هل تقلب مصر المعادلات القائمة في المنطقة؟
2013-11-16
ما زالت مسألة تغيير السلطة التي حصلت في الثالث من يوليو في مصر تتفاعل داخلياً وخارجياً، ويبدو ان هذه القضية سوف تتفاعل في المجتمع المصري لوقت طويل من حيث ان مصر من الممكن ان لا تنعم بالهدوء والاستقرار بسبب ان طرف يشعر بأنه أزيح عن كرسي الحكم عنوة، وعلى الصعيد الخارجي هناك واقع جديد يجب دراسته ومعرفة اهداف هذا التغيير الذي حصل وتأثيره على المنطقة العربية ومستقبل مصر، وخاصة على العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ومستقبل معاهدة كامب ديفيد.
تشهد مصر حاليا تحولات إستراتيجية وسياسية على صعيد العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية التي يبدو موقفها من التغيرات في مصر متذبذبا وليس واضحا، ويبدو ايضا انها لم تستوعب ما حدث لانه اثر على سياستها التي شهدت تحسنا مع حكم الأخوان، ولذلك حاولت واشنطن إقناع السلطات الحالية في مصر بالتفاهم مع الأخوان وعدم إقصاءهم، ولكن رد السلطات كان مغايرا، ولهذا تشهد العلاقات بين البلدين فتورا ملحوظا وخاصة بعد تجميد المعونات الأمريكية لمصر.
بلا شك ان مراجعة علاقات مصر مع الولايات المتحدة ستكون من اهم التغيرات التي تشهدها مصر على الصعيد الخارجي بعد تغيير السلطة في مصر في الثالث من يوليو واتجاه مصر نحو إقامة علاقات تقارب على الصعيد العسكري والسياسي مع الاتحاد الروسي الذي وجد فرصة سانحة للعودة الى المنطقة بسبب الخلافات المصرية الأمريكية.
ان مصر تشكل ثقلا مهما في المنطقة العربية لما لها تأثير على مجمل القضايا العربية كالقضية الفلسطينية وعلاقاتها مع اسرائيل وكذلك علاقاتها مع الدول الخليجية، ولذلك تسعى كل من الولايات المتحدة وروسيا التقارب والتنافس على موطئ قدم في هذا البلد من حيث اقامة افضل العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
يبدو ان مصر جادة في اقامة علاقات متميزة مع روسيا وليس فقط ردة فعل على الموقف الامريكي الذي يحاول ابتزاز مصر سياسيا من خلال المعونات التي تقدمها الولايات المتحدة في مقابل احترام معاهدة كامب ديفد التي اخرجت مصر من الصراع العربي الاسرائيلي، وبالتالي اضعاف الموقف العربي امام اسرائيل، والمطلوب من مصر ان تكون داعما قويا للقضايا العربية وعدم الاذعان للمواقف الامريكية المؤيدة لاسرائيل مقابل المساعدات الامريكية.
فمصر من الممكن ان تستغني عن المساعدات الامريكية اذا وفرت لها دول الخليج المساعدات اللازمة واخراجها من ازماتها الاقتصادية لتسترد دورها الطليعي في الوطن العربي، ولكن يجب على الدول الخليجية نفسها الابتعاد عن السياسة الامريكية وبالتحالف مع مصر بتشكيل حلف مناهض لسياسات الولايات المتحدة الامريكية التي تتحكم في المنطقة من اجل مصالحها ومصالح دولة الاحتلال الاسرائيلي.
بدون شك ان الولايات المتحدة حاولت الحفاظ على مصالحها وحاولت دعم اي جهة تصل الى السلطة في محاولة لعدم تأثر مصالحها فهي جعلت من مصر تابعة للسياسة الامريكية في عهد الرئيس حسني مبارك ومحاولة ممارسة نفس السياسة في عهد محمد مرسي، ولكن الامر اختلف هذه المرة بعد التغيرات التي شهدتها مصر بعد الثالث من يوليو، ولكن الولايات المتحدة تحاول اصلاح العلاقات لما لها من مصلحة في ذلك وعدم استغناءها عن هذا البلد الذي يشكل خطرا على اسرائيل فيما لو فكر في الغاء معاهدة كامب ديفد، وستحاول الولايات المتحدة عدم السماح لمصر الارتماء كليا في احضان روسيا.
اما الموقف الروسي المتعطش للعودة الى منطقة الشرق الاوسط رأى في رغبة مصر التقارب مع روسيا فرصة ذهبية من الممكن ان لا تتكرر، ولذلك يضع الجانب الروسي كل ثقله في جذب مصر الى معسكره المنافس للولايات المتحدة في المنطقة.
ان زيارة وزيرا الدفاع والخارجية الروسيين لمصر لخير دليل على ان العلاقات مع مصر تسير على طريق توثيق هذه العلاقات ولا تعتبر مناورة وورقة ضغط من الجانب المصري على الجانب الامريكي، وانما يبدو تحولا جديا من الممكن ان يفاجئ الولايات المتحدة التي تراهن على ان مصر غير قادرة على التخلي عن الولايات المتحدة ومساعداتها.
تعتبر هذه الخطوة هامة على صعيد تغيير التحالفات في المنطقة، بعد اكثر من عشرين عاما من انهيار الاتحاد السوفييتي والانكفاء الروسي على نفسه وعدم لعب دور فعال على الساحة الدولية، ومن الممكن ان تشكل مصر بداية كسر التفرد الامريكي بالمنطقة، وتغيير المعادلات السياسية، ومن الممكن خلق وتشكيل تحالفات ترجع العالم الى قطبين من اجل التوازن وعدم الاستفراد بالقرارات الدولية لصالح جهة محددة من الدول الكبرى.