الذي لايزعج كيري-محمد السهلي
2014-01-18
* تل أبيب التي حصلت على الكثير في مضمون «اتفاق الاطار» تسعى عبر التجاذبات مع واشنطن للحصول على الكثير أيضا
شهدت العلاقات الأميركية ـ الاسرائيلية تجاذبات على وقع التصريحات التي أطلقها وزير الدفاع الاسرائيلي موشيه يعلون ووجه فيها اهانات شخصية لوزير الخارجية الأميركي جون كيري واصفا إياه بـ «الساذج».
وعلى الرغم من أن الاعلام الاسرائيلي قال إن يعلون اعتذر من كيري لكنه أكد في الوقت نفسه أن يعلون وعلى الرغم من الاعتذار لم يتراجع عن اعتراضاته الحادة على المقترحات التي قال بها كيري في سياق بلورته لـ«اتفاق الاطار» الذي ينوي تقديمه إلى الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي.
وفيما حذرت أوساط سياسية وإعلامية في اسرائيل من مغبة تعريض العلاقات بين واشنطن وتل أبيب للخطر، تساءل مراقبون عن أهداف يعلون وغيره من وراء التصعيد ضد كيري، وفيما إذا كانت هناك فعلا مخاوف اسرائيلية جديّة من مضمون«اتفاق الاطار» المذكور، مع أن كل ما طرح حتى الآن يصب في مصلحة السياسة التوسعية الاسرائيلية.
يشكك يعلون في إمكانية نجاح الجهود الأميركية في الوصول إلى صيغة تتطابق مع المصالح الاسرائيلية «العليا» وخاصة في ملف الأمن، بحيث يعتبر وزير الدفاع الاسرائيلي أن الصيغة الفضلى بالنسبة لتل أبيب تجاه هذا الموضوع هو أن تتولى عبر أجهزتها الأمنية والعسكرية مسؤولية الأمن في الضفة الفلسطينية، وباستمرار احتلال مناطق واسعة من الضفة وعلى نحو خاص على امتداد غور الأردن. كما أنه(يعلون) يرفض كمعظم أقطاب الحكومة الاسرائيلية أي حديث عن تقسيم القدس.
لكن، وعلى الرغم من إيراد هذه الاعتراضات، فإن مراقبين رأوا أن التصعيد الاسرائيلي في مواجهة كيري يشير إلى مؤشرات عدة أبرزها:
* بعد أن حصلت تل أبيب على موافقة أميركية وتطابقت مع واشنطن تجاه أفق حل عدد من القضايا الأساسية في الصراع، فإنها تسعى لأن تحسم قضايا أخرى لصالحها لاتزال قيد البحث، وتخشى منأن تميل واشنطن للبحث فيها عن حلول وسط.
فتل أبيب حسمت مع واشنطن الموقف من حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها إبّان النكبة، وبدأ الحديث منذ الآن على لسان الأوساط المحيطة بوزير الخارجية الأميركي عن «لم شمل رمزي» لأبناء الجيلين الأول والثاني من اللاجئين. فيما يكون حل قضية عموم اللاجئين الفلسطينيين عبر مشاعيع التوطين والتشتيت، وبالتالي إغلاق الباب على هذه القضية عند هذه الحدود.. لا أكثر.
كما حسمت تل أبيب مع واشنطن موضوع الاستيطان من زاويتين.
تتعلق الأولى بمستقبل الاستيطان القائم الآن في الضفة وباتجاه ضمه دون الحديث حتى عن تبادل أراضي كما كان يتم تداوله سابقا. وفي الزاوية الثانية، حصلت تل أبيب من واشنطن على «غض نظر» تجاه التوسع الاستيطاني. ويتجلى ذلك بوضوح مع العطاءات الاستيطانية الأخيرة في القدس وأنحاء الضفة، وقد أُعلنت في الوقت الذي كان فيه وزير الاستيطان الاسرائيلي أوري أرئيل في زيارة لواشنطن.
حتى في موضوع الأمن، فقد طرح كيري على المفاوض الفلسطيني ضرورة الموافقة على بقاء جيش الاحتلال في غور الأردن، إلى أن تصبح أجهزة الأمن الفلسطينية ذات قدرة علة حفظ الأمن على الحدود مع الأردن.. وهذا يرتبط بالأساس بالمطلب الاسرائيلي الذي أُعلن سابقا بهذا الخصوص ورفضه الجانب الفلسطيني مطالبا بوجود طرف ثالث يتولى ملف الأمن لفترة مؤقتة.
لكن يعلون يعترض على الطرح الأميركي بضرورة تأمين أجهزة مراقبة متطورة تساهم في متابعة الأوضاع الأمنية في الضفة، مخافة أن يؤدي التوافق على هذا الاقتراح إلى التشكيك بضرورة استمرار وجود الجيش الاسرائيلي والأجهزة الأمنية لتل أبيب في تلك المناطق على نحو دائم.
تل أبيب التي حصلت على الكثير مما تتطلع إليه في الأسس المفترض توافرها في صيغة وآليات «اتفاق الاطار» تجد أنه من الممكن الحصول على الكثير أيضا، والضغط الذي تسعى تل أبيب لممارسته على الإدارة الأميركية متعدد الوسائل كان آخرها ما عممته وسائل الاعلام العبرية من نتائج استطلاعات رأي أظهرت أن معظم الاسرائيليين «يكرهون كيري» في محاولة لإشعار الادارة الأميركية أن الاعتراضات على بعض مضامين اتفاق الاطار لا تأتي من مصدر سياسي وحزبي في المشهد الاسرائيلي، بل من الجمهور الاسرائيلي العريض الذي ـ بحسب الرسالة التي تود حكومة نتنياهو إيصالها إلى واشنطن ـ يشعر بأن الادارة الأميركية منحازة لصالح الفلسطينيين !.
تضع حكومة نتنياهو مجموعة من الشروط التي يجب على المفاوض الفلسطيني القبول بها كي تتجه المفاوضات نحو حل ناجز ـ من وجهة النظر الاسرائيلية. وأبرز هذه الشروط:
* اعتراف فلسطيني رسمي ومعلن بيهودية دولة اسرائيل، وفي هذا السياق تطالب بأن تمارس واشنطن ضغوطا كبيرة ومتواصلة على المفاوض الفلسطيني كي يقبل بذلك.
*شطب مدينة القدس من التداول، والنزول عند المطلب الاسرائيلي باعتبارها مدينة موحدة وعاصمة أبدية لاسرائيل.
*الابتعاد بشكل نهائي عن ذكر حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 كأساس لقيام الدولة الفلسطينية التي يجب البحث في حدودها وفق الاعتبارات التوسعية الاسرائيلية، أي أن تكون خريطة الاستيطان المرشحة للتوسع هي الاساس لترسيم حدود هذه الدولة.
ويرى معظم المراقبين أن تل أبيب ستواصل انتقادها لجهود كيري، ويتوقعون تصاعد هذه الانتقادات مع اقتراب تقديم مضمون «اتفاق الاطار» إلى الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي. وعلى الرغم من أن عددا من أقطاب الحكومة الاسرائيلية انتقدوا تصريحات يعلون ضد كيري، إلا أنهم صبوا هذه الانتقادات خانة رفض التهجم الشخصي على الوزير الأميركي، دون أن يعارضوا الانتقادات التي وجهها يعلون إلى مقترحات كيري بخصوص «اتفاق الاطار». وهؤلاء رأوا ضرورة الابتعاد عن تعريض العلاقات الأميركية ـ الاسرائيلية للخطر على أساس أن الولايات المتحدة هي « الذخر الاستراتيجي لاسرائيل».
الملفت للانتباه هو الانزعاج الأميركي الحاد من الاهانات الشخصية التي وجهت للوزير كيري ، في الوقت الذي لم تبد واشنطن انزعاجا ملحوظا من مواصلة اعلان العطاءات الاستيطانية في القدس والضفة الفلسطينية ، على الرغم من أن واشنطن تكرر إعلاميا أنها تعتبر الاستيطان « غير شرعي» ! .. إنها الادارة الأميركية .. ليس إلا..