ثلاث خطوات على المفاوض ألا يخطوها-معتصم حمادة
2014-01-30
بلا مقدمات ملموسة، انتقلت تسيبي ليفني، وزيرة القضاء الإسرائيلي، ورئيس الوفد المفاوض، إلى التهديد، حين لوّحت للرئيس الفلسطيني محمود عباس بعقاب صارم، وبدفع ثمن باهظ إن هو بقي على رفضه الاعتراف «بيهودية دولة إسرائيل». وهو ما يتيح لنا أن نتوقف لنقترح على الرئيس عباس، وقد تجاهل تهديدات ليفني، أن يرفض ثلاث خطوات وردت في وثيقة كيري (غير المكتوبة حتى الآن) والتي تأتي تلبية لحاجة إسرائيل ومواقفها.
· الخطوة الأولى عدم الاعتراف بيهودية إسرائيل. فالمسألة تتجاوز قضية مستقبل الوجود الفلسطيني داخل إسرائيل، وفتح باب الهجرة الجماعية أمامهم نحو تخوم الدولة الفلسطينية (على خطورة ذلك)، كما تتجاوز مسألة حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى منازلهم وأملاكهم التي هجروا منها منذ العام 1948(على خطورة ذلك أيضاً). تتجاوز هاتين القضيتين، على خطورتهما الشديدة جداً، لتطال، كذلك إعادة صياغة الرواية التي تربط بين المشروع الصهيوني، والمشروع الوطني الفلسطيني. فتصبح فلسطين هي:
- (باعتراف الفلسطينيين أنفسهم) أرض بني إسرائيل. ويصبح اليهود هم الضحية في الصراع الدائر، والفلسطينيون هم الجانب المعتدي الذي «احتل»، عبر التاريخ، هذه الأرض، ويتحول الاحتلال الإسرائيلي إلى تحرير للأرض اليهودية، ونتبادل مع الجانب الآخر الأدوار، ليصبح تقرير المصير حقاً يهودياً، وليس حقاً فلسطينياً، ونضطر للاعتذار من الجانب اليهودي، عما ألحقناه به من عذابات وآلام، وخسائر مادية ومعنوية، وتصبح مطلوباً منا، ليس فقط التنازل عن الأرض، التي هي، حسب يهوديتها، ليست أرضنا، بل أن نضيف إلى ذلك دفع التعويض لليهود عمّا لحق بهم من أذى معنوي ومادي، بفعل طول الاحتلال الفلسطيني لأرض بني إسرائيل اليهودية. ونعتقد أن مثل هذا الانقلاب الجذري، في المواقع والأدوار، سوف يعكس نفسه بالضرورة على كل مجرى العملية الدائرة، وعلى موقع كل فرد في الشعب الفلسطيني، وموقعه في القضية الوطنية، التي لن تعود، في ظل الاعتراف بيهودية إسرائيل سوى ادعاء وتزوير فلسطيني للتاريخ. نصبج نحن في موقع الحركة الصهيونية كما نقرأ هذه الحركة في أدبياتنا الوطنية، ويصبحون هم، حركة التحرر الوطني، كم نقرأ هذه الحركة – كذلك – في أدبياتنا الوطنية.
· الخطوة الثانية الواجب رفضها بشدة، هي مبدأ تبادل الأرض، حتى ولو تمّ الاعتراف بخطوط حزيران 67 كأساس للمفاوضات. فمجرد الموافقة على مبدأ التبادل، سيعني شطب هذه الخطوط وسيتحول هذا التبادل – إلى تشريع لحق إسرائيل (الاحتلال الكولونيالي) في الاستيلاء على الأرض الفلسطينية بدءاً بمدينة القدس (ربطاً بيهوديتها المزعومة كما يرد في الخطوة الأولى المذكورة أعلاه) مروراً بالحاجات الأمنية لإسرائيل (ما يبرر مثلاً ضمّ غور الأردن وبقاء الاحتلال رابضاً على سكانه وأرضه) وصولاً إلى ضمّ المستوطنات، بدعوى عدم إبقاء وجود يهودي عسكري ومدني داخل الدولة الفلسطينية. مبدأ تبادل الأرض يحول الأرض الفلسطينية بحدود 67، أرضاً متنازعاً عليها، وينفي عنها الصفة أنها أرض محتلة. ويحول المفاوضات إلى صيغة تنافسية في الادعاءات والتأكيدات، حتى يثبت كل طرف أنها أرضه. أما الاعتراف مسبقاً بأن الوجود الإسرائيلي هو في الواقع احتلال، كولونيالي، استعماري، وتطبيق مبادئ حقوق الإنسان، وميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ القانون الدولي، ومبدأ عدم جواز الاستيلاء على أرض الغير، على صيغة الحل المطلوب لإنهاء الاحتلال، سيكون معناه انسحاب إسرائيل، وخروج جيشها ومستوطنيها من كامل الأرض الفلسطينية المحتلة بحدود الرابع من حزيران 67، بما في ذلك القدس الشرقية المحتلة، عاصمة الدولة الفلسطينية، المستقلة، كاملة السيادة، ذات الإقليم الجغرافي المتصل، والذي لا تمزقه لا مستوطنات، ولا طرق إلتفافية، ولا معابر، ولا أنفاق ولا جسور، ولا حواجز عسكرية أو سواتر ترابية إسرائيلية.
· الخطوة الثالثة: رفض معايير كلينتون لحل قضية اللاجئين كما قدمها في مفاوضات كامب ديفيد (تموز/ يوليو 2000) وفي طابا (2001). وقد تبناها مؤخراً وزير الخارجية الأميركي جون كيري، لتكون جزءاً من اتفاق الإطار. معايير كلينتون أربعة هي: 1) توطين اللاجئين في البلد المضيف. 2) توطينهم في بلد ثالث. 3) توطينهم في مناطق الدولة الفلسطينية. 4) عودة بضعة آلاف منهم إلى إسرائيل بشروط معينة في إطار عملية جمع شمل وليس تطبيقاً لحق العودة كما هو وارد في القرار 194. وكما اتضح، فقد أسقط كيري البند الرابع في معايير كلينتون بناء على طلب حكومة نتنياهو، لتصبح معاييره ثلاثة ، وكلها تقوم على إسقاط حق العودة، بعد أن يعترف الفلسطينيون أن تطبيقه لم يعد أمراً واقعياً في ظل التطورات المستجدة وفي ظل يهودية إسرائيل. يستكمل هذا الحل، بالتعويض على الدول المضيفة، وعلى اللاجئين، من صندوق دولي تساهم الجهات المانحة في تأسيسه، أكدت إسرائيل، آنذاك، رفضها المساهمة في تمويله، حتى لا يقال أنها عوضت عن مسؤوليتها عن خلق قضية اللاجئين، عبر حربها العدوانية عام 1948 ضد الشعب الفلسطيني واستيلائها على أرضه. الأوضاع السائدة، في ظل موازين القوى القائمة حالياً، تؤكد بلا أدنى شك، أن المفاوض الفلسطيني لا يستطيع أن يفرض على الجانب الإسرائيلي القبول بعودة اللاجئين إلى منازلهم وديارهم تطبيقاً للقرار 194. لكن إذا كان المفاوض الفلسطيني لا يستطيع أن يوفر للاجئين الفلسطينيين تطبيق هذا الحق، في ظل العملية الراهنة، فإن هذا لا يرغمه، على الإطلاق، على أن يقبل بالحلّ البديل، أي التوطين. التمسك بالثوابت والحقوق الوطنية يفترض عدم التنازل عن حق العودة. وقد أحسن الرئيس عباس حين اعترف أن هذا الحق هو حق فردي لكل لاجئ، له وحده حرية التصرف به، ولا يحق للمفاوض الفلسطيني أن يفاوض عليه، ولا يحمل من اللاجئين، جماعة، وأفراداً، تفويضاً بذلك. إن التنازل عن حق العودة، فضلاً عن كونه تنازلاً عن حق جوهري من الحقوق الوطنية الفلسطينية، ومكون رئيس من مكونات القضية الوطنية، هو في حقيقته اعتراف بيهودية دولة إسرائيل، وبأن الأرض التي قامت عليها هذه الدولة، بقرار ظالم من الأمم المتحدة، هي أرض إسرائيلية وأن القرار المذكور لم يعد ظالماً. الظلم الحقيقي، هو في القبول بحل بديل لحق العودة يقوم على التوطين والتهجير والتعويض. ويفترض، في هذا السياق، شطب الفكرة الإسرائيلية التي تدعي أنه بعد الاتفاق على قضايا الحل الدائم، سوف تسقط أية مطالب إضافية لدى الطرفين، والمفهوم من هذه العبارة هو مسألة التخلي عن حقوق اللاجئين بما في ذلك حق العودة.
هذه خطوات ثلاث، أن رفض المفاوض الفلسطيني أن يخطوها، ضمن موقفاً تفاوضياً فيه من الوضوح والصراحة والتماسك ما يقود إلى وضع النقاط على الحروف، بانتظار أن يكشف كيري عن أوراقه.