:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/18988

هل يتم الاصلاح التربوي بدمج مدارس الاونروا في لبنان؟!- يوسف أحمد

2019-06-18

يعتبر البرنامج التعليمي في وكالة الاونروا من أكبر البرامج على مستوى الخدمات، ويستهلك اكثر من نصف الميزانية، وفق ما اشارت اليه تقارير الاونروا حول الموازنة البرنامجية لعام 2017، حيث بلغت موازنة التعليم 58% من اجمالي الموازنة البرامجية العامة والبالغة 760 مليون دولار .

ويبلغ عدد الطلبة الفلسطينيين الملتحقين بمدارس الأونروا في لبنان حوالي 37000 طالب، موزعين على 66 مدرسة في المراحل الثلاث الابتدائية، الإعدادية والثانوية في جميع المناطق والمخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان.

وخلال الاعوام الماضية، وتحديداً في العام 2015 تعرض البرنامج التعليمي في وكالة الاونروا لاهتزازات عدة، نتيجة العجز المالي الذي أعلنت عنه الوكالة، وطال معظم خدماتها وبرامجها، ولا سيما البرنامج التعليمي، حيث اتخذت الوكالة سلسلة من الإجراءات التقليصية التي شملت دمج بعض المدارس، وخفض عدد الصفوف، وتجميد عملية التوظيف، الى جانب اعتماد نسبة الخمسين طالباً في الصف، مع كل الآثار السلبية التي نتجت عن هذا الامر، وانعكاسها على العملية التربوية والمستوى التعليمي للطلبة الفلسطينيين.

ويبدو جلياً في التقارير الصادرة عن وكالة الغوث أن هناك تراجعا في أعداد الطلبة. إذ رغم تسليم التقارير بأن هناك ارتفاعاً في أعداد اللاجئين من 401.071 لاجئ عام 2005 إلى469,555 لاجئ عام 2018، إلا أنه بالمقابل لم يُسجل ارتفاع في أعداد الطلبة، بل على العكس كانت النتيجة أن نفس التقارير تشير إلى أن هناك تراجعا قد حصل في أعداد الطلبة من 40.549 عام 2005 إلى 36,775 عام 2018 بالترافق مع تراجع أعداد المدارس من 87 مدرسة عام 2005 إلى 66 عام 2018 .. ما يعني أن تراجع أعداد الطلاب بنسية 10%، قابلها تراجع بنسبة 24% في عدد المدارس (!) ما يعني تراجعاً في نوعية الخدمة التربوية المقدمة.

اللافت للنظر أن السياسة المتبعة من قبل الأونروا لا تشير إلى وجود خطط وبرامج جدية ملموسة من أجل النهوض بالوضع التعليمي في مدارسها، حيث تتناقض سياستها المتبعة في السنوات الاخيرة بشكل كبير مع العناوين التي دأبت على طرحها في«الاستراتيجيتين المتوسطتي الأجل 2010-2015 و 2016-2021»، والتان هدفتا الى تقييم لما هو ضروري ومطلوب من اجل التجاوب بشكل كامل وتام مع احتياجات اللاجئين ومنها الاحتياجات التعليمية، وقد اعترفت الاونروا في هاتين الاستراتيجيتين بالتراجع الملحوظ في أداء طلبة المدارس الأساسية التابعة للوكالة في لبنان. وانطلاقاً من ذلك وضعت خطتها واستراتيجيتها واهدافها الخاصة بالبرنامج التعليمي للسنوات القادمة، والتي اكدت في بعض عناوينها على ضرورة معالجة نظام الفترتين، واعادة تأهيل المباني المدرسية الغير ملائمة، وتقريب نسبة المعلمين الى الطلاب طبقاً للمعادلات السائدة في المنطقة، من خلال الاسلوب الفعال عبر بناء فصول دراسية أو الحصول على فصول "صفوف" دراسية إضافية أو زيادة عدد المعلمين في الأماكن التي بحاجة لذلك.

ان التمعن في هذه الخطط المطروحة ومقارنتها مع السياسة التي تتبعها الوكالة في السنوات الاخيرة وخصوصا منذ العام 2015، يؤكد ويبرز حالة التعاكس والتناقض الكبير بين المخطط والمنفذ، ومنها على سبيل المثال، قرار دمج المدارس وزيادة عدد الطلاب في الصف الى 50 طالباً، بالوقت التي تتحدث فيه باستراتيجيتها عن بناء مدارس وصفوف جديدة لتقليل اعداد الطلاب، وايضاً القرار الذي اتخذته بوقف عملية التوظيف خلال الاعوام الماضية، يتعاكس مع شعارها بتقريب نسبة المعلمين الى الطلاب، حيث يعاني العديد من المعلمين من ارتفاع ساعات التدريس المخصصة لهم، والبعض منهم يكلف وتوكل اليه مهام إدارية اضافة الى مهمة التدريس، وغيرها العديد من السياسات الاخرى المتناقضة مع خطتها الاسترتيجية.

وبتاريخ 30 ايار 2018 دعا المدير العام للأونروا في لبنان برسالة وجهها الى المجتمع المحلي الفلسطيني لتفهم ازمة الأونروا وتقبل التقليصات!، وبدأت ادارة الاونروا في لبنان بالترويج لمخطط دمج واقفال بعض المدارس التابعة لها بحجة الاصلاح التربوي ومواجهة الازمة المالية، وشملت الخطة مدارس الطنطورة في تجمع المعشوق في صور، ومدرسة العوجا في عدلون، والظاهرية في الغازية والصخرة في صيدا، ومدرستي البطوف و background:white">عين كارم في طرابلس وعدد من المدارس الاخرى.

ونتيجة التحركات الشعبية والاعتصامات الطلابية التي نفذها اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني "أشد" وهيئات أخرى في مختلف المخيمات والمدارس المستهدفة، وضغط الاهالي والطلاب واللجان الشعبية والقوى السياسية تراجعت الاونروا عن مخططها واعلنت تأجيل تنفيذ المشروع.

ومع نهاية العام الدراسي الحالي، عادت ادارة الاونروا لتستحضر ذات المشروع من أدراجها، وبدأت بذات السياسة الترويجية لعملية الدمج، تارة بحجة عدم صلاحية المبنى، وتارة بحجة قلة عدد الطلاب في المدرسة وغيرها من الحجج الواهية التي تهدف الى التسويق للمشروع التقليصي الذي يستهدف اكثر من مدرسة في صور وصيدا والشمال.

وعلى اثر ذلك تجددت المواقف الفلسطينية الرافضة لهذا المشروع، واكد اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني في بيان اصدره يوم 9/6/2019 موقفه الرافض إعادة طرح مشروع الدمج والاقفال في كواليس ادارة الاونروا ومحاولة تمريره تدريجياً بحجة الاصلاح والعجز المالي! background:white">.

مطالباً وكالة الاونروا بافتتاح المزيد من المدارس من أجل اصلاح العملية التربوية وليس الدمج والإقفال الذي يهدد مستقبل الطلاب ويزيد الأعباء على المعلمين والادارات المدرسية، خاصة وأن غالبية الصفوف يفوق عدد الطلاب فيها اكثر من 40 طالباً، وبعضها يصل الى خمسين طالباً في الصف الواحد background:white">.

خلاصة القول في هذا المجال، أن ادارة الاونروا تبدو مصرة على السير في نهج وسياسة التقليص في برامجها وخدماتها، ولا سيما في البرنامج التعليمي، الذي يتهدده ايضاً مخطط آخر، وهو إنهاء برنامج الدعم الدراسي الذي انطلق في العام 2008 بتمويلٍ من الاتحاد الأوروبي ومنظمة "اليونيسفUNICEF"، بهدف حل مشاكل الصعوبات التعليمية في مهارات الكتابة والقراءة والحساب للطلاب في مرحلة الأول والثاني ابتدائي، ورعاية الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة والدعم النفسي، ويستهدف سنوياً نحو 3000 طالب، حيث هددت ادارة الاونروا مؤخراً بوقف البرنامج مع بداية أيلول المقبل إذا لم يتوفر التمويل المطلوب، وأبلغت العاملين في البرنامج وعددهم 250 معلماً، بالبحث عن خيارات وفرص عمل أخرى.

من الواضح، ان السياسة التربوية القائمة لدى الاونروا، هي تعبير عن حالة من التخبط ، وغياب الرؤية العلمية الصائبة التي تؤدي فعلا الى النهوض بالواقع التعليمي، كما انها تعبير عن الاندماج والتعايش مع سياسة التكيف المتبعة من قبل ادارة الأونروا في تعاطيها مع الأزمة المالية التي نشبت منذ العام 2015 بعد ان اوقفت الولايات المتحدة الامريكية دعمها للوكالة بسياق الابتزاز السياسي والمالي الامريكي الهادف الى تصفيتها وانهاء خدماتها.

وقد كان الاجدى بالوكالة، ان تواجه ازمتها المالية، ليس بالتكيف والتعايش والاندماج، وانما بخطط واستراتيجيات واضحة ومرتكزة الى قواعد صلبة، كما من خلال ترشيد النفقات، والبحث عن مصادر تمويل جديدة، بعيداً عن اللجوء الى الخيارات الاسهل عبر تقليص الخدمات.

وعليه فقد بات مطلوباً التنبه لهذه السياسة التي تتخذ من الأزمة المالية حجة لإنهاء وتقليص الخدمات، وبلورة رؤية فلسطينية موحدة، للحفاظ على وكالة الاونروا ومواجهة كافة التقليصات، والدفع باتجاه زيادة الميزانية وتحسين الخدمات ولا سيما في البرنامج التعليمي.

وعلى ادارة الاونروا ان تعلم بأن شعبنا الفلسطيني في لبنان الذي وقف خلال الفترة الماضية وما يزال الى جانب الأونروا في مواجهتها للابتزاز المالي الامريكي، لن يسمح لإدارة الوكالة أن تتلاعب بحقوق شعبنا ومدارسه ومستقبل طلابه.. فكل صف، وكل مدرسة، وكل وظيفة، هي حق لشعبنا، وادارة الاونروا مطالبة بالبحث عن حلول ومعالجات بعيداً عن سياسة التقليص والمساس بالبرامج والخدمات . وإذا كانت هذه الادارة غير قادرة عن إجتراح الحلول السليمة، فلترفع صوتها في المحافل والمؤسسات الدولية لدعم شعبنا وتطوير الخدمات المقدمة له وليس تقليصها كما هو حال السياسة المتعبة من قبل إدارة الأونروا في لبنان اليوم.