إيران ..أزمة اقتصادية وتغيير داخلي وهجوم ديبلوماسي
2013-12-24
1ـ كان العام 2012 نهاية لفصل من فصول السياسة الإيرانية بأزماته المحكمة اقتصادياً وسياسياً، في حين يمثل العام الحالي 2013 تأسيساً لفصل آخر جديد، بقسمات مغايرة وباستهدافات مختلفة ستتبلور أكثر في العام 2014.
2ـ لعب عاملان دورهما في التردي الاقتصادي: السياسات الشعبوية لنجاد والعقوبات الدولية. ومن الطبيعي أن تستمر الأزمة، وإنما بوتيرة أقل، حيث ستلعب كفاءة الطاقم الوزاري دوراً في تلافي أوجه القصور "النجادية"، وسيساعد التفاوض النووي في الحيلولة دون تفاقم الأزمة.
2ـ لعب عاملان دورهما في التردي الاقتصادي: السياسات الشعبوية لنجاد والعقوبات الدولية. ومن الطبيعي أن تستمر الأزمة، وإنما بوتيرة أقل، حيث ستلعب كفاءة الطاقم الوزاري دوراً في تلافي أوجه القصور "النجادية"، وسيساعد التفاوض النووي في الحيلولة دون تفاقم الأزمة.
3ـ مثل انتخاب روحاني قطيعة مع سنوات حكم نجاد، وليس مع ركائز الجمهورية الإسلامية. فشكل انتخابه تلطيفاً لأزمات إيران الداخلية. أما العالم فاكتشف أن انتخابه لم يكن آخر مفاجآت النظام الإيراني، وإنما نقطة بدايتها.
4ـ لم تنته المباراة النووية بين إيران والغرب بعد. ومن المرجح أن يشهد العام 2014 اهتزازات تفاوضية، بسبب الخلاف بين طرفي الاتفاق على تفسير بنوده والضغوط الداخلية والإقليمية عليهما.
4ـ لم تنته المباراة النووية بين إيران والغرب بعد. ومن المرجح أن يشهد العام 2014 اهتزازات تفاوضية، بسبب الخلاف بين طرفي الاتفاق على تفسير بنوده والضغوط الداخلية والإقليمية عليهما.
مثّل العام 2013 الذروة لثلاث قضايا رئيسية في إيران: أزمة اقتصادية كبرى تفاقمت مع بداية العام وما زالت مستمرة، ما لعب دوراً مفصلياً في إحداث تغيير داخلي ذي مغزى بانتخاب حسن روحاني بدلاً من أحمدي نجاد، وفي إطلاق هجوم ديبلوماسي إيراني لحل الملف النووي المتسبب في العقوبات الاقتصادية. توج ذلك الهجوم الديبلوماسي "باتفاق جنيف"، الذي يفتح الباب على تفاهم أميركي ـ إيراني يملك قابلية تغيير المعادلات الداخلية الإيرانية، ويمهد الطريق أمام رفع العزلة والعقوبات الدولية المفروضة على إيران.
تحاول هذه الإطلالة إلقاء الضوء على مكونات المشهد الإيراني اقتصادياً وداخلياً ودولياً، مع بداية العام وعند نهايته، لاستطلاع الفوارق الكبيرة بين هذا العام المفصلي وما قبله، وصولاً إلى استشراف مكونات ذات المشهد في العام المقبل. كان العام 2012 نهاية لفصل من فصول السياسة الإيرانية بأزماته المحكمة اقتصادياً وسياسياً، في حين يمثل العام الجاري 2013 تأسيساً لفصل آخر جديد، بقسمات مغايرة وباستهدافات مختلفة ستتبلور أكثر في العام المقبل 2014.
الأزمة الاقتصادية محرك التغيير الداخلي والخارجي
شكل الاقتصاد عامل ضغط كبيرا على عشرات الملايين من الإيرانيين، بسبب الضغوط التضخمية التي عرفتها إيران طوال العام 2013. افتتح العام بارتفاع حاد في أسعار السلع والخدمات؛ مصحوباً بانهيار سعر صرف العملة الوطنية الإيرانية مقابل العملات الأجنبية. وانعكست هذه الحالة على عملية صنع القرار السياسي، إذ كان الوضع الاقتصادي المتردي أحد أهم العوامل التي شكلت وعي القيادة الإيرانية بضرورة التفاوض مع الغرب حول الملف النووي. لعب عاملان دورهما الكبير في تردي حالة الاقتصاد الإيراني: السياسات الشعبوية للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد والعقوبات الدولية.
أ. سياسات أحمدي نجاد الشعبوية
ساهمت السياسات التضخمية لحكومتي الرئيس السابق أحمدي نجاد (2005-2013) في ترد ملحوظ لحالة الاقتصاد الإيراني؛ إذ ان سياساته الشعبوية القاضية برفع الدعم عن السلع الضرورية وتقديم الدعم في صورة نقدي للأسر الإيرانية الفقيرة طمعاً في استمالتها وكسب رضاها، قد دفعت مؤشرات التضخم إلى حدود غير مسبوقة. كما أن تسييس عمل المصرف المركزي الإيراني، عبر طفرات متتالية في كمية النقود المتداولة في إيران، بغرض خلق بحبوحة اسمية وغير حقيقية وبشكل زاد بكثير عن السلع والخدمات المعروضة في السوق، قد دفع بالأسعار إلى القمة، حيث بلغت نسبة التضخم ثلاثين في المئة سنوياً، في حين أن النسبة المعلن عنها رسمياً كانت 19 في المئة. وصف رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني السياسات الاقتصادية لأحمدي نجاد في الفترة بأنها تشبه "سياسات روبين هود" في كبح جماح التضخم. وأعلن الرئيس الحالي حسن روحاني في بيان "المئة يوم" لحكومته أن حكومة أحمدي نجاد تحصلت في الفترة بين العامين 2005 و2011 على مداخيل لم تتحصل عليها في تاريخ إيران، وذلك بسبب ارتفاع سعر النفط في الأسواق الدولية. ونعى روحاني حقيقة أن مجمل الواردات الإيرانية بلغ في العام 2005 حوالي 38 مليار دولار، تضاعفت لتصل إلى 75 مليار دولار في العام 2011. وفي تلميح واضح لسياسات سلفه الاقتصادية الفاشلة ذكر أن إيران كانت مكتفية ذاتياً من القمح في العام 2004، لكنها استوردت في العام 2005 مليون طن من القمح بسبب نقص الانتاج. ولكن القمح المستورد الرخيص أصاب الزراعة الإيرانية في مقتل، لأن المزارعين الإيرانيين لم يستطيعوا المنافسة مع نظرائهم في الخارج، فانتهى الأمر وإيران تستورد سبعة ملايين طن من القمح في العام 2013.
ب. العقوبات الاقتصادية
بلغت كثافة العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران حداً تحول معه الاقتصاد الإيراني إلى اقتصاد يقوم على المقايضة، بعدما حظرت أميركا على الشركات من دول العالم المختلفة التعامل مع البنك المركزي الإيراني، وإلا ألحقت عقوبات بالمتعاملين معه. وساهمت العقوبات الأميركية في تردي العملة الوطنية الإيرانية "التومان"، ومعها معدلات التنمية الاقتصادية. ينطلق التوصيف الكلاسيكي لأنماط العقوبات الاقتصادية من أنها تعني تقليص المبادلات الاقتصادية، ولذلك تكون العقوبات ناجعة ومؤثرة كلما كان البلد المعني يمتلك اقتصاد يعتمد في جانب كبير على المبادلات الاقتصادية في ضبط حركة قطاعاته الأساسية، وهي حالة إيران المعتمدة بشدة على تصدير النفط. ويعود ذلك لأن النفط يشكل سلعة التصدير الأولى فى إيران، ويمثل ما بين 80 في المئة إلى 90 في المئة من الصادرات الإيرانية، كما يمول تصدير النفط ما بين 40 في المئة إلى 50 في المئة من إيرادات الدولة الإيرانية. لذلك يؤذي الحظر النفطي غير المباشر (عبر حظر التعامل مع المصرف المركزي الإيراني)، والمقترن بإيقاف الاستثمارات الخارجية فى قطاع الطاقة، إيران واقتصادها بشدة. تمثل العقوبات المالية ضغطاً إضافياً على إيران، فبجانب تجميد الودائع الحكومية وودائع الشركات والأفراد الإيرانيين، تعد عملية عرقلة نفاذ الاستثمارات إلى إيران ركناً هاماً من أركان العقوبات المالية.
ج. آفاق الاقتصاد الإيراني العام 2014
حصلت إيران على رفع محدود للعقوبات الاقتصادية في "اتفاق جنيف"، بشكل لا يؤثر في نظام العقوبات المفروضة عليها بعمق، وإنما بشكل رمزي. لذلك تشكل حزمة المكاسب الإيرانية الاقتصادية دافعاً لاستكمال التفاوض وليس أساساً لحل الأزمة الاقتصادية.
من الطبيعي ألا تستطيع إدارة روحاني حل الأزمة الاقتصادية بشكل جذري في العام 2014، إذ ان "اتفاق جنيف" يقضي بالتفاوض على الحل النهائي للملف النووي والمرتبط برفع العقوبات منتصف العام 2014 في أحسن الأحوال، إذا سار التفاوض الحالي في الطريق الأمثل، وهو أمر غير مؤكد. على ذلك ستستمر الأزمة الاقتصادية في إيران خلال العام المقبل، وإنما بوتائر أقل عما كانت عليه في العامين الأخيرين. ستلعب هنا الكفاءة الاقتصادية للطاقم الوزاري في حكومة روحاني دوراً في تلافي أوجه القصور النجادية، وأيضاً سيكون التفاوض على الملف النووي، الذي يوليه روحاني مكانة الأولوية في اهتمامات حكومته مساعداً في الحيلولة من دون تفاقم الأزمة عبر التحلل من التأثيرات الضارة لبعض أنواع العقوبات. ومع ذلك لا يتوقع أن تستطيع حكومة روحاني، موضوعياً، تجاوز الأزمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية ابتداء من العام 2015 حتى. ومرد ذلك أن الانحيازات الاقتصادية ـ الاجتماعية لحكومة روحاني، الظاهرة بوضوح في توزير الحقائب الاقتصادية، تؤدي بالضرورة إلى تبني قيم الانفتاح على رأس المال العالمي وفتح الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية. وبدوره يعجز ذلك التبني بالتحديد عن اجتراح عدالة اجتماعية ناجزة لملايين الفقراء الإيرانيين، الذين تدعي الفصائل السياسية الإيرانية الحديث باسمهم وتمثيل مصالحهم.
تغيير داخلي عميق: انتخابات الرئاسة الإيرانية
يمثل التغيير الداخلي في إيران السمة الأساسية لعام 2013، إذ شكل الشرط الأساس للهجوم الديبلوماسي الإيراني الذي لم يكن متصوراً من دون حدوثه. كما مثل التغيير الداخلي نتيجة مباشرة للأزمة الاقتصادية، التي شكلت الدافع الأهم لملايين الإيرانيين في التصويت لمصلحة حسن روحاني بالتحديد، وليس لمرشحين أخرين أكثر شباباً مثل محمد باقر قاليباف أو سعيد جليلي. ربما يكون التغيير في المشهد الداخلي الإيراني في العام 2013 هو الأوضح والأعمق عند مقارنته بالأزمة الاقتصادية أو الهجوم الديبلوماسي النووي، لأن ما جرى في انتخابات الرئاسة الإيرانية صيف هذا العام يمكن وصفه بالتاريخي. ومرد ذلك أن نجاح روحاني في الانتخابات الرئاسية لم يمثل استبدالاً لرئيس مدني بأخر معمم، أو حتى لتيار متشدد بأخر وسطي، وإنما إسدالاً للستار على فصل من فصول التاريخ الإيراني الحديث والإعلان عن آخر.
أ. بدايات قاتمة
استهلت إيران العام 2013 بمشاكل داخلية عميقة، تمثلت في محاولات إسفنديار رحيم مشائي، صهر الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، للصعود السياسي مدعوماً من صهره وعلى الضد من رغبة المرشد. أراد أحمدي نجاد استحضار ثنائية بوتين ـ ميدفيديف في إيران، متناسياً أنه كان قد خرج فعلياً من معادلات السلطة قبل العام 2013. عكس مشائي أفكاراً تمزج بين القومية الإيرانية والمهدوية، في خليط يضرب من حيث لم يحتسب الأيديولوجيا النظامية في إيران. كان الرئيس السابق قد تجاوز خطوطاً حمراء في سياساته الداخلية وفي معارضته للمرشد، وبالتوازي مع ذلك كانت الأزمة الاقتصادية قد بلغت منحدرات غير مسبوقة مع انهيار سعر صرف العملة الوطنية بشكل قرع أجراس الإنذار. ولما كان الاقتصاد والسياسة وجهين لعملة واحدة، فقد هددت ممارسات الرئيس السابق السياسية والاقتصادية النظام الإيراني بجدية، لأن الرضاء الشعبي يعد أحد أبرز مرتكزات هذا النظام، التي هددها أحمدي نجاد وصهره. مع بدايات العام لم يكن روحاني في بؤرة الضوء ولم تتداوله التكهنات، إذ كان المفاوض النووي سعيد جليلي ومحافظ طهران محمد باقر قاليباف أبرز مرشحي الجناح المحافظ. كانت القيادة الإيرانية قد دفعت طوال السنوات الواقعة بين العامين 2009 و2013 ثمناً باهظاً لفوز أحمدي نجاد بولاية ثانية على حساب المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي. باختصار كان المشهد الداخلي الإيراني قاتماً مع بداية العام، إلا انه عاد ليتحسن بشكل ملحوظ مع انتخاب حسن روحاني رئيساً في منتصف العام.
ب. الانتخابات الرئاسية: تجديد جذري لا انقلاب
ب. الانتخابات الرئاسية: تجديد جذري لا انقلاب
مثل انتخاب روحاني تجديداً جذرياً للنظام السياسي في إيران، وقطيعة كاملة مع ثماني سنوات مثلها الرئيس السابق أحمدي نجاد اقتصاديا وسياسياً وخطابياً. ومع ذلك، يأتمر روحاني بأمر المرشد ويلتزم بخطوطه الحمراء، ما يقطع مع فرضية الانقلاب. بمعنى آخر قطع روحاني مع أحمدي نجاد وليس مع ركائز جمهورية إيران الإسلامية، وبالتالي شكل انتخابه تلطيفاً لأزمات إيران الداخلية وأملاً لملايين الإيرانيين بتحسين أوضاعهم المعيشية وبتوسيع نسبي لهامش حرياتهم الفردية والمدنية. لاحقاً اكتشف العالم أن انتخاب روحاني رئيساً لم يكن آخر مفاجأت النظام الإيراني للعالم، وإنما نقطة بدايتها. بعد انتخابة بفترة وجيزة شن روحاني هجومه الديبلوماسي، فزار مقر الأمم المتحدة في نيويورك وألقى كلمة ذكية فيها، ولم يترك أميركا إلا وقد هاتف الرئيس الأميركي باراك أوباما في تحسين واضح لصورة إيران في العالم. واستمر التحسن مع إطلاق المفاوضات النووية بين إيران والدول الست الكبرى، ثم التوصل إلى "اتفاق جنيف" في فترة وجيزة.
ج. آفاق التغيير السياسي في عام 2014
يتجاوز التغيير في المشهد الداخلي الإيراني التغيير في شخص الرئيس، حتى يطال رسم خريطة التوازنات الإيرانية الجديدة، بما يعنيه ذلك من تعديل لموازين القوى بين أجنحة النظام الإيراني. ومن الطبيعي أن تغييرا سياسيا بهذا الحجم يحمل في طياته تصعيد وتغليب لنخبة اقتصادية وسياسية ودولتية "جديدة" على أخرى "قديمة"، ما يعني في النهاية صراعا داخليا من نوع ما في طوابق الدولة الإيرانية المتوسطة والعليا. إذا سارت الأمور بالوتيرة الحالية نفسها، سيعني ذلك تعزيزاً لمواقع التيار الوسطي وخصماً من التيار المتشدد. لا يبدو الأخير سعيداً بانتخاب روحاني ودعم المرشد الواضح له، ولكن قدرة التيار المتشدد على الإيذاء تبقى عالية بسبب قدراته الاقتصادية والمؤسسية ونفوذه في الأجهزة الأمنية. سيشهد العام 2014 استمراراً لخطة روحاني في عدم المس بالمصالح الاقتصادية للتيار المتشدد، مع الحرص على كف يد هذا التيار عن دولاب السياسة الخارجية.
هجوم ديبلوماسي نووي
شكل "اتفاق جنيف" ذروة النجاح الديبلوماسي لإدارة روحاني، التي أفلحت في تحقيق اختراق لا يستهان به في المفاوضات النووية بين إيران والدول الست الكبرى، والوصول إلى "اتفاق جنيف" في المئة يوم الأولى من ولاية روحاني. نقل "اتفاق جنيف" الصراع بين طهران وواشنطن من ساحات المنطقة إلى طاولات التفاوض، مبدلاً ديناميكيات الصراع من "مباراة صفرية" بين الطرفين إلى صيغة "رابح - رابح"، في إنجاز كبير لا يمكن التهوين من شأنه.
أ. إعادة تشكيل القرار النووي
منذ انتخابه رئيساً شرع روحاني في هندسة القافلة الإيرانية المتوجهة إلى المفاوضات، عبر ترتيبات داخلية تتعلق بالتوازن في حكومته بين اعتبارات معينة. ومثل نقل التفاوض على الملف النووي الإيراني، من مجلس الأمن القومي إلى وزارة الخارجية، كفاً ليد تيارات ومؤسسات إيرانية ممثلة في هذا المجلس عن وضع العصي في دواليب المفاوضات. بمعنى أخر نقل روحاني الملف إلى يده مباشرة بالتنسيق بينه وبين المرشد السيد علي خامنئي، فاختار نقل الملف التفاوضي إلى وزارة خارجيته التي عين لها لها مندوب إيران السابق في الأمم المتحدة محمد جواد ظريف. منذ أشهر لم يسمع العالم بسكرتير عام مجلس الأمن القومي الإيراني كمفاوض، وإنما بظريف وروحاني اللذين أصبحا يتحملان المسؤولية المباشرة عن الملف. قطع روحاني من البداية مع زمن سعيد جليلي، الذي غلبه تشدده فأفلت فرصة ثمينة لإنجاح المفاوضات ربيع هذا العام، كما يعتقد بعض العالمين ببواطن الأمور في إيران. ولا يخفى في النهاية أن تحويل جهة الحسم في الملف التفاوضي مثل رسالة ذات مغزى للغرب، مفادها أن روحاني مدعوم في مفاوضاته من المرشد مباشرة، ما يعني في النهاية جدية ورغبة إيران في التوصل إلى حلول.
ب. "اتفاق جنيف" ومعانيه
ب. "اتفاق جنيف" ومعانيه
نجحت إيران في انتزاع أقصى ما يمكن الحصول عليه من العملية التفاوضية، وفقاً لتوازنات القوى الراهنة. استثمرت طهران رأس مال سياسيا قلّ نظيره في السنوات الماضية، وراهنت على عمل اختراق في جدار العداء مع واشنطن، وهو ما تكلل بـ"اتفاق الإطار"؛ الذي يمثل اتفاقاً مبدئياً على الوصول إلى تسوية شاملة للملف النووي الإيراني. تضمنت "التنازلات" الإيرانية إعادة البرنامج النووي خطوات كبيرة إلى الوراء، عبر إجراءات متكاملة ودقيقة تجعل من تحولها إلى برنامج نووي عسكري أمراً مستحيلاً في حال استمرت إيران في تبنيها في المستقبل. ويشمل ذلك قيوداً تفصيلية على نوعية اليورانيوم المخصب وكميته، أي تخفيض نسبة التخصيب التي وصلت إيران إليها والتخلي عن نصف كمية اليورانيوم المخصب بدرجة 20 في المئة وتحويل النصف الآخر إلى يورانيوم مخصب بدرجة خمسة في المئة فقط. بالإضافة إلى تجميد أية نشاطات إضافية في منشأة فردو المحصنة داخل الجبال، ومنشأة ناتانز التي تعد قلب البرنامج النووي الإيراني، ومنشأة أراك التي تعمل بالمياه الثقيلة. كما تعهدت إيران، بحسب الاتفاق، بعدم توسيع برنامجها النووي بإقامة أية منشآت نووية جديدة للتخصيب، فضلاً عن التزامها بعدم تطوير أية منشأة قائمة بالفعل وتسليم كل المعلومات الخاصة بالبرنامج إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعدم استبدال أجهزة الطرد المركزي بأخرى أكثر تطوراً وعدم انتاج أخرى جديدة إلا لأغراض استبدال المعطوبة منها.
وفي المقابل تحصل إيران على رفع جزئي للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، سواء لجهة عدم فرض عقوبات جديدة أثناء فترة التفاوض، أو لناحية السماح لإيران بالاحتفاظ بزبائنها النفطيين الحاليين، وتحريرها من العقوبات على تجارة المعادن النفيسة (إيران تبيع نفطها مقابل الذهب بسبب العقوبات ما جعله يتراكم لديها)، أو رفع العقوبات على قطاع السيارات، وصادرات إيران من البتروكيمائيات والسماح ببيع قطع الغيار لطائرات إيران المدنية، والعقوبات عن شركات النقل والتأمين. هنا تجب ملاحظة أن هذه العقوبات الثانوية المرفوعة تبقي الجسم الأساسي للعقوبات على إيران قائماً من دون تغيير جوهري مع ذلك.
وفي المقابل تحصل إيران على رفع جزئي للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، سواء لجهة عدم فرض عقوبات جديدة أثناء فترة التفاوض، أو لناحية السماح لإيران بالاحتفاظ بزبائنها النفطيين الحاليين، وتحريرها من العقوبات على تجارة المعادن النفيسة (إيران تبيع نفطها مقابل الذهب بسبب العقوبات ما جعله يتراكم لديها)، أو رفع العقوبات على قطاع السيارات، وصادرات إيران من البتروكيمائيات والسماح ببيع قطع الغيار لطائرات إيران المدنية، والعقوبات عن شركات النقل والتأمين. هنا تجب ملاحظة أن هذه العقوبات الثانوية المرفوعة تبقي الجسم الأساسي للعقوبات على إيران قائماً من دون تغيير جوهري مع ذلك.
ج. آفاق الملف النووي في العام 2014
لم تنته المباراة النووية بين إيران والغرب بعد، إذ سينتقل الملف النووي الإيراني إلى أروقة الكونغرس، حيث ستحاول الأطراف الإقليمية المتضررة منه عرقلة رفع العقوبات على إيران، وبالتالي حرمان أوباما من الوفاء بالتزاماته بموجب "اتفاق جنيف". سيظل الملف النووي محوراً للمحادثات خلال الأشهر الستة من العام 2014 بحسب مضمون الاتفاق، وفي حال نجاح الخطوة الأولى من الاتفاق سينتقل المتفاوضون إلى الخطوات اللاحقة، ما يعني أن المفاوضات النووية بين إيران والغرب ستظل حاضرة على أجندة الاهتمام الدولي طيلة العام المقبل تقريباً. ومع ذلك فمن المرجح أن يشهد العام 2014 اهتزازات تفاوضية، بسبب الخلاف المتوقع بين طرفي الاتفاق على تفسير بنوده وأيضاً بسبب الضغوط الداخلية والإقليمية على طرفي الاتفاق. لم تصل إيران إلى خط النهاية في سباق المفاوضات النووية، فما زال الشوط طويلاً لكنها حسنت مواقعها بوضوح لافت عند نهاية العام الحالي مقارنة بتلك عند بداية العام.
الخلاصة
تشكل بدايات العام 2014 تقدماً ملحوظاً في الأوضاع الداخلية الإيرانية مقارنة بمطلع العام الحالي، إذ ان حكومة روحاني أفلحت نسبياً في ترميم النظام السياسي في إيران وصدقيته أمام الإيرانيين والعالم. غيرت إدارة روحاني صورة إيران في العالم، بعدما أحدثت اختراقاً نوعياً في جدار العزلة مع واشنطن، ستحاول أن تبني عليه في العام المقبل لمواصلة تفكيك نظام العقوبات المفروضة على إيران. ومع ذلك ستظل الأزمة الاقتصادية قائمة ومؤثرة في حياة ملايين الإيرانيين، وكذلك في اعتبارات صناع القرار في طهران في مفاوضاتهم مع الغرب. لا تبدو الأزمة الاقتصادية في طريقها للحل في العام 2014 لاعتبارات تتعلق بتوقيتات التفاوض على الحل النهائي، وبالتالي النجاح في رفع العقوبات كلية، وأيضاً بالتوجهات الاقتصادية ـ الاجتماعية لحكومة روحاني، التي تتبنى سياسات اقتصادية متصادمة حكماً مع اعتبارات العدالة الاجتماعية.
تشكل بدايات العام 2014 تقدماً ملحوظاً في الأوضاع الداخلية الإيرانية مقارنة بمطلع العام الحالي، إذ ان حكومة روحاني أفلحت نسبياً في ترميم النظام السياسي في إيران وصدقيته أمام الإيرانيين والعالم. غيرت إدارة روحاني صورة إيران في العالم، بعدما أحدثت اختراقاً نوعياً في جدار العزلة مع واشنطن، ستحاول أن تبني عليه في العام المقبل لمواصلة تفكيك نظام العقوبات المفروضة على إيران. ومع ذلك ستظل الأزمة الاقتصادية قائمة ومؤثرة في حياة ملايين الإيرانيين، وكذلك في اعتبارات صناع القرار في طهران في مفاوضاتهم مع الغرب. لا تبدو الأزمة الاقتصادية في طريقها للحل في العام 2014 لاعتبارات تتعلق بتوقيتات التفاوض على الحل النهائي، وبالتالي النجاح في رفع العقوبات كلية، وأيضاً بالتوجهات الاقتصادية ـ الاجتماعية لحكومة روحاني، التي تتبنى سياسات اقتصادية متصادمة حكماً مع اعتبارات العدالة الاجتماعية.
اجتهدت إيران في مفاوضاتها النووية وأفلح المفاوضون الإيرانيون في انتزاع أقصى ما يمكن الحصول عليه من مكاسب في ضوء توازنات القوى الدولية، ولكن ذلك يعد جزءاً من الصورة وليس الصورة كلها. ومرد ذلك أن نهايات الاتفاق الأميركي ـ الإيراني ليست معلقة في رقبة روحاني وحده، وإنما ترتهن باعتبارات تقع خارج سيطرته الفعلية. فمن المعلوم أن الحسم يجري في الكونغرس الأميركي، الذي يملك رفع العقوبات على إيران وتسهيل مهمة الرئيس الأميركي المفاوض باراك أوباما أو إفشالها. هناك يتربص النواب المرتبطون بمجموعات الضغط التابعة لدول شرق أوسطية حليفة لواشنطن، بالتقارب الأميركي ـ الإيراني ولن يوفروا فرصة لتخريبه. بمعنى أن نجاح الحل التفاوضي للملف النووي، الذي بنى عليه روحاني الأمل في تحسين الأزمة الاقتصادية وفي تغيير موازين القوى الداخلية لمصلحته، يرتهن بتوازنات أميركية داخلية قبل أن يرتهن بنيات إيران وبراعتها التفاوضية. في كل الأحوال ستدخل إيران العام الجديد 2014 بأفضل مما دخلت العام الحالي، وستستمر على الأرجح في استقطاب الاهتمام الإقليمي والدولي بمفاوضاتها مع الدول الست الكبرى خلال العام 2014. لا يعني ذلك أن النجاح مضمون لإدارة روحاني، لكن نجاحاتها الخارجية في العام 2013 ستغطي إلى حين على مفاعيل الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد وحتى إشعار أخر.