:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/19106

قناة المشتريات للفلسطينيين

2019-06-28


​الاحتجاجات ضد عقد “المؤتمر الاقتصادي” في البحرين، التي ملأت الشبكات الاجتماعية العربية، أوضحت مرة اخرى الفجوة التي توجد بين قرارات الزعماء العرب وبين الشعوب العربية. “فلسطين لا يمكن أن تُشترى بـ 50 مليار دولار أو بـ 500 مليار دولار”، غرد د. عبد الخالق عبد الله، المحاضر للعلوم السياسية في دولة اتحاد الامارات. في نفس الوقت هو قام بشكر جميع رجال الاعمال في دولته الذين رفضوا دعوة الولايات المتحدة للمشاركة في المؤتمر. متصفحون آخرون انتقدوا بشكل شديد ما سموه “التطبيع الذي تجريه البحرين ودول الخليج الاخرى مع اسرائيل”. وآخرون اقتبسوا بشكل موسع اقوال مراسلين صحافيين اسرائيليين تأثروا من هبوطهم للمرة الاولى في هذه الدولة الصغيرة. في حين أنه في المناطق جرت مظاهرات غير كبيرة احتجاجا على ما سماه شخص ما “كارثة البحرين”.

​ولكن بين طلب وقف التطبيع مع اسرائيل وبين معارضة “شراء” فلسطين بالمال، ولدت في البحرين سابقة لا يمكن تجاهلها، لقاء علني برعاية امريكا بين العرب والاسرائيليين، من اجل التباحث في النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين. لقاء لم يكن منذ عشرات السنين لقاء يشبهه.

​يبدو أنه قيلت وكتبت جميع التحفظات عن هذا المؤتمر. من الواضح أنه من غير مشاركة الفلسطينيين ومن غير تمثيل اسرائيلي رسمي لا يمكن الحديث حتى عن تحريك العملية السلمية أو اجراء مفاوضات. المقاطعة الفلسطينية ربما هي علنية وصارخة بشكل أكبر، لكن الطرف الاسرائيلي ايضا لم يتحمس بشكل كبير للخطة التي تشمل ضمن امور اخرى اقامة معبر بين غزة والضفة.

​في ظل غياب حكومة دائمة في القدس – وفي ظل التركيبة السياسية التي تدير الدولة الآن بدون صلاحية أو رغبة في دفع خطوات سياسية مع الفلسطينيين – فان اسرائيل توجد في نفس المستنقع الرافض، مع الفلسطينيين. النزاع الداخلي الفلسطيني بين فتح وحماس سيستمر في العمل مثل سور منيع ضد العملية السلمية وسيسلح اسرائيل بذريعة قوية ضد التفاوض مع محمود عباس. ايضا الخلافات الاسرائيلية الداخلية واستمرار حكم اليمين ستعمل على وقف أي محاولة امريكية أو غيرها من اجل التقريب بين الطرفين.

​ولكن تقديم القسم الاقتصادي في الخطة على القسم السياسي ليس بالضرورة عقبة لكل العملية. لقد قال مستشار دونالد ترامب في السابق بأن الأمر يتعلق برؤيا. الى أي درجة هذا الحلم حقيقي. على ذلك ستضطر الدول المانحة، لا سيما السعودية ودولة الامارات، الى الاجابة. هذه الدول امتنعت حتى الآن عن الاسهام حتى بما التزمت به في مؤتمر القمة العربية الذي تقرر فيه أن يتم تحويل 100 مليون دولار شهريا للسلطة الفلسطينية. هناك شك كبير اذا كانت سترغب في تجنيد بضع عشرات مليارات الدولارات من اجل تمويل خطة لا تشمل الشرط الاساسي بالنسبة لها وهو اقامة دولة فلسطينية عاصمتها شرقي القدس، وحدودها تتطابق مع خطوط حزيران 1967. ولكن لتعهدها ستكون أهمية سياسية. هذه ستكون المرة الاولى التي توافق فيها الدول العربية على التنازل عن الخطوط الاساسية التي وضعت في قمم الجامعة العربية على مر الاجيال، وأن يتم اعادة تشكيل المبادرة العربية من العام 2002 وبناء خطة مراحل جديدة بدايتها ستوضع على قاعدة اقتصادية. شيء جديد آخر يكمن في حقيقة أن ادارة “صفقة القرن” ستنتقل من الآن الى أيدي اربع أو ثلاث دول عربية هي التي ستقرر جدول الاعمال، ولن تكون من الآن فصاعدا في أيدي جامعة الدول العربية التي قراراتها تحتاج الى الاجماع. لذلك، يمكنها فقط التوجه الى العامل المشترك الاوسع لها.

​ولكن حتى لو تم الاتفاق على مبلغ الهبات، وحتى لو تم التوصل الى تعهد حقيقي لاستثمار هذه الاموال لصالح صفقة القرن، فان السؤال الرئيسي هو من الذي سيقرر حول توزيع الاموال. نحو نصف أو أكثر الـ 50 مليار دولار تم تخصيصه لصالح الفلسطينيين في المناطق المحتلة. هذا مبلغ كبير يمكن استثماره في البنى التحتية والشوارع وميناء في غزة ومطار في الضفة الغربية وتطوير مناطق صناعية ومستشفيات واقامة جسر بري بين قطاع غزة والضفة واغراق المناطق بالوحدات السكنية للازواج الشابة. ولكن هذا الحلم يحتاج الى موافقة اسرائيل على كل بند من بنود هذا الاستثمار، حيث أنه ما هو المبرر لشق شارع فاخر يربط بين جنين والخليل اذا وضعت في الطريق عشرات الحواجز الاسرائيلية التي ستصعب على الفلسطينيين حرية الحركة. ماذا ستفيد المصانع الكبيرة اذا استمرت اسرائيل في التمسك بالتقييد على الاستيراد الى الضفة وغزة؟ وكيف سيتم بناء احياء جديدة اذا استمرت سيطرة موظفي الحكم الاسرائيلي على اعطاء تصاريح البناء؟ هذا ناهيك عن النقاش حول المطار والميناء الفلسطينيين وعن السيطرة على جباية الجمارك التي توجد الآن في أيدي اسرائيل. على كل ذلك سيطلب من اسرائيل الاجابة بشكل مفصل وملزم حتى قبل ضخ دولار واحد الى المناطق.

​مقابل حقل الالغام هذا كان يمكن للقيادة الفلسطينية أن توافق بدون صعوبة على المشاركة في المؤتمر الاقتصادي. وأن تضع اسرائيل بذلك في موقف غير مريح، الذي كان يتطلب منها توفير تفسير واجابة على “السلام الاقتصادي”، الذي يحرص ترامب وهي على تسويقه، حتى قبل الحديث عن الحدود واللاجئين والقدس والمستوطنات.

​هنا يكمن الاخفاق الرئيسي للخطة والعرض في البحرين، حتى لو أراد المبادرون الامريكيون مناقشة القسم الاقتصادي، كان يجب عليهم استغلال اللقاء غير المسبوق هذا، من اجل طرح تفاصيل الخطة، بل ايضا القدوم وهم مسلحين باجابات على هذه الاسئلة. بدونها لا يمكن اقناع الفلسطينيين والدول المانحة بأن صفقة القرن ليست فعليا قناة مشتريات للفلسطينيين. بعد أن نقل ترامب السفارة الامريكية الى القدس واعترف بها كعاصمة لاسرائيل، وبعد أن ضم هضبة الجولان لاسرائيل، وسفيره ومستشاره اعلن أنه يوجد لاسرائيل الحق في ضم اجزاء من الضفة، لم تعد هناك ثقة بنوايا الرئيس الامريكي. الصور المشتركة لعرب واسرائيليين على الشاطيء الرائع في البحرين لا تكفي من اجل حل النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين.