الغضب وحده لا يكفي ...
2019-11-28
السلطة عند منعطف، لا يمكن البقاء عنده طويلاً دون اتخاذ القرار السياسي الصائب
■ أعادت مسيرات وتحركات الغضب، يوم الثلاثاء في 26/11/2019، وحدة الموقف الوطني، الرسمي والشعبي، ضد صفقة ترامب ـ نتنياهو، وضد تداعياتها المتدحرجة، وآخرها موقف بومبيو، وزير خارجية ترامب، إسباغ الشرعية الأميركية على مشاريع الاستيطان والضم، والادعاء أنها لا تخالف القوانين الدولية. تجلت هذه الوحدة، في المناطق المحتلة وفي مناطق 48 والشتات والمهاجر. كما لقيت تأكيداً متفاوتاً في حرارته وجديته، من الشعوب والأنظمة العربية، ودول غربية ومسلمة، وحتى دوائر أميركية، ما يؤكد مرة أخرى، قوة القضية الوطنية الفلسطينية وقوة المنطق الوطني الفلسطيني، وقوة قرارات الشرعية الدولية، عند الاحتكام إليها، كمعيار وأساس في محاكمة الاحتلال وإجراءاته، ومحاكمة مشاريع الحلول ومن ضمنها مشروع ترامب ـ نتنياهو.
ترافقت هذه المسيرات مع سلسلة من الانتصارات الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حين صادقت لجانها المتخصصة على القرارات، مؤكدة على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، والحرية، والاستقلال، وعودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها، وإدامة عمل وكالة الغوث (الأونروا) وإدامة تمويلها، إلى أن تجد قضية اللاجئين طريقها إلى الحل وفقاً لقرارات الشرعية الدولية التي تكفل للاجئين حق العودة إلى الديار والممتلكات.
وبالتالي، يمكن القول إن الظروف السياسية الموضوعية، إن على الصعيد الداخلي الفلسطيني، أو العربي، أو الدولي، مؤهلة، بنسب متفاوتة طبعاً، تشكل في مجموعها قوة دفع ودعم لمسيرة النضال الوطني الفلسطيني، وخاصة في ظل انشغال النظام السياسي الإسرائيلي بأزمته، بعد أن فشل في دورتين انتخابيتين في تشكيل حكومة جديدة، وأحيل رئيس حكومة تصريف الأعمال، رئيس حزب الليكود، إلى القضاء بتهم فساد وخيانة الأمانة، وفي ظل انشغال رئيس الولايات المتحدة في معركة الكونغرس لعزله.
* * *
كل هذه الإيجابيات تصب بالضرورة في خدمة القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية، لكن الخاصرة الرخوة في هذا كله، ليست الحركة الشعبية التي تقدم كل يوم دليلاً إضافياً على مدى استعدادها لخوض المعارك الفاصلة مع دولة الاحتلال، وليست فصائل العمل الوطني، لا في القطاع، وقد أبلت مقاومتها بلاءً حسناً ضد العدوان الإسرائيلي، ولا في الضفة الفلسطينية، التي تواصل كفاحها رغم الضغوط السياسية والأمنية المركبة في مواجهتها، إن على يد قوات الاحتلال أو على يد الأجهزة الأمنية.
الخاصرة الرخوة في هذا كله هي السلطة الفلسطينية وقيادتها التي بيدها زمام القرار السياسي. وهي التي تمارس صلاحياتها ـ للأسف ـ في تعطيل القرار السياسي الفلسطيني، وتبقي مجمل الحالة الفلسطينية في مربع المراوحة في المكان، ومربع التردد، والرهان على حسابات واحتمالات لا تملك الحد الأدنى من إمكانية نجاحها. بل تثبت التجارب المرة أنها حسابات خاسرة، واحتمالات فاشلة، وأن الرهان عليها يلحق الضرر بالقضية والحقوق، والأخطر أن من شأن هذا الرهان أن يزرع اليأس في النفوس، وأن يضعف اليقين بإمكانية الخلاص من الاحتلال، والاستيطان، وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة، وأن يقدم، إلى الرأي العام، صورة مشوهة عن جدارة الشعب الفلسطيني بإقامة مؤسساته الوطنية، وإدارته شؤونه بنفسه.
* * *
من أهم الأسئلة التي طرحتها الدعوة إلى يوم الغضب، هو، هل يتحول يوم الغضب إلى انتفاضة جديدة؟! والسؤال وجيه، ويستحق أن يطرح على الدوام على بساط البحث، بعدما بينت التجارب أن الانتفاضة والمقاومة الشعبية هي السبيل للخلاص الوطني. لكن وجاهة السؤال تصطدم بواقع الحال، الذي يقول إن العامل الذاتي لانطلاق الانتفاضة لم يتوفر حتى الآن، أي بتعبير آخر، إن ما يعطل هذه الخطوة التاريخية، هي قوة الشد العكسي التي تشكلها السلطة الفلسطينية.
• فبرفضها سحب الاعتراف بإسرائيل، رغم قرار المجلس الوطني الفلسطيني، يعتبر قوة شد عكسي في مواجهة الحالة الجماهيرية. قرار المجلس يدعو إلى سحب الاعتراف بإسرائيل إلى أن تعترف بالدولة الفلسطينية، وتوقف الاستيطان. وبومبيو يعترف بشرعية الاستيطان. السلطة في هذا السياق، أجهضت الفرصة التاريخية المناسبة لتنفيذ قرار المجلس الوطني. ويخطئ من يعتقد أن مثل هذه السياسة من شأنها أن لا تحبط الحالة الشعبية.
• وبرفضها وقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال. ألا تدرك السلطة أن البعض يتهمها بالتعاون الأمني مع سلطات الاحتلال، في مواجهة النشطاء السياسيين الشباب في الضفة الفلسطينية. مثل هذا التنسيق يشكل هو الآخر عامل إحباط.
• والأمر نفسه يقال عن إغراق السوق الفلسطينية بالبضائع الإسرائيلية، أية حرب استقلال هذه، التي توفر لدولة الاحتلال سوقاً استهلاكية من الطراز الممتاز، تصل قيمة تعاملاته حوالي 6 مليارات دولار.
إذا كانت الحالة الجماهيرية مصابة ببعض الإحباط، فليست الفصائل هي السبب، كما حاول البعض أن يغمز من هذه القناة. السلطة هي مصدر هذا الإحباط.
إذا كانت شرائح واسعة لم تلبِ الدعوة لمسيرة الغضب، فليس لأنها افتقرت إلى الروح الوطنية، وفقدت استعدادها للمواجهة. السلطة، هي المعنية بإخفاق الروح المعنوية لهذه الشرائح.
وبالتالي إذا كانت السلطة جادة حقاً في مواجهة التحديات والمخاطر، وجادة في مجابهة صفقة ترامب ـ نتنياهو، ومجابهة سياسات بومبيو، ومجابهة سياسات الضم الزاحف، عليها أن تحدث النقلة المطلوبة، أي في إعادة الحياة إلى مؤسسات م. ت. ف، عبر إعلاء قرارات المجلس الوطني الفلسطيني (الدورة 23) والمجلس المركزي (الدورتان 27 + 28) وإعادة الاعتبار للجنة التنفيذية، بما هي القيادة الوطنية الائتلافية للحالة الفلسطينية، وإنهاء سياسات التفرد بالقرار، وتهميش الشارع ومؤسساته الوطنية، وإنهاء سياسة الرهانات الهابطة والفاشلة. إن الرهان على أوسلو، أو على دعم خارجي.
السلطة أمام منعطف. وتخطئ إن هي اعتقدت أنه يمكن لها البقاء طويلاً عند المنعطف دون اتخاذ القرار السياسي الصائب ■