رحل كبير قرية لوبية...الحاج علي هدروس(أبو فوزي)
2013-11-13
عن عمر يناهز السادسة والتسعين رحل ظهر اليوم السابع من تشرين الثاني 2013 الحاج علي فياض هدروس(أبو فوزي).رحل الرجل حاملا معه إرثا يساوي عمر السنين التي عاشها,ويا حبذا لو نتمعّن قليلا بسنين الفلسطيني ولاسيما ذلك الجيل الذي ولد على أرضه وبنى بيته حجرا فوق حجر,ذلك الجيل الذي إكتوى أوّل ما إكتوى بجحيم النكبة...هو الفلسطيني الذي وجد نفسه وبلحظة جهنمية على قارعة طريق, ملآى بكل أنواع المهانة,لكنه أخذ من نبيه أيوب مثالا يعينه على الصبر وتحدي الغير مألوف في حياة البشر...كدّ وجاهد وعمل وركب الصعاب وإنضم إلى قافلة اللاجئين,وسكن مخيماتهم وأخذ ينحت صخور جنوب لبنان ليحولها إلى سهول تزينها فاكهة الجنة على الأرض...كان يعرف تضاريس الجنوب اللبناني كما عرف تضاريس الشمال في فلسطين,إختلف عليه الحال بين هناك وهناك وما أكثر ال (هناك) في حياة الفلسطيني,عاش ومات يحلم ب ال(هنا) في فلسطين...
رحل أكبر معمّر من أبناء قرية لوبية قضاء طبريا وبرحيله نفتقد لمادة تثقيفية قل نظيرها...رحل من كان يملأ مجلسه حضورا فلسطينيا خالصا,رحل محدّث الأجيال عن قريته,تضاريسها,حكاياها الكثيرة,حافظ الأحداث وكأنه يعيش لحظاتها...البابور,البيادر...خروبة العرسان,المعصرة,مغارة الخنازير,مضافة عمي,المخضّر,الكروم,موسم الحصيدة,موسم قطف الزيتون,النبي شومين,ولم تكن تغيب أبدا عن باله بعض المواقف التي كثيرا ما كانت تدخل البهجة والمرح إلى وجوه الحاضرين,وما أن تبدأ ضحكته المعهودة بإبتسامة حتى يتيقّن الحضور أنه يخبىء في جعبته شيئا ما ولا يريد أن يتطرّق إليه,فيبادر الجميع وغالبا بتحريض مني بالإلحاح عليه أن يواصل الحديث طمعا بكشف مستور.
رحل عمي الحاج أبو فوزي,وبرحيله أوّل شعور إنتابني أن حجتي المادية الملموسة بحقي التاريخي في فلسطين تكاد تضعف برحيل هذا الجيل,وأن ما هو مطلوب الآن التمسّك بكل حرف تعلمناه منهم,هكذا نواجه ما راهن ويراهن عليه المشروع الصهيوني في بلادنا.رحل الكبار تاركين على كاهلنا حملا ثقيلا,أجيال وأجيال تولد وتترعرع في أصقاع المعمورة...
أكثر ما يعتصر القلب مرارة,هو أن يموت الفلسطيني قسرا في الإغتراب,حيث تتقاذفه أمواج اللجوء من مخيمات البؤس في لبنان وسوريا,لترمي به في شمال اوروبا وكأن (بلاد العرب أوطاني)لا تخص الفلسطيني لا حيا ولا حتى ميتا.
نم قرين العين...هادئا مطمئنا...قرن من الكفاح الذي لا يلين في سبيل العيش بكرامة...وبقيت فلسطين وبقيت قريتك لوبية تعيش فيك حتى الرمق الآخير...نم يا عمي...لقد أديت الرسالة وها نحن نحمل الأمانة بكل ثقة ورغم الصعاب...
لروحك الرحمة
إبن أخيك
سعيد هدروس