صمود شعبي أمام مخططات الاقتلاع والسيطرة على الأرض
2018-12-31
كان كل ما يسعى إليه المقدسي "فخري أبو ذياب" هو إيجاد حل لمشكلة السكن له ولعائلته، فالبيت الذي ولد وكبر فيه لم يعد يتسع له ولعائلته الجديدة بعد أن تزوج، فكان أن أتخذ الخطوة بهدم جزء منه وإعادة بناءه مع توسعة جديدة، دون أن يدري أنها حجة ستستغلها سلطات الاحتلال الصهيوني لملاحقته لهدم بيته وتشريده منه.
منزل "أبو ذياب" يقع في حي البستان في بلدة سلوان الواقعة إلى الجنوب من المسجد الأقصى المبارك، والتي يهدد الاحتلال بهدم ا أكثر 5850 عقار فيها، في أطار خطة صهيونية متكاملة للسيطرة على البلدة، وتحويلها إلى مدينة " داوود التوراتية".
يقول "أبو ذياب" إن بلدية الاحتلال رفضت أن تمنحه ترخيص للإضافة الجديدة لمنزله بعد زواجه في العام 1991، فقام بهدم جزء من المنزل وبناء إضافة جديدة، وبعد سنوات قليلة فقط لاحقته بلدية الاحتلال بأوامر الهدم.
منزل "أبو ذياب" الذي تهدد البلدية بهدمه عمره أكبر من عمر الاحتلال فقد بني في الأربعينيات من هذا القرن، ولم تكن أساساته تتحمل مزيدا من البناء وهو ما جعله يقوم بهدم جزء منه وإعادة بناءه وهو ما اعتبرته البلدية بناءً جديدا بلا " ترخيص".
وحجة عدم الترخيص، أو البناء الإضافي من الأساليب التي تستخدمها بلدية الاحتلال للسيطرة على الأراضي والعقارات في سلوان، إلى جانب سيطرتها على مئات العقارات تحت إطار ما يسمى بأموال الغائبين، حيث نقلت جميع أموال المقدسيين الذين خرجوا من فلسطين قبل قيام إسرائيل واحتلالها فلسطين التاريخية في العام 1948، وتقوم بتسريبها للمستوطنين بدعوى بيعها.
إلى جانب ذلك يواجه المقدسيون في البلدة محاولات الأقصاء والتهجير القسري من خلال التضييق عليهم بعدم السماح لهم بالبناء، كما يقول أبو ذياب وهو عضو لجنة الدفاع عن عقارات سلوان.
وبدأت قصة السعي للسيطرة على البلدة التي تعرف بالواجهة الجنوبية للمسجد الأقصى المبارك منذ احتلال الشق الشرقي من المدينة في العام 1967 والسيطرة على ما تبقى من القدس، بما فيها المسجد الأقصى والبلدة القديمة فيها، فكانت سلوان من أهم أوائل المناطق الذي بدأ فيها الاستيطان.
فبعد احتلال البلدة في العام 1967 خضعت البلدة لتقسيمات إدارية جديدة من قبل سلطات الاحتلال وقسمت لتسعة أحياء وهي وادي قدوم وراس العامود وعين اللوزة والثوري والشياح ووسط البلد وحارة التنك وبير أيوب وحارة اليمن والبستان ووادي حلوة ووادي ياصول، لأحكام السيطرة عليها.
ونشطت في البلدة أشرس الجمعيات الاستيطانية التي سعت للسيطرة على منازلها، وهي جمعية إلعاد الاستيطانية والتي تعتبر من أغنى الجمعيات وأكثرها نفوذا، والتي سيطرت بالمال والنفوذ والتسهيلات من سلطات الاحتلال على عشرات المنازل في البلدة.
ولكن لماذا سلوان.؟
يجيب أبو ذياب بالحديث عن أهمية المدينة في الماضي، والحاضر أيضا، فهي الحاضنة الجنوبية، والجنوبية الشرقية الملاصقة للمسجد الأقصى المبارك، وأساس مدينة القدس، وتضم عشرات المواقع الأثرية التي تعود للحقب الزمنية المختلفة من البيزنطي والروماني وصولا إلى الفترة الإسلامية حيث منطقة القصور الأموية وحي البستان التي تحتوي على العديد من الأثار تحت الأرض والتي تدل على الهوية الأصلية لأصحاب هذه الأرض، وكل الحضارات التي سكنتها في السابق.
وتحتوي البلدة على عشرات الينابيع التي جعلتها حتى وقت قريب من أخصب الأراضي الزراعية في المدينة، وكانت تغذي معظم الأحياء المقدسية في السابق، وهو ما جعلها مطمع للمستوطنين من جهة، وسلطات الاحتلال من جهة أخرى لتكون المفتاح للسيطرة على المدينة المقدسة بالكامل.
يتحدث أبو ذياب عن مخططات احتلالية تستهدف السيطرة الكاملة على البلدة، وتحويلها إلى مدينة داوود التوراتية المنشودة، بمختلف الوسائل ولعل أهمها قرارات الهدم، ففي إحصاء للجنة الدفاع عن العقارات تبين أن هناك 5850 قرار هدم أداري وعسكري لعقارات البلدة.
وبحسب إحصاءات فلسطينية فإن بلدية الاحتلال لم تمنح أي من المقدسيين في الأحياء التسعة تراخيص لبناء جديد أو إضافة على البناء القائم، منذ العام 2005 وحتى الأن، في حين قبلت 97 % من تراخيص البناء للمستوطنين.
إلى جانب ذلك كان مصادرة مئات الدونمات وخاصة في أحياء وادي الربابة ووادي حلوة لإقامة حدائق توراتية، أو لصالح البلدية لتحويلها لبساتين خضراء، ومسارات وحدائق تلمودية، أنجرت حتى الآن سته بشكل كامل، ولا يزال العمل جاري على تنفيذ ثمانية حدائق أخرى.
وأقامت سلطة الأثار في البلدة ثلاثة متاحف توراتية في منطقة العين الفوقا ومنطقة وادي حلوة والمناطق المحاذية للمسجد الأقصى المبارك.
وحاليا يوجد في سلوان 73 بؤرة استيطانية (مستوطنات أو عقارات تم السيطرة عليها) يسكنها 2417 مستوطن من غلاة المتطرفين، ومنهم شخصيات متنفذه في حكومة الاحتلال اليمينية، إلى جانب حفر أكثر من 26 نفقا تحت الأرض.
مؤخرا تقوم سلطات الاحتلال بتنفيذ مشروع القطار الهوائي والذي سيمر من البدة، وسيسلب الكثير من الأراضي وسيمنع المقدسيين في البلدة من البناء فوق أسطح منازلهم.
كل ذلك يأتي في إطار تغيير معالم البلدة الإسلامية المقدسية وفرض أمر التهويد بشكل واقع على الأرض، ولا يقابله في ظل عجر المستوى الرسمي الفلسطيني إلا الصمود الشعبي للمقدسيين على ارضهم وفي منازلهم.