:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/1863

مركب الموت: قصة معاناة لا تنتهي عند الموت

2013-10-29

كتبت الحقوقية لمى نزيه نعيرات- يوم السبت الموافق 19/10/2013 وصلت إلى منطقة صقلية للقاء الناجين من مركب الموت الذي أقل اللاجئين الفلسطينين والسوريين الباحثيين عن الحرية وغرق في عرض البحر المتوسط. واسرد هنا بعضا قليلا من هموم هذه الرحلة والمعلومات التي جمعتها.
في ليلة 13/10/2013 احتفل العرب والمسلمين بعيد الأضحى، بينما قدم الفلسطينيون أرواحهم قربانا للبحر.
قصة المخيم والموت لا تنتهي... مخيم اليرموك "مخيم فلسطين" المخيم الذي قدم العديد من الشهداء عاش لاجئا ومات لاجئا.
ذهبوا للبحث عن الحرية رفضوا الذل والقهر.. ضحوا من أجل فلسطين.. خرجوا من معاناة الذل والقهر بحثا عن وطن آخر، لان بلاد العرب لم تعد أوطانهم..
420 مهاجر.. أغلبهم لاجئون فلسطينيون خرجوا من مخيم اليرموك ودومة ودرعا خرجوا في رحلتهم للبحث عن مكان يأويهم، مرورا بمصر وصولا إلى ليبيا.
من ميناء زوارة الليبي بدأت المغامرة.. صعدوا على متن قارب يستوعب 150 شخص فقط، تفاجئوا بعدد الاشخاص الكبير الموجود داخل القارب بسبب طمع المهربين بمزيد من المال. كانوا متراصيين فوق بعضهم بدون حراك لصغر القارب.. مشوا في طريقهم.. قارب مليء بالأطفال والنساء والشباب الطموح ورجال من مختلف الأطياف عمال ودكاترة وأساتذة.. بعد مرور ساعتين على الرحلة.. اقترب منهم قارب صغير مليئ بالمسلحين طلب منهم العودة إلى طرابلس باللغة الأمازيغية.. فبدأ قارب المهاجرين بالهتاف لهم "إرفع راسك فوق انت ليبي حر" كرسالة أمان وأنهم مجرد مدنيين مسالمين... لكن المسلحين عادوا وطلبوا منهم العودة بعدها اختفى قارب المسلحين ليعود بعد مرور نصف ساعة وبدأ بالدوران حول المركب لينتج أمواجا ثم رفعوا أسلحتهم وبدأوا بإطلاق النار ووضعوا حبال على محركات المركب غادروا، تصاوب العديد من الأشخاص في طلقات النار وعجز المركب عن الحراك لساعات، بينما حان ولادة إمرأة حامل بتوأم انجبت أطفالها التوأم على متن القارب لكنهم فارقوا الحياة كملائكة.
الساعة الثانية فجرا.. أرسل الكابتن نداء للصليب الأحمر وخفر السواحل الإيطالية للنجدة، وعند الساعة الخامسة بدأ القارب يمتلىء بالماء ويميل بقوة يمينا ويسارا، وفي مرحلة معينة عندما مال القارب كثيرا الى اليمين سارع الركاب إلى جهة اليسار لعمل التوازن لكن القارب بدأ بالغرق وانقلب رأسا على عقب ثم عموديا إلى قعر البحر... دقائق وبدأت الجثث تطفو في البحر.. جثث أطفال ونساء... قصص اندثرت في قعر البحر المتوسط، تاريخ شعب لاجئ ولد لاجئ ومات في رحلة لجوء أخرى بحثا عن أمل عن وطن عن حرية.
قوارب الإنقاذ لم تصل إلا بعد مرور 4 ساعات من غرق المركب في البحر. وذلك بسبب التداول ما بين الحكومة الإيطالية والمالطية لتحديد موقع السفينة وعلى أية مياه موجودة وبمسؤولية من، متناسيين ان هناك أرواح اناس تتعلق بقشة امل للنجاة، وانها حالة طوارئ لا تحتمل التداول والتأجيل. وصل خفر السواحل المالطي قبل خفر السواحل الإيطالي. بدأوا في عملية الإنقاذ وبعدها وضعوا الناجيين في مركز للمهاجرين "ملعب رياضي" في ظروف قاسية لا تحتمل للعيش ولا النوم بها لمدة يومين، ولكن الناجيين تمكنوا من الهرب منه لرفضهم وضع بصماتهم على البينات التي احضرتها السلطات خوفا من السجن.
التقيت بالعديد من الناجيين. يروون قصصهم بحرقة والم، ويبحثون عن بصيص امل لغد يومه آفضل.
هاشم 22 سنة من دومة، ابن لأم لاجئة فلسطينية مصور فوتوغرافي هاوي، صعد إلى المركب مع خاله وإبن خاله وإثنين من أصدقائه، هربا من الحرب والقتل والدمار.. صعد على متن القارب ليذهب إلى السويد حيث فرص اللجوء السياسي كبيرة والإمتيازات متاحة، أراد ان يكمل دراسة التصوير الفوتوغرافي ويمتهنه ويرسل لأهله لم شمل، تم إنقاذه من قبل القوارب المالطية. حاول انقاذ أمرأة من قعر البحر متمسكة بإبنها الفاقد للحياة مقتنعة انه ما زال على قيد الحياة، لكن نجت هي وغرق ابنها. خال واصدقاء هاشم ما زالوا من المفقودين.
المحصلة النهائية وفق معطيات دائرة المهاجرين الإيطالية حتى اللحظة للناجين من مركب الموت 149 شخصا في مالطا، 66 شخص في صقلية – إيطاليا و 6 أطفال في أغريجنتو – إيطاليا دون ذويهم، وعدد الضحايا الذين تم التعرف على جثثهم 5 ضحايا في مالطا, 29 في إيطاليا وما زالت العدد النهائي غير محدد للناجيين والمفقودين.
أما المفقودين فعددهم التقريبي غير محدد ولكن يتجاوز 200شخص لم يعثر لهم على أثر، حيث أن الحكومة الإيطالية ترفض إرسال غواصات لأنتشال الأشخاص بسبب التكلفة المالية المرتفعة، لتبقى اجسادهم في قعر البحر دون امل لذوويهم وأقاربهم في لقائهم. السؤال من هو المسؤول عن هذه المأساة من سيحاسب؟ ألا يستحق الفلسطيني ان ينتشل من قعر البحر ليدفن ويصلى عليه؟ ألا يستحق الفلسطيني أن يعلم ما هو مصير ذويه؟
محمد موسى (أبو أحمد) فلسطيني لاجئ من مخيم اليرموك، صعد على متن القارب هو وجميع افراد عائلته للبحث عن أمان واستقرار، وجد نفسه في المخيم وحيدا مع عائلته لا منزل ولا عمل ولا احد يرعاه ويمثله.. قرر الذهاب إلى بلاد الغرب للحصول على لم الشمل والبدء بحياة أساسها الحرية... وجد نفسه الأن وحيدا في صقلية، ابنه على قيد الحياة موجود في مالطا وجد جثمان حفيده البالغ من العمر 9 شهور في إيطاليا، وعثر على جثة زوجته الذي لم يعرف لها ملامح ولكن هوية اللجوء "هوية الاونروا" هو ما بقي منها، ولدت لاجئة وتوفيت لاجئة وهوية اللجوء عرفت عليها، هذا ما نسميه سخرية القدر. ابنته وزوجة ابنه ما زالا من المفقودين..
التقيت ستة أطفال بعمر الزهور وحيدين في إيطاليا ثلاثة منهم أشقاء يتمسكون ببعضهم يدا بيد كي لا يفترقوا. عثر على ذويهم في مالطا، لكن القوانين والاوامر تمنعهم من الذهاب إلى أهلهم أو العكس، حسب ما أفاد مكتب الوطني للحكومة الإيطالية في مقاطعة أغريجنتو "البرفتورة" لعدم وجود أوراق ثبوتية، ولرفضهم وضع بصماتهم في السجلات الرسمية للحكومات خوفا من دخول السجون الإيطالية لانه ليس لهم إمتيازات ولا حتى حق اللجوء السياسي.
وحتى اللحظة هناك رفض لجمع شمل هذه العائلة المنكوبة .. أما الاطفال الثلاثة الآخرون.. أكبرهم كريم البالغ 7 سنوات والطفل الثاني لا يوجد اسم له لحتى اللحظة والطفل الثالث لا يعرف له أسمه ويلقب في "ياسام" ويبلغ من العمر 10 أشهر، لم يعثر لهم على أهل ولا على أقارب أو معارف ولا على اسم وهم وحيدون في إيطاليا مقاطعة اغريجنتو متحفظة عليهم وعملية البحث عن أهلهم ما زالت مستمرة.
هناك ثلاث عائلات من أكبر العائلات الفلسطينية في مخيم اليرموك لقى افرادها حتفهم بالكامل.
العديد من الناجيين أكملوا مسيرتهم إلى اوروبا حاملين قصة لجوئهم في ذاكرتهم وروحهم.. صور فلسطين ستبقى عالقة في ذهنهم وصور شعبنا الذي عاش ويلات النكبة.. ويلات حرب سوريا وويلات الهجرة الثانية. من سيحميهم.. من سيعيد البسمة اليهم، من سيعد لهم فطور الصباح.. من سيعيدهم إلى وطنهم فلسطين ليربوا ويكبروا في وطنهم؟ ألم يحن الوقت لعودة اللاجئين إلى بيوتهم... أليس هذا أكبر برهان أن الفلسطيني لن يشعر بالأمان والكرامة إلا في أحضان و طنه؟