:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/17109

نزع الشرعية عن اليسار الإسرائيلي تمهيداً لطرد الفلسطينيين -هآرتس

2018-10-21

الهجمات ضد اليسار لا تستهدف المسّ بمجمّع سياسي وفكري لليهود. هذه الهجمات هي جزء فقط من إعداد الأرضية لعملية كبيرة وشاملة، موجهة ضد الفلسطينيين. وعلى جانبي الخط الأخضر، يمكن فقط أن نتكهّن بهذه الخطوة، بالاستناد إلى 1948 و1956، وبالاستناد إلى أقوال وتلميحات من الجناح القومي - الديني المسياني الرأسمالي، الذي يشكل المعسكر السياسي الأقوى في إسرائيل. هذه الخطوة هي طرد جماعي للفلسطينيين، مؤلف ربما من عمليات طرد أصغر.
لقبول هذا الادعاء يجب الاقتناع بقدرات التخطيط الإسرائيلية. الإسرائيليون الذين يعيشون في الجانب الغربي من الخط الأخضر من الصعب أن يصدقوا هذه القدرات. هم يواجهون الخمول واللامبالاة والبيروقراطية في كل زاوية. لكن الدقة والنظرة البعيدة المطلوبتين من أجل خلق الجيوب الفلسطينية الخانقة شرق الخط الأخضر والجيوب الفلسطينية الفقيرة والمكتظة بالسكان إلى الغرب منه يدلان على تخطيط يعود إلى سنوات عديدة، وعملت فيه أطراف لها علاقة بالبيروقراطية والجيش والمنظومة السياسية. وشكّل رأس حربة التفكير والعمل الإسرائيلي – اليهودي: حزب البيت اليهودي، وأمانا [حركة استيطانية تابعة لـ"غوش إيمونيم" الدينية - القومية]، وإلعاد [جمعية يهودية تعمل على توطيد علاقة اليهود بالقدس]، واللجنة الفرعية للمستوطنات في الكنيست، وجمعية "حتى الآن" [جمعية شبابية يهودية يمينية]، و"أمناء جبل الهيكل" [جمعية أرثوذكسية يهودية متطرفة مقرها القدس، وهدفها بناء هيكل الملك سليمان مكان المسجد الأقصى] وأشباههم. في نظر هؤلاء، يجب على الفلسطينيين، في أحسن الأحوال، أن يشكرونا لأننا سمحنا لهم بالبقاء هنا. اليسار الإسرائيلي مخلوق صغير وضعيف ومضطرب، متعدد الأوجه ومليء بالتناقضات الداخلية حتى الاندثار. وهو لا يشمل تكتل المعسكر الصهيوني وحزب يوجد مستقبل أو قائمة بيني غانتس التي تتحدث عنها استطلاعات الرأي: ليس لأنهم إشكنازيون يتمتعون بامتيازات، بل لأنهم سبق لهم أن شاركوا في مراحل سابقة في طرد الفلسطينيين: من وطنهم، ومن أرضهم، ومن المؤسسة السياسية فيها ومن مؤسساتهم.
من المفترض أن يكون اليسار اجتماعياً، أي أن يتطلع إلى رفع مكانة العمال في المجتمع وقيمة الخدمات والنشاطات التي لا تقاس بالمال. اليسار يجب أن يطالب بتخصيص ميزانيات متساوية تشمل اعترافاً بالتقصير التاريخي حيال الشرقيين من جانب المؤسسة المابائية [نسبة إلى حزب مباي] والمطالبة بإصلاحه. لكن ليس هناك نشاط أو وعي يساري من دون فهم وإقرار بأن الفلسطينيين كانوا وما زالوا الهدف الأول والأساسي لهندسة المشاريع الإسرائيلية الديموغرافية، والاقتصادية، والاجتماعية - العقارية، والسياسية. هذه المشاريع التي ربح ويربح منها كل يهودي - إسرائيلي، على نحو إرادي أو غير إرادي.
لقد نجحت الهجمات اللفظية والجسدية الحكومية والإعلامية: حولت تعريف "اليسار" إلى أمر مكروه وسط أجزاء كبيرة من الجمهور الإسرائيلي- اليهودي أكثر من مفهوم الفاشية والعنصرية.
هذه الهجمات لم تؤثر في إصرار نساء ورجال شجعان في "تعايش" [منظمة يسارية تدعو إلى التعايش بين اليهود والعرب]، ولا في منظمة "لنكسر الصمت" [منظمة تضم جنوداً خدموا في "المناطق" ويعارضون الاحتلال الإسرائيلي]، ومنظمة "حاجز واتش" [منظمة يسارية نسائية تتظاهر ضد الحواجز الإسرائيلية وضد الاحتلال]، وفوضويين ضد الجدار وأشباههم، منظمة "نرفض ونتذكر"، وأكاديميين من أجل المساواة، واللجان الطلابية في "الجبهة" و "التجمع"، وفروع وناشطي هذه الأحزاب وجزء من ناشطي وأعضاء حركة ميرتس. الهجمات لم تؤد إلى تراجع نشاط منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان التي حاربت الاحتلال ونهب الأراضي طوال سنوات. لكن لهذه الهجمات تأثير مهدئ. فهي تُسكت الآخرين الذين لا يشعرون بالارتياح إزاء تحوّل قطاع غزة إلى معسكر اعتقال يموت فيه الأولاد جرّاء المياه الملوثة، ويتخوفون من القوانين التي تذكّر بحقب غير بعيدة. الأشخاص الذين يعانون صعوبات في كسب لقمة العيش يفكرون أكثر من مرة قبل أن يعبّروا عن آرائهم أو يشاركوا في نشاط يؤيد حق القرى البدوية داخل إسرائيل في الحصول على المياه.
المفترض بالهجمات المسمومة أن تضمن ألاّ يكون هناك يهود يستعدّون لاتخاذ موقف معارضة. فقط حفنة يهود شجعان موجودة اليوم في الخان الأحمر. إن نزع الشرعية عن اليسار يقلص من عدد رافضي الاحتلال. ويضمن، عندما يحين الوقت، أن يقوم الجنود المشبعون بإيمان أعمى بعدالة حكومتهم بتنفيذ مهمة هدم وطرد الفلسطينيين، أبناء هذه الأرض.