دعوة لتعميق الأزمة وخلط الأولويات -معتصم حمادة
2019-01-31
بسياساتها اليومية، لا تتوقف السلطة الفلسطينية عن التأكيد على مدى الأزمة الخانقة التي تعيشها، وإن كانت تحاول، بين وقت وآخر، التمويه على هذه الأزمة بمناورات ضحلة، باتت مكشوفة لمعظم المراقبين، إن لم يكن جميعهم.
ولعل لعبة «الحكومة الفصائلية»، كما باتت تسمى، تشكل واحدة من هذه المناورات التي خرجت من جعبة الحاوي السياسي، كما يخرج الأرنب المسكين من قبعته. وما جعلنا نتساءل: ترى من هو المعني والممسك بالقرار الوطني، وبمصير المؤسسات الوطنية، إن في السلطة أو في م.ت.ف. فالإجتماعات الأخيرة، للجنة التنفيذية في المنظمة، كما وصلنا بعض أخبارها، من هنا وهناك، لم تناقش أبداً مسألة التغيير الحكومي، لا من أجل حكومة فصائلية، (وظيفتها كما أوضح بعض المتحدثين استكمال الإنفكاك مع حركة حماس) ولا حكومة تكنوقراط. بل ناقشت من موقعها، المفترض أنها القيادة اليومية للشعب الفلسطيني، الأوضاع العامة، بما في ذلك الهجمة الإستيطانية، والتصعيد الإسرائيلي، ومخاطر التهويد المتلاحق في القدس، وقررت أن تستكمل اجتماعاتها (التشاورية وبغياب رئيسها) لوضع ما يمكن أن يسمى «خطة المواجهة».
لنكتشف، وتكتشف معنا اللجنة التنفيذية أنها في وادِ، وأن مركز القرار السياسي الأعلى في وادِ آخر، وأنها ليست هي القيادة اليومية للشعب الفلسطيني كما أوهموها، وأوهموا أعضاءها، ولما قرر المجلس الوطني، الذي إنتخبها لتقوم بهذا الدور. حتى بتنا نشقق على أعضاء اللجنة التنفيذية، كما تتعرض له الهيئة جماعة، ويتعرض له أعضاؤها، فرادى، من تهمكم وإنتقادات على منصات التواصل الإجتماعي. مدركين في قرار أنفسنا، أن الوضع الحالي للجنة التنفيذية هو عنوان من مجموع عناوين، تشكل في مجموعها، جوهر الأزمة السياسية للحالة الوطنية.
* * *
ما هي الحاجة الملحة لحكومة جديدة، فصائلية، في هذا الوقت بالذات؟.
المجلس المركزي، والمجلس الوطني إتخذا قرارات سياسية شديدة الأهمية تعيد صياغة الإستراتيجية السياسية للحالة الوطنية، ورسمها جسراً للعبور من إتفاق أوسلو نحو العودة إلى البرنامج الوطني، وجسراً للعبور من سلطة فلسطينية بلا سلطة، نحو إستعادة المكانة المفترض أن تحتلها الحالة الفلسطينية: حركة تحرر لشعب تحت الإحتلال، لا يملك سوى المقاومة في الميدان، وفي المحافل الدولية: لإستعادة حريته وإستقلاله وحق أبنائه اللاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها منذ العام 1948.
ولعبوا لعبة الإحالات، من لجنة دراسة إلى لجنة أخرى، ومن دورة مجلس مركزي إلى دورة أخرى، جرى تكديس القرارات في أبعد درج في أحد الأقبية، في حالة نفي للإستراتيجية البديلة لمشروع أوسلو. وإستحضرت بدلاً منها لعبة حل المجلس التشريعي، بناء على فتوى، مشكوك ومطعون في صحتها القانونية وجدواها السياسية، من قبل محكمة دستورية هي موضع خلاف وطني عميق.
ومن الطبيعي أن تثور زوبعة سياسية رداُ على القرار (وكأنه أريد لهذه الزوبعة أن تثور لتغطي على استبعاد قرارات المجلس المركزي والوطني.) وبدأت معركة الإحتراب الإعلامي، والتشكيك، والتشكيك المتبادل بشرعية هذا، وشرعية ذاك، وصولاً إلى مهاترات ألحقت بسمعة الشعب الفلسطيني، وسمعة قضيته ومشهدها أمام الرأي العام، أضراراً جسيمة. إلى أن تدخل الإتحاد الأوروبي ببيانه الشهير، حول إنكشاف الغطاء السياسي عن حالة القيادة الراهنة، والمؤسسات الوطنية، وضرورة العودة إلى صندوق الإقتراع. وبدلاً من أن تكون النصيحة الأوروبية مدخلاً للبحث عن توافقات، ولو جزئية، تمهد لما هو أهم لليوم التالي، حاول البعض الزج بالحالة الوطنية الفلسطينية بدوامة جديدة، في طرح سؤال، حاول أن يتذاكى على الرأي العام: هل ننتخب مجلساً تشريعياً، نبقى من خلاله تحت سقف أوسلو، أم نذهب لننتخب مجلساً تأسيسياً (لا تكون حماس في عداده) من أجل الإنتقال من السلطة إلى الدولة؟ هذا السؤال بسذاجته المفضوحة، وهزالة المناورة التي تقف خلفه، أثار سخرية الرأي العام. وأعادنا إلى ما كان يقوله للسلطة الفلسطينية شارون «نحن نرسم لكم حجم وظيفة السلطة ولكم أن تسموها ما تشاؤون، حتى ولو كانت إمبراطورية. المهم أن تلتزم بشروطنا». وبالتالي الذين أسعفتهم لعبة شارون، وحاولوا أن يلعبوها مع شعبهم، سرعان ما تكشفت ضحالة تفكيرهم، إذ سرعان ما طويت لعبة الإنتقال من السلطة إلى الدولة، مع الإعلان عن حكومة فصائلية «هدفها فك الإرتباط مع حماس من خلال حل حكومة الوفاق الوطني».
* * *
من الطبيعي أن تتفاوت الأراء بشأن الحكومة الفصائلية، بتفاوت الموقع السياسي لكل من الأطراف المدعوة للمشاركة؛ خاصة وأن الدعوة أعلنت دون مشاورات وحوارات مسبقة مع أحد، ما جعل كل طرف يدلي برأيه وموقفه. ولعل عمق المأزق، والأزمة السياسية لدى أصحاب الدعوة، هو ما جعل بعضهم يحول الحوار إلى إحتراب وتهديد بأنه «لن يجري خلف الفصائل لتشارك في الحكومة»، علماً أنه يدرك أن هذه الفصائل (ومنها الجبهة الديمقراطية) ليست مستميتة لتشارك في حكومة، ترى الجبهة أن تشكيلها الآن وبهذه الصيغة، لا يخدم الموضوع الوطني.
لقد استمعنا خلف الجدران إلى كلام، حاول أن يقدم لنا جديداً، إعتقدنا أن من شأنه أن يحدث ثغره في جدار الصد السميك لدى السلطة لتتحاوز بعض ملامح الأزمة تدريجياً وصولاً لإستعادة الوفاق الوطني حول قرارات المجلسين المركزي والوطني، لنكتشف أن الأزمة لدى مركز القرار أعمق مما هو بارز للعيان. من هنا قنبلة الحكومة الفصائلية.
المرحلة الحالية، بتعقيداتها، تتطلب، ليس حكومة فصائلية تواصل خوض حرب الإنقسام والتفتيت الداخلي.
المرحلة الحالية تتطلب حكومة إنتقالية، تتشكل من الكل الفلسطيني، تتولى سحب التوترات وإنهائها، والتحضير لإنتخابات شاملة للرئاسة، وللمجلسين التشريعي (في السلطة) والوطني (في م.ت.ف) بنظام التمثيل النسبي الكامل.
ما يفترض دعوة هيئة تفعيل م.ت.ف للإجتماع (اللجنة التنفيذية والأمناء العامون، ورئيس المجلس الوطني، وشخصيات وطنية مستقلة) هناك يدار الحوار الوطني الشامل، وتوضع القضايا على الطاولة، وتولد التوافقات، ويعاد بناء الإئتلاف الوطني، على قاعدة من الشراكة الوطنية، ويعاد تصويب وتصحيح العلاقات الداخلية.
هذا هو الحل الوطني.
كفى مناورات.