:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/17462

مرة أخرى.. من يخاف نهوض المقاومة الشعبية؟- معتصم حمادة

2018-12-20

عشية إجتماع اللجنة التنفيذية، في 13/12/2018، حفلت تصريحات من هنا وهناك، نسبت لمصادر رفيعة في القيادة الرسمية، كما حفلت مقالات المعلقين في بعض الصحف داخل الأراضي المحتلة بالتقديرات المتفائلة، ووعدت بأن الاجتماع سيكون حاسماً، وقال بعضهم إنه سيضع النقاط على الحروف، وسوف يتخذ قرارات مصيرية، أقلها (لاحظ أقلها) تطبيق قرارات المجالس الوطنية، والمركزية حول تحديد العلاقة مع دولة الاحتلال.
اجتمعت اللجنة التنفيذية، في ظل اجتياحات إسرائيلية لمدينة رام الله ومحيطها، وللخليل، وصف عريض من القرى الفلسطينية، واعتقالات جماعية، واقتحام منازل المدنيين، وحجزهم جماعياً في الغرف، وملاحقة آخرين، واغتيالهم دون سابق إنذار، وبدم بارد، بحيث باتت مهمات قوات الاحتلال، الاغتيال وليس الاعتقال، وفق لائحة أسماء موزعة على الدوريات الإسرائيلية ما يؤكد أن الاغتيال متعمد، وليس وليد حدث ما طرأ على عملية المطاردة أو محاولة الاعتقال.
• المفاجأة الأولى أن رئيس اللجنة، الرئيس محمود عباس تغيب عن الإجتماع، وبالتالي تحول الاجتماع إلى «تشاوري»، لا يملك صلاحية القرار. بل يكتفي بإبداء المشورة تاركاً للرئيس عباس أن يقرر.
• المفاجأة الثانية أن بعض أعضاء «التنفيذية» تغيب عن الإجتماع، رغم أنه كان في رام الله، وبينه وبين مكان الاجتماع بضعة أمتار.
• المفاجأة الثالثة أن جدول أعمال اللجنة التنفيذية خلا من أي بند ذي علاقة بما يدور في الشارع، من جرائم قتل واغتيالات واقتحامات، ومن ردود فعل الشبان، على سلوك قوات الاحتلال وعربدتها.
• المفاجأة الرابعة أن جدول أعمال اللجنة التنفيذية كان في وادِ، وقرارات المجالس المركزية والمجلس الوطني في وادٍ آخر.
إذن.. اللجنة التنفيذية، باتت لجنة مفصولة عن الزمان والمكان، ومقطوعة الصلة بالحالة الوطنية، وباتت لجنة «اغتراب»، تجتمع ولا علاقة لها بالهم الوطني وبما يدور في الميدان من تطورات.
* * *
الطريف في الأمر (أو المحزن، لا فرق) أن اللجنة التنفيذية أصدرت بياناً صحفياً، قدمته إلى الرأي العام، باعتباره خلاصة نقاشاتها وقراراتها. استنكرت تهديد المستوطنين لحياة الرئيس عباس. أدانت سياسة الاحتلال والمستوطنين. ودعت «جماهير شعبنا» إلى «مواصلة فعالياتها الشعبية» ضد الاحتلال والاستيطان ثم ختمت بأنها تواصل العمل على تنفيذ قرارات المجلسين المركزي والوطني.
أي أن «التنفيذية» تحاول أن تسخر من الرأي العام الفلسطيني، وإن كان بيانها يظهرها عاجزة عن تقديم أدنى أشكال الإسناد للشعب الفلسطيني في مقاومته الشعبية للاحتلال والاستيطان. وأظهرت عجزها عن أن تكون القيادة اليومية للشعب الفلسطيني في مسيرته النضالية، وأن مستواها هبط كثيراً، وأصبحت مثلها مثل حكومة السلطة، أو وزارة الخارجية، أو أي وزارة أخرى، تكتفي بإصدار البيانات الصحفية، ولا تخطو خطوة واحدة في الاشتباك الميداني مع الاحتلال أو مع الاستيطان.
• إذ من المعيب أن يصدر بيان عن وزير الخارجية وهو يحتفل بإضاءة شجرة الميلاد في وزارته، أمام السفراء العرب والأجانب، (والإشتباكات في شوارع رام الله والبرة وجوارها) ولا يجد ما يدين به الإحتلال وعربدته سوى أنه يريد أن يحرم السيد الوزير أن يتنعم بفرحة الأعياد (راجع بيان الوزير).
• ومن المعيب أن يصدر بيان يدعو إلى وقف «العنف بين الجانبين»، فيصف مقاومة الشعب بأنها «عنف»، يتساوى مع العنف الإجرامي لقوات الإحتلال. ومن المعيب القول بأن هذا «العنف» يسقط «ضحايا وعلى الجانبين» فيساوي بين شهداء الشعب وضحايا الإحتلال، وبين قتلى الإحتلال والمستوطنين.
• ومن المعيب أن يقال إن ما تشهده الضفة هو «تصعيد»، وأن يقال إن الدبلوماسية الفلسطينية تتحرك لأجل «وقف التصعيد». بحيث تشمل هذه العبارات توصيفاً ـــــ مؤسفاً ــــــ للمقاومة الشعبية للشعب الفلسطيني، وفي الوقت نفسه توصيفاً [ التوصيف نفسه] لعربدة قوات الإحتلال. وبالتالي يتساوى الطرفان.
• ومن المعيب، أيضاً، أن تصدر نداءات «عليا»، لوقف التصعيد (على الجانبين) بينما نائب رئيس فتح (أبو جهاد العالول) ومفوضية التنظيم في فتح، وفصائل العمل الوطني، كلها تصدر نداءات تدعو إلى تصعيد المقاومة الشعبية ومواصلتها والدفاع عن الكرامة الوطنية، وأن يتم تحديد أيام غضب لمواصلة مقاومة الإحتلال.
* * *
إلى مَ يقودنا هذا المشهد؟
• أولاً: أن هناك جوقة إعلامية باتت وظيفتها التمهيد للإجتماعات القيادية، والإيحاء بأنها سوف تصدر عنها المطلوب جماهيرياً من قرارات. بحيث تبقى الأنظار مشدودة نحو هذه الإجتماعات، التي لا يخرج عنها شيء مفيد. وأن هذه الجوقة، تغيب عن الشاشة ولا تجد لها أثراً، بعد أن تنكشف حقيقة الإجتماعات الفاشلة ونتائجها الفاسدة. الطريف (أو المحزن لا فرق) أن هذه الجوقة باتت لا تدرك أنها بذلك تعمق حالة اللايقين، وتعمق حالة فقدان الثقة لدى الرأي العام، بالدور القيادي للسلطة وللجنة التنفيذية.
• ثانياً: أننا أمام حالة من الفوضى السياسية (إذا جاز التعبير) سببه الإفتقار إلى إستراتيجية سياسية يتم التوافق عليها وطنياً، رغم قرارات المجلس المركزي والوطني التي دعت إلى إعادة تحديد العلاقة مع دولة الإحتلال.
يبدو الأمر واضحاً لدى القيادة الفلسطينية الرسمية، التي سارعت إلى التحرك لتطويق «الأحداث» في الضفة، ووراءها جوقة إعلامية حاولت أن تصور ما جرى أنه «فوضى» تحاول حماس أن تزرعها وتنشرها في أنحاء الضفة، تمهيداً للقيام بإنقلاب مماثل لإنقلابها في قطاع غزة. وهو تشويه لحقيقة ما يجري. فهو يعفي الإحتلال من مسؤولياته عن جرائمه التي ولدت ردود فعل مقاومة على الصعيد الشعبي، وهو تجاهل لحالة الإحتقان التي يعيشها الشارع الفلسطيني، فضلاً عن كون هذا تعبيراً عن حالة رعب من أن ينجح الشارع في مقاومته في قلب الطاولة خاصة وأن بيروقراطية السلطة في مراتبها العليا، لا زالت تراهن على بقايا أوسلو، مخرجاً لمأزقها السياسي. وهي باتت الآن، أمام مأزق مركب: مأزق تعنت الإحتلال، ورفضه التجاوب لإستئناف المفاوضات تلبية لأكثر من نداء للرئيس عباس. ومأزق حالة الغليان في الشارع التي تبشر بما هو أكبر ، ما يخلط الأوراق، بما فيها أوراق الرهان على بقايا أوسلو.
أما الفصائل الفلسطينية فإنها تدعو لفعاليات شعبية، في أيام محددة، لكن الثغرة هنا، أن هذه الفصائل لا تلتقي عند رؤية سياسية تشكل الحد الأدنى المتوافق عليه. فبعضها يتبنى مقولة بيروقراطية وقيادة السلطة، حول «مؤامرة حماس» في الضفة، وبعضها الآخر يضع قدماً هنا (ويوافق ضمناً على مقولة مؤامرة حماس) ويضع قدماً هناك في مجاراة لمشاعر الشارع. أما الطرف الثالث فلم يبلور حتى الأن، صيغة بديلة، على الصعيد الوطني، تقدم نفسها مستفيداً من «اللحظة التاريخية».
في كل الأحوال. لم يفت الأوان. ومازال كل تيار يحاول أن يشد الأمور نحو إستراتيجيته، بينما الشارع يبذل جهوداً بطولية في الإتجاه الصحيح.