتحدة، ووقف الرهان على الوعود، هو وحده السبيل لشق الطريق أمام تطويق الصفقة وحصارها، وتعطيل مفاعيلها.
اعترافات عريقات مهمة، وجريئة. ولكن.. كان عليه أن ينهي هذه الاعترافات باعتراف آخر، وهو أن سياسة تعطيل قرارات التوافق والإجماع الوطني، في المجلس المركزي (5/3/2015 + 15/1/2018) والمجلس الوطني، وأن مواصلة الرهان على الأوهام، هي التي تسهل على الجانبين الإسرائيلي والأميركي تمرير سياستهما، وهي التي مازالت تضعف الحالة الفلسطينية وتعطل استنهاض عناصر قوتها، وهي كثيرة وفاعلة وشديدة التأثير. اعتراف عريقات إقرار بأن الكرة في ملعب القيادة الرسمية.