الضفة : بعد كورونا ليس كما قبله
في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بكورونا تنشغل إسرائيل بمناقشة خارطة «الضم»
■ هل بعد أن ننتصر على كورونا، ونستعيد حياتنا الطبيعية، ستكون الأمور كما كانت عليه قبل موجة كورونا؟ وهل ستكون العلاقة مع سلطات الاحتلال كما كانت علية قبل هجوم الوباء؟
تكمن خلفية هذا السؤال في التالي :
في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بإعادة تنظيم صفوف لمواجهة الوباء, ويعيد هندسة حياته اليومية بما يتناسب والخلاص منه, وتجاوز مخاطره, ويعيد هندسة بعض صناعاته لأجل تلبية احتياجاته لمعركة الفوز ضد الكورونا،.. في هذا الوقت, تندفع أحزاب اليمين الإسرائيلي في مشاوراتها لبحث مصير مناطق السلطة الفلسطينية, في ظل الحكومة الجديدة التي يتفاوض نتنياهو وغانتس على تشكيلها.
ثمة خلافات بين الجانبين وهي تدور حول مكاسب خاصة بكل طرف, كما تستند الى التخطيط لمرحلة يمثل فيها نتنياهو أمام القضاء. لذلك لا غرابة أن يكون مصير وزارة العدل (القضاء) هو موضع التنازع بين الطرفين و أن يكون الجهاز القضائي وإعادة تشكيله موضوعاً آخر للتنازع.
لكن ثمة نقاط اتفاق تتحدث وسائل الإعلام عن التوصل إليها، في مقدمتها مسألة «الضم».
علينا أن نلاحظ (أولاً) أن الاثنين متفقان على مبدأ الضم. أي ضم أراضي الضفة الفلسطينية إلى دولة الاحتلال. وأن الضم لم يعد موضع خلاف, بل بات من «الثوابت الوطنية» لدى ائتلاف الاحزاب الإسرائيلية اليمين, واليمين المتطرف، وحتى الذين غادروا مواقعهم في ما كنا نسميه «الوسط» أو« يسار الوسط» في الخارطة الحزبية الصهيونية.
وعلينا أن نلاحظ (ثانياً) أن الطرفين متفقان على عدم «السماح» بقيام دولة فلسطينية، تشكل «حاجزاً» لإسرائيل مع حدودها مع الأردن.
سابقاً كانت إسرائيل تطالب «بحقها» في الانتشار على طول الحدود مع الأردن، بذريعة مجابهة الخطر العراقي في عهد الرئيس الراحل الأسبق صدام حسين .
الآن تتذرع إسرائيل بما تسمية الخطر الإيراني القادم إليها من الشرق, ودوماً عبر العراق. وحتى لو زال الخطر الإيراني الذي تتحدث عنه إسرائيل، فإنها لابد أن تبتدع ذريعة أخرى. فالهدف الحقيقي، كما تكشف عنه الدوائر الإسرائيلية، هو الاستيلاء على منطقة الأغوار، باعتبارها المنطقة الأغنى بالمياه، والأرض الخصبة. وقد بنت إسرائيل اقتصادها على أسس من بينها نهبها للأرض الفلسطينية، ما فوقها وما تحتها. وتدرك إسرائيل إن إعادة الأرض لأصحابها الفلسطينيين, وعودتها إلى خطوط 4 حزيران 67، معناه عودتها إلى دولة مستقبلها الذوبان في المحيط الفلسطيني والمحيط العربي خاصة وأن الفلسطينيين لا يكفون عن تأكيدهم التمسك بحق العودة إلى الديار والممتلكات، وبحقهم بدولة مستقلة وبحقهم في إسرائيل، كأقلية قومية، بمواطنة تحفظ لهم هويتهم الوطنية الفلسطينية. وهي كلها مطالب تكفلها الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي، وتدرك إسرائيل أنها، وهي ترفض هذا كله، فإنما تتكئ بقوة على الدعم الأمريكي.
* * * *
الدعم الأمريكي بات هذه المرة له طابع خاص. ففي ظل إدارة ترامب، تغيرت «الرؤية» الأميركية للحل في المنطقة. وبدلاً من أن تكون «رؤية يتوافق عليها الطرفان في مفاوضات ترعاها واشنطن»، كما كانت تدعي الإدارات الأميركية السابقة، (ويتواطأ معها في ذلك المفاوض الفلسطيني)، باتت الآن تطرح «رؤيتها» هي للحل، أي رؤية الرئيس ترامب التي توافق عليها مع رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو. ومن المفيد أن يبقى ماثلاً في الذاكرة، على الدوام، أن «رؤية ترامب» هي ترجمة أميركية لمشروع إسرائيل الكبرى كما دعا له نتنياهو، تحت تسميات عديدة، مرة من خلال «الاقتصاد مقابل السلام» ومرة من خلال «السلام مقابل السلام»، ومرة ثالثة من خلال «الحل الإقليمي مدخل إلى السلام»، (ويبدو أنه حقق في المرة الثالثة مكاسب لا يجب التقليل من شأنها).
وبالتالي، يمكن أن نخلص أن الدعم الأميركي سيكون للطرف الإسرائيلي الذي سيتبنى «رؤية ترامب» ويعمل على تنفيذها. فترامب لن يقبل بأن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، وبحيث يعود راعياً لمفاوضات تشكل استكمالا لاتفاق أوسلو. فترامب يرى أن أوسلو حافل بالعقد التي تعطل الوصول إلى السلام، لذلك «حلّ» هذه العقد بقرارات شخصية. /القدس/اللاجئون/الاستيطان/الجولان/وكالة الغوث/الدولة الفلسطينية/...
وإذا كان ترامب يبدو منهمكاً في حربه ضد كورونا،[ حربه الخاصة وفق رؤيته الخاصة التي ستسمح لكورونا التهام ربع مليون أميركي ممن يراهم ترامب عالة على المجتمع الأميركي] ، فإنه ليس منهمكاً لدرجة أنه أشاح بوجهه عن منطقة الشرق الأوسط.
فلقد وجد الوقت الكافي ليحضر مع الرياض القمة الافتراضية لمجموعة العشرين، وأن يواصل تطبيق ما صدر عنها.
كما وجد الوقت الكافي ليلعب دور الوسيط في معركة النفط بين روسيا والعربية السعودية، بآثارها المدمرة على إنتاج بلاده من الزيت الصخري.
كذلك وجد الوقت الكافي ليتابع سعر صرف الدولار، والقواعد الجديدة لمنح القروض للمواطنين لضخ المال في شرايين الاقتصاد الأميركي حتى لا تجف قيمتها.
ولا نعتقد، وهو يدير أوضاع المنطقة بفريق يترأسه كوشنير، ويدعمه في ذلك سفير خبيث وداهية يدعى ديفيد فريدمان، لن يكون معنياً بمفاوضات الحكومة الجديدة، بل أن محمد بركة، الشخصية الوطنية المعروفة في الـ 48 استنتج باكراً أن انقلاب غانتس على حلفائه، وذهابه إلى نتنياهو كان نزولاً عند ضغوط الإدارة الأميركية.
ويبدو أن هذه الضغوط هي السلاح الذي سيلجأ إليه نتنياهو، لفرض «رؤيته» (رؤية ترامب) لمشروع الضم. ولا غرابة أن نقرأ أن نتنياهو «هدد» غانتس بأنه سيشكوه لترامب إن هو حاول أن يخالف خرائط الضم كما رسمها الفريق الأميركي، الإسرائيلي المشترك، الذي أشرف كل من ترامب ونتنياهو، شخصياً على تشكيله.
إذن معركة الفلسطينيين ضد كورونا في ذروتها وربما كان القادم أقسى.
ومعركتهم ضد الاحتلال مازالت هي الأخرى في ذروتها. لكن ما يضعف موقفهم أن كورونا قهرت جزءاً كبيراً من قدرتهم على الحركة، وأعادت ترتيب أولوياتهم. كما أعادت أولويات العالم كله باستثناء، إلى حد ما، الفهم الإسرائيلي لضم الضفة.
لذلك، نختم، كما بدأنا بالسؤال نفسه: هل ستكون الأمور بعد الانتصار على كورونا، كما كانت عليه قبل موجة الوباء؟
وكيف سننتصر على الاحتلال، كما أننا منتصرون لا محالة على الوباء؟