:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/18043

قمة وارسو لن تنتج حلفا قويا ضد ايران-هآرتس

2019-02-18

القمة التي ستعقد اليوم في وارسو بمشاركة زعماء من الولايات المتحدة واوروبا واسرائيل والدول العربية، تستهدف اقامة تحالف دولي يضغط على ايران وفرض على دول رافضة للانضمام الى العقوبات التي فرضها ترامب في تشرين الثاني. مع ذلك، في هذه الاثناء هذه القمة تشبه اكثر حفل الكثير من المدعوين اليه يصلون اليه مع قناع ضد الرائحة الكريهة.
نجم المؤتمر كان يجب أن تكون ايران. ولكن الاختلافات في الرأي بين عدد من الدول الاوروبية وبين واشنطن حول العقوبات أدت بعدد منها – مثل المانيا وفرنسا، الى ارسال ممثلين بمستوى منخفض. وزير الخارجية البريطاني اعلن بأنه سيمكث وقت قصير فقط، في حين أن تركيا، العضوة الهامة في الناتو وحليفة ايران، لن ترسل مندوبا عنها واعلنت بأن سفارتها في وارسو ستتابع القمة. في المقابل، السعودية والكويت ودولة الامارات والبحرين والاردن وعُمان واسرائيل ارسلت رؤساء الدول أو وزراء الخارجية، أما مصر فيمثلها نائب وزير الخارجية.
كل دولة من هذه الدول لها مصالحها الخاصة، ومشاركتها لا تبرهن على الموافقة أو استعدادها للقيام بعملية مشتركة ضد ايران. بالنسبة لبولندا المضيفة، فان اهمية القمة هي في الرسالة التي تأمل في نقلها الى روسيا (التي تعتبرها تهديدا استراتيجيا). وحسب هذه الرسالة فان الشراكة بينها وبين الولايات المتحدة هي دائمة. وهي ايضا تطمح الى أن تنشيء الولايات المتحدة قاعدة عسكرية ثالثة على اراضيها اضافة الى الصواريخ البالستية المنصوبة في اراضيها. العقوبات ضد ايران التي تدعمها، لا تعنيها بشكل خاص. السعودية واسرائيل وامريكا تسعى الى اقامة آلية للتعاون الدولي هدفها وصلاحيتها ضبابية. اذا كانت النية هي اجبار ايران على اجراء مفاوضات بشأن اتفاق نووي جديد ووقف مشروع الصواريخ البالستية، فان تفسير ذلك هو أن هذه الدول تعتبر ايران محاور شرعي يمكن الاعتماد عليه في تنفيذ اتفاقات مستقبلية.
اذا كانوا يعتبرون ايران هكذا، يمكن التساؤل لماذا انسحب ترامب من الاتفاق بدل أن يدفع قدما بمفاوضات اخرى مع ايران. اذا كان الهدف هو اقامة تحالف واسع يؤيد العقوبات، والذي سيجبر ايران على الخضوع لطلبات الولايات المتحدة بدونتفاوض، فان هذا المؤتمر لا يمكن أن يفيد في هذا الشأن لأنه بدون روسيا والصين والعراق فان الثقوب في العقوبات يمكن أن تكون اوسع من أن ينجحوا في لي ذراع ايران.
ايران التي تعارض بشدة تغيير الاتفاق النووي وتعارض أي تدخل في مشروع الصواريخ البالستية، اوضحت في السابق أنها لا تنوي اجراء مفاوضات حول هذين الموضوعين. حسب تقديرها، أي مفاوضات مع الولايات المتحدة ستفشل لأن واشنطن اثبتت بأنها شريكة غير موثوقة في الاتفاقات. معظم دول الاتحاد الاوروبي وعلى رأسها المانيا وبريطانيا وفرنسا، العرابين الاوروبيين للاتفاق، تعتقد أنه يجب ابقاء الاتفاق على حاله، وأن يتم رفع العقوبات عن ايران حسب ما كتب في الاتفاق، واجراء مفاوضات بشأن تعديل الاتفاق وبشأن المشروع النووي الايراني.
هذه الدول الثلاثة تحاول الآن تجاوز نظام العقوبات الجديد بواسطة “وسائل دعم التجارة” (ان ستيكس) التي تمكن من التجارة مع ايران بواسطة شركة تمويل مشتركة لا تستخدم الدولار كعملة للتجارة. هذا الاختراع لا يمكن أن يستبدل اتفاقات التجارة الكبيرة التي وقعت عليها ايران مع شركات اوروبية وشركات اخرى بعد الاتفاق النووي، وهو لن يساعدها في التغلب على الازمة الاقتصادية، لكن ربما سيشجعها على التمسك بالاتفاق النووي وعدم العودة الى برامج التطوير. في نفس الوقت، الالتفاف الاوروبي يوضح الفجوة العميقة بين دول الاتحاد وواشنطن، وهي فجوة كل ملذات الضيافة البولندية لن تتمكن من التغلب عليها. وبدون أن تقصد ذلك، تبني سياسة ترامب كتلة اوروبية وروسية وتخلق اتحاد دولي بديلا عن الامم المتحدة. هذان المنتوجان يمكن أن يخدما ايران.
الرياض والقدس هما الشريكتان، المفهومتان ضمنا، في كل السياسات ضد ايران، لكن هذا لا يعني أن السعودية وزميلاتها في فرقة دول الخليج ستكون مستعدة لعناق اسرائيل، بالاساس في اعقاب سياستها ازاء النزاع مع الفلسطينيين. هذه القمة كان يمكن أن تدفع قدما التعاون بين اسرائيل والدول العربية لو أن الولايات المتحدة واسرائيل وافقتا على أن تتضمن النقاشات ايضا النزاع، لكن في حينه كان سيكون مشكوك فيه أن نتنياهو مستعد للوصول الى هذه القمة. بالضبط مثلما أن محمود عباس لن يصل بسبب المقاطعة التي يفرضها على الادارة الامريكية.
بالنسبة لنتنياهو هذه فرصة لالتقاط الصور مع الزعماء العرب الذين ليست لهم علاقات رسمية مع اسرائيل، صور بالتأكيد ستزين اللافتات الكبيرة لليكود. يمكن الآن التقدير بأن رزمة الهدايا التي سيعود بها من وارسو ستتضمن بالاساس كلمات عالية وتصريحات فارغة، بدون انجاز حقيقي في موضوع التهديد الايراني.
مع ذلك، لقاء عربي اسرائيلي كهذا للمرة الاولى منذ القمة الدولية التي رافقت اتفاقات اوسلو في التسعينيات، هي تجديد ايجابي. حتى لو لم تثمر عن نتائج سياسية ملموسة مثل اقامة علاقات دبلوماسية أو اتفاقات تجارية، ربما تدفع قدما تفاهمات من خلف الكواليس وتخفف من الرفض العربي الرسمي الجارف للاتصالات مع اسرائيل وتعزز أسس الاتفاقات الرسمية الموجودة بين القدس ومصر والاردن. التناقض الذي هو بالتحديد بفضل ايران أو بسببها، أنشأ بنية سياسية جديدة، التي كما يبدو لم تكن ستنشأ لولا المصالح الاستراتيجية المشتركة لهذه الدول المتعادية.