الخطة الاسرائيلية لتقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية في شرقي القدس
2018-11-06
تقدير استراتيجي – بقلم افرايم لفي، ساسون حداد، مئير الران – 4/11/2018
يعكس الوضع الاقتصادي والاجتماعي لسكان شرقي القدس الفلسطينيين العرب فوارق واسعة مقارنة بالسكان اليهود في المدينة. ويشكل عبئا اقتصاديا على الدولة وخطرا على أمنها. وتكمن الخلفية في هذا الواقع في حقيقة انه بخلاف ادعاء السيادة الكاملة والخالدة لاسرائيل على الارض الاقليمية لشرقي المدينة، لم تدرج حكوماتها سكانها كمواطنين في الدولة. وقبعت هذه الحقيقة في اساس سياسة الاهمال المتواصل للارض الاقليمية وسكانها. واضيفت الى ذلك سياسة الابقاء على الاغلبية اليهودية في المدينة وتقليص الحضور العربي فيها من خلال القيود على البناء للسكن، مصادرة مكانة الاقامة لمن يتغيب عن المدينة لفترة طويلة واخراج ثمانية احياء عربية الى خارج الجدار الامني، الذي اقيم في المدينة في السنوات الاخيرة.
في حزيران 2014 أقرت الحكومة لاول مرة خطة موضوعها زيادة الامن الشخصي والتنمية الاقتصادية – الاجتماعية في شرقي القدس لسنوات 2014 – 2018، القرار رقم 1775. في اطار الخطة خصص 200 مليون شيكل للتنمية الاقتصادية – الاجتماعية، و 90 مليون شيكل آخر لتعزيز منظومة الانفاذ للقانون وحفظ النظام. في النصف الاول من العام 2017 فحص مراقب الدولة تطبيق القرار فوجد مواضع خلل في الخطة وفي تنفيذها.
وفي اعقاب ذلك طُلب من مدير عام وزارة المالية والمسؤول عن الميزانيات، وكذا من مدير عام شؤون القدس بان يرفعا الى الحكومة اقتراحا لخطة متعددة السنين لتقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية في شرقي القدس. وطُلب منهما أن يدرجا في الخطة تنمية البنى التحتية للمواصلات، تنمية مناطق تجارية وتشغيل، خطط لتشجيع التشغيل وتحسين جودة التعليم، وكذا العمل بتصميم على تنفيذها.
في 28 ايار 2017 اتخذت الحكومة قرار 2684 لاجراء دراسة تشارك فيها وزارات متعددة لوضع خطة خُماسية لتقليص الفوارق والتنمية الاقتصادية لشرقي القدس، كخطة استكمالية لقرار 1775. وجاء في القرار ان الهدف هو “تحسين جودة المعيشة والبيئة لسكان الاحياء العربية في القدس وتعزيز قدرة الاندماج لسكان شرقي القدس في المجتمع وفي الاقتصاد الاسرائيلي، وبذلك تعزيز الحصانة الاقتصادية والاجتماعية للعاصمة كلها”. تقرر ان تنفذ الخطة في السنوات 2018 – 2023. واتخذ قرار الحكومة رقم 3790 في 13 ايار 2018 ليقر الخطة الخماسية التي تضمنت لاول مرة ايضا تخطيط وتسجيل الاراضي. صحيح ان الخطة استهدفت رفع مستوى قدرة اندماج سكان شرقي المدينة في المجتمع والاقتصاد الاسرائيلي، الا انه تنشأ عنها معان حزبية وسياسية، مثل تثبيت السيادة الاسرائيلية والتقدم في “الاسرلة” في المدينة.
خلفية اقتصادية، اجتماعية، سياسية
يعد سكان القدس العربي 320 الف نسمة (نحو 37 في المئة من عموم سكان المدينة). يسكن 98 في المئة منهم في احياء شرقي المدينة. وحسب معطيات مؤسسة التأمين الوطني فان معدل الفقر في لواء القدس وفي مدينة القدس خاصة هو الاعلى في البلاد. في 2016 بلغ مدى الفقر للسكان العرب في القدس 72.9 في المئة، مقابل 29.28 في المئة بين سكانها اليهود. اما عمق الفقر (قياس المسافة بين دخل العائلة وخط الفقر) للعرب في القدس فبلغ في العام 2016 معدل 38.3 في المئة. معدل الاطفال الفقراء في القدس كان 78.2 في المئة. الفرق بين مستوى فقر العائلات العربية واليهودية في القدس بلغ 2.5 ضعف في طالح السكان العرب. نسبة المشاركة في قوة العمل بين السكان العرب في القدس متدنية: فحسب معطيات مكتب الاحصاء المركزي فان معدل المشاركة بلغ في 2016 ما نسبته 41.6 في المئة فقط. ومعظم العاملين يعملون في مهن لا تتطلب التعليم العالي (في كراجات السيارات، المشاغل، البناء)، واجرهم في الغالب متدن وبلا تبليغ لسلطات الضريبة والتأمين الوطني. كنتيجة لوضع الفقر والتشغيل، فان تعلق سكان شرقي القدس بالتأمين الوطني كثير.
التقدير السائد لدى الباحثين هو أنه في اوساط سكان شرقي القدس العرب يتزايد الاعتراف بانه حان الوقت لوضع حد لانعدام اليقين بالنسبة لمستقبلهم. وهم يميلون اليوم للحسم في صالح الاندماج في المجتمع الاسرائيلي. ويستند هذا التقدير، ضمن امور اخرى الى الارتفاع في عدد طلبات الحصول على الجنسية الاسرائيلية، الى الاعتراف بتحسن وجودة الخدمات التي تقدمها البلدية، الى المطالبة بزيادة تواجد الشرطة في الاحياء، الى السعي الى تعلم اللغة العبرية والى التفضيل المتزايد لشهادة البجروت الاسرائيلية على تلك الفلسطينية. استطلاعان اجريا في بداية 2018 بين سكان شرقي القدس اشارا الى رغبة متزايدة للمشاركة في الانتخابات البلدية التالية (تشرين الاول 2018) انطلاقا من النية للتأثير على قرارات مجلس البلدية، للسعي الى المساواة في الخدمات والبنى التحتية في شرق وغرب المدينة والعمل على تحسين شروط المعيشة.
تفسر هذه الميول لدى سكان شرقي القدس، كما يبدو، لدى اصحاب القرار في اسرائيل، كاعتراف متزايد للواقع القائم بل وربما كرغبة للبقاء تحت سيادة اسرائيلية. ومن هنا، وفقا لهذه الرواية، فانه اذا تحسن الوضع الاقتصادي والاجتماعي للسكان فستتعزز قدرة الحكم الاسرائيلية في شرقي القدس وستزداد الصلة العملية للسكان بالمدينة وربما ايضا بالدولة. والفرضية هي ان الامر قابل للتحقق من خلال تعزيز محافل في الجمهور المحلي المؤيدة لهذا الميل المتمثل بالاندماج في المجتمع الاسرائيلي، مثل مدراء مؤسسات التعليم، لجان الاباء، مدراء المراكز الجماهيرية ولجان التجار.
يمكن التقدير بان اعتراف الولايات المتحدة بالقدس كعاصمة اسرائيل شجعت الحكومة على اقرار الخطة موضع البحث. يحتمل ايضا انه اخذ بالحسبان تقدير يقول ان المعسكر العربي المعتدل (مصر، السعودية، الاردن، اتحاد الامارات) يؤيد زعما الابقاء على الوضع الراهن في القدس، تحت سيادة اسرائيل، منعا لحماس وحركة الاخوان المسلمين في اسرائيل وكذا تركيا وقطر من تعزيز مكانتهم في المدينة وفي الحرم. يحتمل أن يكون استخلص من هذا التقدير في الحكومة بان سيطرة اسرائيل في القدس كمدينة موحدة، ولا سيما في الحرم، تضمن ظاهرا استقرارا اقليميا، وفي وضع الجمود السياسي المتواصل فان هذا الواقع كفيل بان يتثبت لزمن طويل.
يمكن أن تكون هذه التقديرات بشأن الواقع الاقتصادي – الاجتماعي لسكان شرقي القدس العرب، الى جانب الخلفية السياسية، تعتبر في اوساط اصحاب القرار في اسرائيل لحظة مناسبة يجب استغلالها لتثبيت الحقائق على الارض وتحقيق الموقف الرسمي الاعلامي في ان القدس الكاملة والموحدة هي العاصمة الخالدة لدولة اسرائيل.
تبلغ كلفة الخطة نحو 2 مليار شيكل لخمس سنوات (2018 – 2023). نصف الميزانية مخصص لتطوير البنى التحتية المادية العامة في شرقي القدس ونصفها لتمويل اعمال في مجالات التعليم، الرفاه والتشغيل، تحسين الخدمات للمواطن وتحسين جودة الحياة، الصحة والتخطيط وتسجيل الاراضي. الهدف بعيد المدى للقرار، الذي يتضمن ملحق مفصل يشير الى المصادر المالية لتنفيذها، هو دمج سكان شرقي القدس في دائرة عمل مرتبة، ولا سيما من خلال التشجيع على تحصيل التعليم العالي في مجالات تسرع النمو. عقب ذلك من المتوقع ان تزداد مداخيل الدولة من الضرائب، وبالتوازي يتقلص حجم الفقر ويقل انفاق الدولة من خلال التأمين الوطني.
خلافا لقرار الحكومة رقم 922 (الخطة الخماسية للتنمية الاقتصادية للعرب في اسرائيل)، الذي وقفت خلفه الرؤية الاقتصادية لقسم الميزانيات في وزارة المالية، فان القرار الحالي هو في اساسه رافعة للتقدم السياسي لموقف اسرائيل الرسمي بشأن كون القدس الكاملة عاصمتها الى الابد. وتخصيص المقدرات الخاصة تم بموجب المادة 4 (ب) من القانون الاساس: القدس عاصمة اسرائيل والتي تقول ان “تعطى للقدس اولوية خاصة في اعمال سلطات الدولة لتطويرها في مواضيع الاقتصاد وغيره”. يقود وزير شؤون القدس زئيف الكين وينسق خطط الحكومة بشأن شرقي المدينة. وفرضيته هي انه كلما كانت الفوارق بين شرقي المدينة وغربها اصغر – فان ثمن خسارة سكان شرقي القدس من التعليم الامني ستكون اكبر ولهذا فان مخاطره ستقل.
من المهم التشديد على أن خطة الحكومة لا تتضمن ثماني احياء في منطقة كفر عقب ومخيم شعفاط للاجئين في شرقي القدس، والتي تعد اليوم نحو 140 الف نسمة (نحو 40 في المئة من عموم السكان). بقيت هذه الاحياء خلف الجدار الامني الذي اقيم في 2004 في داخل المساحة البلدية للقدس، رغم أنها بقيت جزءا منها رسميا، وسكانها يحملون بطاقات المقيم المقدسية. لقد أدى الفصل المادي الى قطع هؤلاء عن الخدمات البلدية الجارية، وتعميق الاهمال، الجريمة، الفقر وانعدام الحكم الذي كان سائدا في هذه الاحياء حتى قبل ذلك، وكذا الى زيادة واضحة لعدد السكان فيها. فقد نشأت الزيادة في اعقاب عرض كثير وزهيد الثمن للسكن، بني في معظمه بلا تراخيص وبسبب سكن الفلسطينيين من مناطق الضفة الغربية فيها. أما استمرار الاهمال لهذه الاحياء وعدم ادراجها في الخطة موضع البحث فسيبقي بل وسيفاقم الواقع الديمغرافي، الاجتماعي والامني الصعب، الذي يؤثر بالضرورة على ما يجري في شرقي المدينة وبشكل غير مباشر في كل المدينة.
عناصر الخطة الخماسية
لب لباب الخطة هو التقدم في التعليم العالي في اوساط سكان شرقي القدس من خلال تحسين جهاز التعليم. هذه هي القفزة الاساسية التي يفترض بها أن تدفع الى الامام لتحقيق الهدف بعيد المدى – دمج السكان في دائرة العمل المرتب. فحسب معطيات مديرية التعليم في القدس، ففي السنة الدراسة 2016 – 2017 تعلم في التعليم العربي البلدي في القدس 90.412 تلميذ من سن 3 وحتى الثانوية. ويشكل هؤلاء نحو 34.5 المئة من اجمالي التلاميذ في القدس ممن يتعلمون في هذه الاطر. اضافة الى ذلك كان هناك نحو 20 الف تلميذ يتعلمون في اطر تعليمية خاصة لا تعترف بها وزارة التعليم. وتقررت لخطة التعليم الجديدة اهداف واضحة، كدرس من الخطة السابقة، تفصل عدد الصفوف الجديدة التي ستبنى في كل سنة، والتي سيقر فيها منهاج التعليم الاسرائيلي. كما تقررت اهداف لزيادة عدد المستحقين لشهادة البجروت الاسرائيلية الى 26 في المئة وكذا لتقليص التساقط من المدارس وفي مجالات اخرى. وتتناول الخطة تنمية البنى التحتية للتعليم وتتضمن اقامة 660 صف ورياض اطفال في السنوات الخمسة القادمة، مقابل متوسط نحو 75 صف كل سنة في السنوات السبعة الاخيرة. اجمالي الميزانية التي اقرت في القرار (دون التعليم العالي) يبلغ 443 مليون شيكل، مبلغ اعلى عشرة اضعاف مقارنة بالقرار في 2014 في هذا الموضوع.
حتى قبل بضع سنين اهمل جهاز التعليم في شرقي القدس ولم تتخذ مبادرات جوهرية لتطويره. ولم تكن وزارة التعليم تشارك تقريبا في ما يجري هناك، وكانت الادارة في يد الدائرة العربية في مديرية التعليم في بلدية القدس. اما اليوم فتصبح وزارة التعليم العامل المتصدر. هي التي تبلور المناهج الجديدة، ولا سيما لتعميق تعليم اللغة العبرية، تطوير التعليم التكنولوجي، زيادة حجم التعليم غير الرسمي، وكذا اعطاء حوافز لتوسيع منهاج التعليم الاسرائيلي.
صحيح حتى الان، فان معظم التعليم في شرقي القدس يتم وفقا للمنهاج الفلسطيني. ويقيد هذا الامر قدرة الخريجين على الاندماج في الحياة الاكاديمية في اسرائيل وفي سوق العمل، او في الوظائف التي تتطلب تعليما اكاديميا. وبالتالي، فان احد العناصر في الخطة الجديدة هو ادخال منهاج التعليم الاسرائيلي الى المدارس، بدلا من الفلسطيني. يرى الوزير الكين ووزير التعليم في ذلك الغاية الاساس. فيما يكون الهدف هو ان يعلم المنهاج الاسرائيلي في كل المدارس في شرقي القدس. حتى الان، ادخل المنهاج الى بعض المدارس الثانوية واتخذت اعمال شرح لاقناع السكان بفضائله، مثل القبول في مؤسسات التعليم العالي في اسرائيل والانخراط في سوق العمل.
جاء في قرار الحكومة انه بمشاركة لجنة التخطيط والميزانية في مجلس التعليم العالي، ستتقرر اهداف لزيادة عدد الطلاب الذين يتعلمون للدرجة الجامعية الاولى حتى الضعف. ولهذا الغرض يفترض بوزارة المالية أن تنقل علاوة ميزانية بمبلغ 90 مليون شيكل، و 170 مليون شيكل آخر من ميزانية جهاز التعليم العالي. كما تقرر وضع صيغة لخطة لتشجيع التلاميذ المتميزين من شرقي القدس للتعلم في الجامعات في اسرائيل.
تشديد آخر في الخطة هو دمج السكان في دائرة العمل وزيادة مداخيل العائلات. ولهذا الغرض سيبذل جهد خاص لتقليص الفوارق في حجم عمل النساء العربيات من خلال توسيع مشاركتهم في مراكز التوجيه التشغيلي، تخصيص ملاكات من العاملين الاجتماعيين، توسيع عدد الحضانات لاطفال العاملات ومساعدة ارباب العمل على استيعاب العاملات الجديدات. وبشكل عام سيقدم تشجيع لتنمية وتطوير اعمال تجارية صغيرة ومتوسطة تتناسب خصيصا مع السكان. اجمالي ميزانية الخطة لتوسيع التشغيل يبلغ نحو 270 مليون شيكل. قسم من الانفاق سيعوض من خلال الرفع المتوقع لمداخيل الدولة والبلدية، بما في ذلك ارتفاع متوقع بمعدل 20 في المئة في جباية الارنونا التجارية.
في باقي المجالات مثل المواصلات (تخصيص ميزانية في أكثر من نصف مليار شيكل) تحسين الخدمة للمواطن، جودة الحياة والصحة، فان الاهداف التي تظهر في الخطة الحكومية واضحة اقل، ومعظمها تحرك فقط الان سياقات معقدة من التخطيط، ستتطلب المزيد من المصادقات المفصلة. الوضع مشابه ايضا في المسألة الحساسة لتخطيط وتسجيل الاراضي في احياء شرقي القدس، والتي اهملت وخلقت انعدام للنظام في مجالات العقارات والبنى التحتية.
معان، استنتاجات وتوصيات
يمكن ان نرى في الخطة موضع البحث هنا اداء لواجب اساسي، قانوني والزامي تجاه السكان العرب، بعد يوبيل من سنوات الاهمال. في الشروحات لقرار الحكومة يأتي التزام من جانبها بوضع حل منظوماتي شامل للتحديات الاجتماعية – الاقتصادية القائمة في شرقي القدس. وفي القرار نفسه فصلت المصادر المالية، التي تبلغ نحو 2 مليار شيكل للسنوات 2018 – 2023، وعرض مبنى الجهاز للادارة، القياس والرقابة، والذي يتضمن لجنة دائمة برئاسة مدير عام وزارة شؤون القدس، وطواقم فرعية تتشكل لكل مجال عمل.
سيكون تنفيذ القرار خطوة هامة وصحيحة كفيل بان يحسن مستوى المعيشة وجودتها في شرقي القدس بشكل عام وفي المجالات الحيوية للتعليم والتشغيل بشكل خاص. وبمعنى معين يمكن أن نرى في القرار جزءا من فكر اوسع للحكومة، يرى في الرافعة الاقتصادية ادارة ناجعة لتحقيق اهداف اجتماعية تخدم الدولة كما تخدم القطاعات الضعيفة من السكان في اسرائيل. تطبيق بارز لهذا الفكر يوجد في الخطة الخماسية الحكومية للوسط العربي من العام 2015، والتي توجد اليوم في مراحل متقدمة من التنفيذ. هذه ايضا، مثل الخطة موضع البحث هنا، تركز على التقدم في المجالات التي يفترض بها أن تحسن الوضع الاقتصادي للسكان، ولا سيما من خلال الدفع الى الامام لاندماجها في الاقتصاد الاسرائيلي، مما يفترض به أن يخدم الدولة.
اضافة الى ذلك، يمكن الاشارة ال فرقين بارزين بين الخطتين الخماسيتين، فضلا عن مسألة المواطنة المختلفة، التي هي هامة بحد ذاتها. احد الفارقين يتعلق بحقيقة أن الخطة الخماسية لمواطني اسرائيل العرب وضعت وهي تنفذ بقدر كبير بمشاركة ممثلي الجمهور العرب، سواء على المستوى الوطني أم ا لمحلي. وتعكس هذه الشراكة فهما متبادلا للمصالح المشتركة في تحقيق الخطة، رغم العوائق الكثيرة. الفرق الثاني هو ان للخطة بشأن الجمهور العربي اسرائيل يوجد “أب” مسؤول، مع ظهر سياسي وتنظيمي قوي. يدور الحديث عن السلطة الرسمية للتنمية الاقتصادية لوسط الاقليات في وزارة المساواة الاجتماعية، التي كانت حتى وقت اخير مضى بالرئاسة والقيادة المهنية لايمن سيف، والتي تعمل بتعاون تام مع وزارة المالية من خلال قسم الميزانيات. معن الامر هو انه حتى بالنسبة للخطة الجديدة ستكون مطلوبة قيادة مركزي حكومية قوية تضمن العلاقة الضرورية بين الوزارة الحكومية وبينها وبين بلدية القدس، بمثابة عنوان ذي قوة سياسية وتنظيمية. وسيتعين عليها ان تعالج التطبيق التداخلي للخطة، اضافة للاعمال المطلوبة من كل واحدة من الوزارات ذات الشأن.
فضلا عن ذلك، وبسبب عدم الالتزام باهداف الخطة الخماسية السابقة، يثور السؤال ما هي آمل هذه الخطة للتغلب على الاخفاقات من اجل النجاح. يمكن أن نرى ان المقدرات والدراسة، بما في ذلك تحديد الاهداف، تتقدم بقدر كبير عن الخطة السابقة، ولا سيما في مواضيع التعليم والتشغيل. ولكن حتى اذا تحققت الخطة بكاملها فان الفوارق القائمة على الارض كبيرة، ولا سيما في الاجزاء في شرقي المدينة التي لم تدخل الى الخطة الجديدة. اضافة الى ذلك، منذ البداية لا تعنى الخطة الا بتقليص جزئي للفوارق القائمة، سواء في التعليم ام في التشغيل، وستمر سنوات عديدة الى أن تصل الى مستوى معقول. في باقي البنود يبدو أن الطريق الى التقدم الحقيقي لا تزال طويلة جدا. والانتقاد الذي وجه للخطة السابقة من مراقب الدولة لا يزال قائما وسائدا بالنسبة لهذه العناصر. والمعاني لكل هذا واضحة: حتى لو كان الاتجاه صحيحا ومباركا، فبسبب الظروف على الارض والاحتياجات الكبرى، ستكون هذه بداية مسيرة ايجابية، طويلة ومضنية، ولكن مشكوك ان توفر الخطة حلا منظوماتيا شاملا للمشاكل الاساسية في شرقي القدس.
ان السبيل لتنفيذ الخطة الجديدة متعددة السنين، في ظل اشراط جزء منها بتعميق “الاسرلة” من المتوقع أن تصطدم بمقاومة فلسطينية. يمكن التشكيك بالتقدير في أنه ستكون امكانية لشل مثل هذه المقاومة من خلال ما يخيل انه “السلام الاقتصادي” وتعزيز عناصر في شرقي القدس مثل مدراء مؤسسات التعليم، لجان الاباء، مدراء المراكز الجماهيرية ولجان التجار. ومع ان هؤلاء يؤيدون بعض الاندماج في النسيج البلدي الكامل وكذا ايضا في المجتمع الاسرائيلي، الا انهم يمثلون، في افضل الاحوال وبطبيعة الامور، المجتمع المدني الضعيف في شرقي المدينة. ومع انه يوجد في اوساط هذه المحافل استعداد كبير اكثر مما مضى على اقامة اتصال مع محافل حكم اسرائيلية، ولكن هذا فقط لهدف محدد يتمثل في تحسين شروط المعيشة الصعبة للسكان. هذا لا يشهد على الاطلاق على استعدادهم للتخلي عن هويتهم الفلسطينية وعن التزامهم بالقضية الوطنية ومؤسسات السلطة الفلسطينية، حتى وان كانت لهم انتقادات عليها.
معقول الافتراض بانه على خلفية تنفيذ الخطة الخماسية ستزداد الصراعات داخل الجمهور وفي اوساط السكان في شرقي المدينة: مراكز قوى ذات هوية وطنية فلسطينية، وكذا مراكز قوة محافظة اسلامية تقف كخصوم في الميدان، وكذا سكان الاحياء خارج الجدار الامني، سيعملون ضد اولئك المعنيين باستنفاد حقوقهم كسكان وعملية الانخراط في الاقتصاد الاسرائيل. ويحتمل أن يشدد الاوائل معارضتهم، حتى بوسائل عنيفة، تهديدات وتخويفات تجاه مظاهر “التطبيع” مع اسرائيل مثل ادخال منهاج التعليم الاسرائيلي الى جهاز التعليم، تلقي الجنسية الاسرائيلية وانفاذ قوانين التخطيط والبناء في الاحياء العربية. اما السلطة الفلسطينية فستواصل العمل بقدر قدراتها – المحدودة – حماية للمدينة من محاولات “التهويد” و “الاسرلة”. قدراتها العملية محدودة، ولكن يمكنها أن تحول ميزانيات الى جهات محلية مثل المستشفيات ومنظمات الاغاثة والطواريء الفلسطينية، وكذا منح حوافز لتشجيع التعليم العالي الفلسطيني على ذاك الاسرائيلي.
ان مسؤولية اسرائيل عن تحسين شروط معيشة سكان شرقي القدس من خلال تنفيذ الخطة الخماسية الجديدة مفهومة من تلقاء نفسها وواجبة، بصفتها صاحبة السيادة عمليا. اضافة الى ذلك، فان دمج سكان شرقي القدس في المجتمع وفي الاقتصاد في اسرائيل وكذا الامكانية لتغيير مكانتهم المدنية (من مقيمين دائمين الى مواطنين) – تنطوي على معان ديمغرافية وسياسية بعيدة المدى لدولة اسرائيل، من الصحيح فحصها بعمق. تتجاهل الخطة الخماسية ظاهرا مسألة مستقبل المدينة عند التسوية السياسية ولكن لتطبيقها العملي متوقع ان يكون تأثير على ذلك.
لقد تعهدت اسرائيل في اتفاقات اوسلو أن تكون القدس واحدة من المسائل التي تبحث في المفاوضات على التسوية الدائمة. كل حل معقول للنزاع الاسرائيلي – الفلسطيني سيستوجب موقفا من قضية القدس يراعي ايضا موقف الاسرة الدولية، الذي يرفض اعلان اسرائيل (منذ كانون الاول 1949) عن القدس كعاصمتها. كما أن الاسرة الدولية تعارض القانون الاساس: القدس عاصمة اسرائيل الذي اتخذ في الكنيست في تموز 1980، بدعوى ان شرقي القدس تعد ارضا محتلة وليس جزءا من دولة اسرائيل. يشارك في هذا الموقف الدول العربية ايضا (ولا سيما مصر، الاردن، السعودية والمغرب)، التي ترى نفسها كذات صلة خاصة بالاماكن المقدسة في القدس. وفي هذا ما يمكن ان يدحض التقديرات وكأن الحفاظ على سيادة اسرائيل في القدس كمدينة موحدة ولا سيما في الحرم، مدعو من دول المعسكر العربي السُني المعتدل والكفيل بان يجعل الواقع يتثبت على مدى الزمن. كما أن الموقف الامريكي في هذه القضية لا يقبل السياسة الاسرائيلية حتى بعد الاعتراف بالقدس كعاصمة اسرائيل ونقل السفارة اليها.
خلاصة الامر فانه لما كان الحديث يدور عن قرار ذي اهمية قانونية واخلاقية من جهة الا انه ذو اثار سياسية داخلية وخارجية جدية من جهة اخرى، تنشأ الحاجة الى اقتراح عدة توصيات منظوماتية: الاولى – على الحكومة أن تأخذ بالحسبان ان الخطة لتقليص الفوارق، في ظل اخراج الاحياء الشمالية منها، ستعد في نظر الاسرة الدولية والدول العربية كخطوة لتعميق ضم شرقي القدس، ومن المتوقع أن تعارض ذلك بشدة. من هنا الحاجة الى التعاطي مع الخطة في السياق السياسي لمسألة القدس في المفاوضات السياسية المستقبلية ايضا.
الثانية – على الحكومة ان تعيد النظر في اخراج الاحياء الشمالية التي خلف الجدار الامني من الخطة، اذ ان الامر سيمس بفرص نجاحها: فالتوتر القائم على اي حال، والذي سيتعزز بين سكان المدينة الذين تشملهم الخطة وبين اولئك الذين لا تشملهم، سيردع الاوائل من التعاون مع السلطات في تنفيذها. وذلك بالطبع، اذا ما نشأت بالفعل دينامية ايجابية من التنفيذ المنظم للخطة.
الثالثة – على الحكومة أن تستعد لمواجهة المصاعب القانونية والمقاومة المتوقعة حول مسألة تسجيل الاراضي، اذ ان الكثير من اصحاب العقارات هم غائبون يسكنون منذ حرب الايام الستة في الاردن، وتخوفهم هو أن تضع الدولة يدها على العقارات لاغراض التنمية والبناء للمباني العامة.
الرابعة – ينبغي الاعتراف بحقيقة أن المحاولات التي جرت في العالم في الماضي لفرض تغيير في مناهج التعليم للاقليات لم تنجح بل وعمقت النزاعات. مطلوب خطة تسويق مفصلة لهذا الموضوع المركزي تتضمن حوافز واضحة للسكان.
الخامسة – كقاعدة، سيكون مطلوبا جهد خاص لتجنيد محافل فلسطينية محلية لتأييد نشط وعملي للخطة، ودمجهم كمتصدرين محليين لعناصر الخطة. دون النجاح في ذلك ستكون صعوبة في الوصول الى النجاح في الخطة.
السادسة – لغرض زيادة الفرصة لنجاح الخطة، سيكون من المهم التركيز – حتى في التنفيذ الجاري وفي عرضها على الجمهور – على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية فيها، وبقدر اقل على الجوانب السياسية. وذلك من اجل تقليص المخاوف من تحولها الى صخرة خلاف مع السكان وخلق جبهة فلسطينية عربية دولية ضدها. لهذا الغرض مطلوب بناء صورة ايجابية للخطة في نظر السكان من خلال عملية تسويق مناسبة ومقنعة.