بازار القوائم الوزارية -هاني المصري
2019-02-05
شاهدت، حتى الآن، العديد من القوائم المختلفة لتشكيل الحكومة القادمة، التي يزعم مروّجوها أن كل واحدة منها، هي التشكيلة للحكومة الفصائلية القادمة. وفي كل تشكيلة يوجد رئيس وزراء، والعديد من الوزراء غير الموجودين في القوائم الأخرى.
الغريب العجيب أن هناك من يصدق صحة هذه القائمة أو تلك، لأنها أتت على هواه، ويساهم في الترويج لها، مع أن أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح واللجنة المكلفة بالتشاور أعلنوا عدم صحة الأسماء، وأن التشاور لم يستكمل حتى الآن، وأن الشروع في تشكيل الحكومة يبدأ فقط بعد تكليف شخص برئاستها، ومعرفة طبيعتها وشكلها، ومن سيوافق على المشاركة فيها ومن يرفض ذلك، خصوصًا بعد أن أعلنت الجبهتان الشعبية والديمقراطية عن رفضهما المشاركة فيها، وإعلان حزب الشعب والمبادرة الوطنية وحزب فدا أن الأمر لا يزال قيد الدراسة.
لم يكلف الرئيس محمود عباس أحد حتى الآن لتشكيل الحكومة، ويبدو أنه لم يحسم أمره بعد، وتردد الرئيس إذا استمر قد يؤخر تشكيل الحكومة أسابيع وربما أشهرًا، في حين يعتبر البعض الآخر أن تسريبات القوائم وكثرتها تعبير عن "حيوية" الفلسطينيين وانغماسهم في السياسة من رؤوسهم وحتى أخمص أقدامهم.
أي قراءة ولو سريعة للقوائم تلاحظ أنها تصدر من المتنافسين أو الخصوم، حيث يبرز فيها ثلاثة أمور: الأول، أن هناك من يستهدف تسويق بعض الأسماء وتلميعها حتى يزيد فرصها أو يجعلها مطروحة في بازار التزوير. والثاني، أن هناك من يستهدف من توزيع القوائم محاولات حرق أسماء من خلال وضعها في وزارات لا تناسبها بالمرة. والثالث، للسخرية من العملية برمتها كما ظهر في قائمة أعادت تسمية الوزراء الحالين بأسماء مناطقهم وتغيير حقائبهم الوزارية في تعبير مجازي أن لا شيء سيتغير ولو تغيرت الوجوه.
المحزن أن الاهتمام والحوار يتمحور حول رئيس الحكومة والوزراء، ولا يتطرق تقريبًا على الإطلاق إلى برنامجها، وماذا ستفعل بخصوص صمود المواطن الفلسطيني وبقائه على أرض وطنه، وبالنسبة إلى الصحة والتعليم والزراعة والصناعة والبطالة والفقر والتكنولوجيا وعجز الموازنة المتزايد والضمان الاجتماعي، وماذا ستفعل إزاء التزامات أوسلو وقرارات المجلسين المركزي والوطني بخصوصها، وتسريب الأراضي للمستوطنين، خصوصًا في القدس، واستباحة الاحتلال لمناطق السلطة حتى المصنفة (أ)؟
كما لم يتناول الاهتمام كيف ستقوم الحكومة بقسطها في الحفاظ على القضية والأرض والشعب وما تبقى من مكتسبات، وكيف ستقوم بدورها في مواجهة الخطر الأكبر المتمثل بالضم الاستعماري الاستيطاني الزاحف، واستكمال تهويد القدس وأسرلتها، وكيف ستكون سلطة مجاورة للمقاومة والمقاطعة، بدلًا من وضعها الحالي وكيلة للاحتلال وملتزمة بالتنسيق الأمني، وكيف ستعمل لإنهاء الانقسام والحصار المفروض على قطاع غزة، وإحباط "خطة ترامب" الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية، بما في ذلك الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، والترويج للسلام الاقتصادي بديلًا من الاستجابة للحقوق الوطنية السياسية الفلسطينية؟
لا يمكن أن يتحقق كل ما تقدم من دون حشد كل الجهود والطاقات الفلسطينية، ومن دون إنجاز وحدة حقيقية على أساس الشراكة الكاملة.
من الملاحظ وجود تباين داخل قيادة حركة فتح حول من سيترأس الحكومة الجديدة، لا سيما في ظل وجود عدد من المرشحين منها، وحول طبيعة وشكل الحكومة: بين من يطالب بتكليف أحد أعضاء اللجنة المركزية لتشكيل الحكومة القادمة؛ وبين من لا يرى ضرورة في ذلك؛ وبين من يطالب بأن تكون الحكومة القادمة حكومة المنظمة، وأن يرأسها أمين سر اللجنة التنفيذية أو أحد أعضائها، ويتم تسويق ذلك بأنه يأتي في سياق تحول السلطة إلى دولة، بما يتضمن جعل المجلس المركزي للمنظمة بديلًا من المجلس التشريعي، ومن أجل تطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي؛ وبين من يدعو إلى إبقاء المنظمة بعيدًا عن الحكومة، وإلى تشكيل حكومة وإجراء انتخابات وفق التزامات أوسلو، كما جرى في السابق، خشية من غضب الاحتلال.
كما يدور نقاش عن حق حركة فتح في تشكيل الحكومة، ويتم تبرير ذلك بأن اللجنة المركزية للحركة أوسع تمثيلًا من حكومة يشكلها الرئيس من خارج "فتح"، وخصوصًا أن الحكومات السابقة بعد الانقسام كانت من التكنوقراط مطعمة ببعض الوزراء الفتحاويين، أو حكومة وفاق وطني مثل حكومة الحمد الله بعد "إعلان الشاطئ". أما في الحقيقة فإن الهدف الأساسي من تشكيل حكومة فتحاوية ضفاوية (فصائلية) فك الارتباط مع "حماس" والشروع في التعامل مع قطاع غزة إقليمًا متمردًا، وكأن السلطة تملك من زمام الأمور شيئًا في الضفة وأن بمقدورها عبر هذا الطريق استعادة القطاع.
لا تزال هوية رئيس الحكومة وتشكيلتها غامضة، لأن الذي يملك القرار هو الرئيس، وهو يلعب بأوراقه، وهي قريبة من صدره، ولا يعرف حتى المقربين منه ماذا يدور في خلده وماذا سيقرر. وهو بالتأكيد قبل تشكيل الحكومة يريد أن يتأكد من ردود الأفعال الإسرائيلية والعربية والإقليمية والدولية، وهل ستقبل إسرائيل بتعديل اتفاقية باريس الاقتصادية، والالتزام باحترام هيبة السلطة في منطقتي (أ) و(ب) على الأقل؟
في هذا السياق، نرى أن كل السيناريوهات مفتوحة. فالرئيس يفضّل أن تكون يده حرة، وهذا يتحقق أكثر من خلال رئيس حكومة من شخصية مستقلة مقربة منه وتلتزم كليًا بسياسته من دون أن يكون لها قاعدة سياسية أو اقتصادية تعطيها هامشًا من الحركة. ويأخذ بالحسبان أن رئيس الحكومة القادم يجب ألا يكون له طموح بخلافة الرئيس، لأنه يمكن أن يلعب دورًا في فتح الطريق له أو لغيره لحسم معركة الخلافة.
هناك سيناريوهات عدة بدءًا من سيناريو بقاء حكومة تسيير الأعمال لفترة طويلة قد تمتد لأسابيع أو أشهر، وربما أكثر، مثلما حدث مع إحدى حكومات سلام فياض إذ بقيت مسيّرة للأعمال 22 شهرًا، ومرورًا بإعادة تكليف الحمد الله بتشكيل الحكومة أو تكليف شخصية مقربة من الرئيس أو شخصية فتحاوية، وأخيرًا أن يترأس الرئيس الحكومة، وهذا مستبعد إلا إذا اختار نائبًا لرئاسة الحكومة يحيل إليه المتابعات اليومية مثلما يقود صائب عريقات اللجنة التنفيذية التي لا يحضر الرئيس معظم اجتماعاتها، ما حولها إلى هيئة استشارية.
يبقى هناك سيناريو أخير، لكن احتماليته ضعيفة حتى الآن، يستند إلى دعوة موسكو للفصائل للحوار خلال الأيام القادمة (ما لم يتم تأجيل الموعد)، يظهر بإمكانية حدوث تقدم في هذا الحوار يفتح الطريق لإمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية، أو حكومة وفاق وطني جديدة.
الأمر المهم والحاسم الذي لا يتم الالتفات إليه، هو ضرورة الوقوف في وجه محاولات الاحتلال لاستكمال عملية القضاء على ما تبقى من دور سياسي للسلطة وتحويلها إلى سلطة وظيفية بالكامل من دون عملية سياسية، بحيث تقبل أو تتعاطى مع الأمر الواقع الذي يخلقه الاحتلال بدعم كامل من إدارة ترامب، ومن دون أن يكون الهدف المحرك لها إنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة وتحقيق السيادة والاستقلال الوطني.
تأسيسًا على ذلك، أقترح مجددًا انسجامًا مع طبيعة المرحلة كمرحلة تحرر وطني، ومع فشل محاولات تجسيد الدولة اعتمادًا على ما يسمى المفاوضات وعملية السلام والرهان على العمل الديبلوماسي والولايات المتحدة الأميركية؛ تغيير المسار المعتمد بشكل جوهري، وليس الاكتفاء بالتهديد اللفظي بتغييره، بما يشمل تغيير شكل السلطة وطبيعتها ووظائفها والتزاماتها وموازنتها، وخصوصًا بند الأمن المتضخم جدًا، لتكون سلطة إدارية خدمية، وأداة في يد المنظمة التي يجب إعادة بناء مؤسساتها لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي، ولخدمة برنامج القواسم المشتركة الوطني، ونقل المهمات السياسية مثل الخارجية والسفارات إلى المنظمة، إضافة إلى تخلي "حماس" عن سيطرتها على قطاع غزة، وتخلي "فتح" والرئيس عن الهيمنة على النظام السياسي.