هذا النزيف يجب أن يتوقف
هآرتس –
لا يمر يوم دون أن نسمع عن حادث إطلاق نار أو قتل في المجتمع العربي. المعطيات تُظهر أن نسبة العرب الاسرائيليين المقتولين أعلى بثلاثة أضعاف من نسبتهم في المجتمع ككل ونسبة أحداث إطلاق النار أكثر ب12 مرة من تلك الموجودة في المجتمع اليهودي في اسرائيل. هذه معطيات السنوات الأخيرة والمنحى يشير إلى تزايد. بالإضافة إلى الضحايا في الأرواح التي يجبيها، فإن هذا الوضع يثير شعور بالهجر وانعدام الأمن في المجتمعات العربية.
ليس بالإمكان فهم تطور الظاهرة المقلقة هذه دون الاعتراف بأنها مرتبطة مع مشكلة الحاكمية للمواطنين العرب في اسرائيل ولثقافة غياب الانصياع للقانون، التي تطورت في هذا السياق. هكذا سيضطر على المجتمع العربي في اسرائيل فكرة أن العنف هو وسيلة شرعية لتسوية النزاعات بين أفرادالمجتمع. هذا المعيار جعل أشخاص معياريين يتورطون في العنف وفي حوادث إطلاق نار.
“إذا كان كل شخص عنيف هو بطل، فيجدر التسلح بسلاح استعداداً ليوم القيامة”، هكذا يفكر مواطنون عرب كثيرون اليوم. توماس أبيت الذي بحث إطلاق النار في أوساط عصابات في أرجاء الولايات المتحدة ينسب لالبرت أينشتاين في كتابه الأخير مقولة: “معنى السلام ليس هو اختفاء الحرب بل وجود العدل، القانون والنظام، باختصار حضور الحكومة” إن الحضور الخفيف للدولة في المجتمع العربي في اسرائيل يشرعن الحرب الدموية في المجتمع والتي يتم تعداد ضحاياها تقريباً كل يوم.
السؤال الأهم الواجب أن يشغلنا كيف يمكن أن نوقف هذا النزيف. أحد السبل هو فحص ما يجري في العالم ومعرفة إذا ما كان هنالك دلائل تجريبية على نجاح بعض الاستراتيجيات في الحد من ظواهر من هذا النوع. في التقرير الأخير للأكاديمية الأمريكية للعلوم في موضوع “الشرطة الاستباقية “، برئاسة عالم الجريمة الاسرائيلي- الأمريكي البروفيسور ديفيد فيسبورد لخص البينات الأفضل التي لدينا اليوم في هذا المجال.
من مجمل البينات تظهر استنتاجات رئيسية، ذات العلاقة بظاهرة إطلاق النار في المجتمع العربي. أولاً الحاجة إلى التركيز. الشهادات التجريبية تدلل على أن الجريمة بشكل عام وإطلاق النار بشكل خاص لا تحدث مصادفة والمشاركين فيها ليسوا أشخاص بالمصادفة هم أيضاً. في هذا السياق التحدي الأكبر لأجهزة تطبيق القانون هو القدرة على تغطية مساحة كبيرة ومتابعة عدد كبير من المشبوهين عندما تكون الموارد دائماً قليلة. ولكن في اللحظة التي يتم فيها تشخيص “نقاط ساخنة” و “أشخاص ساخنين” ويتم التركيز عليهم- أيضاً تطبيق القانون يصبح أكثر تركيزاً وفاعلية، ولهذا أيضاً يكون أكثر نجاحاً. معظم المتورطين في إطلاق النار يستخدمون بشكل عام سلاح بدون رخصة، ولجزء منهم يوجد ماضي جنائي. هذه الأعراض (وغيرها)، من شأنها أيضاً المساعدة في تقليص قائمة المشتبه بهم وزيادة نجاح الإحباط ومنع أحداث إطلاق النار. المقاربة التي تركز على أماكن محددة وعلى أشخاص محددين أيضاً تقلص ضرراً شاملاً أكثر، والذي من شأنه أن يصيب الأشخاص المستقيمين والمتعقلين في المجتمع نتيجة لتطبيق غير مركز وغير تمييزي من جانب الشرطة.
من أجل زيادة نجاعة التركيز من المهم أيضاً أن ندرس الظروف التي تحدث فيها أعمال إطلاق النار وعدم رؤية الظاهرة كشيء واحد، حيث أن المجتمع العربي هو مجتمع غير متجانس جداً. فقط تقاطع الواجهات الثلاثة- “نقطة ساخنة”، “شخص ساخن”، “ووضع مشحون “- تنتج في النهاية حادث إطلاق نار، ولهذا تدخل وإحباط لواحد على الأقل منها من شأنه أن يمنع الحادث القادم. وتساعد دراسة معمقة لهذا الإجمالي في فهم المشكلة وفي حلها. حين يكون الحل المفضل هو المنع وليس فقط تطبيق القانون، والذي في الغالب يحدث متأخراً جداً عندما يكون قد سقط ضحايا.
في هذا السياق من المهم خلق ميزان بين “العصا والجزرة” يجب أ، يوضح للمشاركين المحتملين في إطلاق النار بأنهم مراقبون، وأنهم متابعون وأنه في نهاية الطريق ينتظرهم عقاب شديد ومؤلم، بالمقابل إذا اختاروا طريق آخر، التخلي عن العنف، عندها ستعطى لهم إمكانية العودة إلى سابق عهدهم وتلقي المساعدة. هذا المزيج الذي حظي باسم “ردع مركز” في معالجة العديد من العصابات في الولايات المتحدة.
معظم مطلقي النار هم عرب ومعظم الضحايا هم عرب، وهذه الحقيقة من شأنها أن تخلق في أوساط جزء من الجمهور اليهودي في اسرائيل الافتراض بأن الأمر يتعلق بشأن “داخلي”، ذو جذور ثقافية. هذا الوصف يفوّت تداعيات هذه الأحداث على مجمل المجتمع الاسرائيلي. تفاهة القتل في المجتمع العربي في النهاية ستؤثر بدرجة ما أيضاً على المجتمع اليهودي وبالتأكيد في المدن المختلطة. بالإضافة إلى ذلك ليس مصادفة تم تصنيف مخالفة القتل باعتبارها المخالفة الأشد في كتاب القوانين- يوجد لهذه المخالفة أيضاً تداعيات اقتصادية خطيرة تتمثل في ضياع التشغيل والإنتاج، وضرر مباشر وغير مباشر لعائلة الضحية والمجتمع، انخفاض في الشعور في الامن الذي يمس التطوير الاقتصادي والاستهلاك وغيرها.
هذا الثمن يدفعه المجتمع في اسرائيل كلها وليس فقط العرب. أيضاً منحى انتقال شبان عرب لبلدات يهودية والذي في جزء في بعض الحالات يرفع التوتر بين المجتمعين هو من بين أمور أخرى نتيجة للعنف المتفشي في المجتمع العربي، لهذا عندما نفكر بخطة وطنية لمواجهة ظاهرة إطلاق النار في المجتمع العربي والتكاليف المقترنة بها ، من المهم أن نفهم أننا كمجتمع اسرائيلي ندفع أصلاً ثمناً مرتفعاً جداً، والذي من المفضل دفعه من أجل خطة وطنية من أجل مواجهة هذا العنف.
لقد حان الوقت للإعلان عن خطة طوارئ وطنية لمواجهة مشكلة العنف في المجتمع العربي. هنالك أدوات، تتضمن معلومات أكاديمية عديدة يمكنها أن تساعد في ذلك. أقود بحث مع د. ديفيد فيسبورد و د. ياعل ليتمونوفيتش من معهد الجريمة في الجامعة العبرية يظهر أنه يوجد لشرطة اسراتيل بوادر نجاح في بعض من المبادرات التي نُفذت بروح ما تم وصفه أعلاه. هكذا مثلاً هنالك توقع بنجاح باهر في معالجة ظاهرة إطلاق النار في الأعراس، والتي خفت في السنوات الأخيرة، من بين أمور أخرى في أعقاب المعالجة الشرطية والتعاون من جانب المجتمع، الآن هنالك تحديات أكثر تعقيداً والتي تحتاج علاجاً فورياً، إذا أعلنت الحرب على ظاهرة العنف العربية، وعلى إطلاق النار بشكل خاص من المهم أن تجري الحرب بصورة عقلانية وقانونية، بحيث لا تُحدث مرارة وإحباط في أوساط السكان العرب الأبرياء. من المهم أيضاً أن لا يتدهور تطبيق القانون المتزايد إلى تجريم مجتمعات واسعة. لهذا فإن التركيز مهم جداً. من هنا تأتي الحاجة لإشراك المجتمع في العمليات وإظهار شفافية في عمليات اتخاذ القرارات، هكذا يزداد احتمال التعاون وتقليل المعارضة، ولكن شرطة اسرائيل ليست هي اللاعب الوحيد، من المهم أن تشارك وزارات حكومية أخرى (وزارة العدل، وزارة الداخلية وغيرها) ومن المهم أيضاً إشراك القيادة السياسة،المجتمع، والمجتمع المدني. وهكذا تزداد احتمالات النجاح.