فلسطينيو سوريا في مرمى مافيات التهريب-بيسان طي
2014-02-19
تنشط مافيات تهريب البشر منذ نحو سبعة أشهر لتهريب المئات (أو أكثر) من فلسطينيي سوريا إلى دول اسكندنافية أو دول أوروبا الغربية أو أستراليا. بسرعة رهيبة تمكنت تلك المافيات من استغلال المأساة التي يعيشها أبناء مخيم اليرموك قرب دمشق وغيرهم من اللاجئين الفلسطينيين لتبيعهم «الأحلام» بعيش آمن على الضفاف الأخرى من المتوسط. الرحلة محفوفة دائماً بالخطر، خاصة لمن يركبون قوارب الموت. ويتحدث المتابعون عن غرق عبارات ووفاة كثر في مياه البحار. الملف بدأ يقلق مسؤولين في فصائل فلسطينية متعددة ومتابعين لشؤون النازحين.
في عرض البحر منطلقاً من ليبيا، كان أحمد س. مع نحو 250 شخصاً في سفينة صغيرة (أشبه بقارب صيد). كانوا بمعظمهم من الفلسطينيين اللاجئين الذين ولدوا في سوريا وعاشوا فيها، وكان معهم العشرات من السودانيين ومن دول افريقية أخرى.
يذكر احمد أنه كاد يختنق، أنه كان يبحث عن فسحة لمد قدميه أو رفع يديه، من دون أن يضرب بكتف هارب آخر. لا يدرك كيف وقعت الكارثة، وفي أي نقطة من البحر، فجأة بدأ كل شيء يرتج، بسرعة بدأ المركب يغرق، والصراخ يعلو، فقد البعض السيطرة على أعصابه، وحاول آخرون حماية الأطفال، بينما حاول أحمد وغيره إفراغ القارب من الماء بما توفر بين أيديهم، من صحون أو كؤوس صغيرة، وأخذوا يرمون حقائب المسافرين لتخفيف الحمولة.
يذكر أحمد أنه سمع قائد السفينة يردد «ارموا أنفسكم في البحر، من يعرف السباحة فليسبح حتى يبلغ أي شاطئ». طالت تلك الحالة «ربما أقل من ساعة، لكنه كان وقتاً عصيباً» يقول أحمد «ولولا العناية الالهية لغرقنا كلنا، وصلت طوافة إيطالية إلينا وعملت على إنقاذنا».
انتهت «مغامرة» أحمد بسرعة، لكن العودة إلى دمشق باتت أمراً مستحيلاً لتدهور الوضع الأمني، لذا لجأ إلى لبنان حيث عائلته الهاربة من جحيم الموت المتنقل في سوريا. عاد الشاب العشريني مفرغ اليدين، لا يملك ثمن «علبة دخان».
أحمد واحد من مئات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا الذين يقعون في «شباك» شبكات التهريب، الممتدة في عدد من الدول العربية والغربية، والقادرة على استغلال أي ظرف سياسي أو أمني لتكثيف نشاطها وتغيير خريطة عملها.
لكن البحث عن حكايات المُستغلين يعوقه قانون الصمت. يخاف الأهالي أن يتم سؤالهم عن مصير أولادهم، حيث تتوزع بعض العائلات على امتداد أكثر من قارة، ويفقد بعضهم الاتصال بالبعض الآخر، رغم كل وسائل التواصل القائمة في أيامنا.
يحرص البعض على إخفاء هويته وهو يروي قصته، ويودع آخرون حكايتهم «عند أهل الثقة»، ولهؤلاء أن يتلوا بحذر - وبالتأكيد من دون ذكر أسماء - مراحل تهريب اللاجئين والعواقب.
وفي ما يتعلق بمافيات التهريب، فهي تعتمد في معظم المراحل أساليب التهريب التقليدية. هي شبكة ممتدة عبر القارات، تربط المهربين ببعضهم صلات وثيقة، ويستخدمون معاونين في كل بلد، بعضهم يتولى استلام المُهَرَبين، وآخرون مهمتهم إيواءهم، ثم يتواصلون مع قبطان سفينة شحن تقل «الزبائن».
منذ نحو سبعة شهور بدأ التركيز على «فلسطينيي سوريا». ويطرح المهربون للراغبين بالهروب عدداً من «خطوط السير». تتنوع أسعار «التهريب» بين 4500 و8000 دولار، بحسب الخط المعتمد ووسائل النقل، والبلد الذي يقصده الهارب، ونوعية «خدمات» التهريب التي تُقدم له، وفق ما اكد لـ«السفير» سميح رزق المتابع لشؤون اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات اللبنانية.
تنطلق الرحلة من سوريا أو لبنان، وقد تسبقها عملية نصب تزداد رواجاً في الفترة الأخيرة، إذ يقوم سماسرة (لبنانيون بمعظمهم) بشراء بيوت الفلسطينيين في مخيم اليرموك، والحجة المعتمدة من المشترين هي أن سلامة هذه المنازل غير مؤكدة، وانه لا يلوح في الأفق أي حل للأزمة السورية.
السعر الأعلى الذي يُدفع ثمناً لأي منزل هو 10 آلاف دولار فقط لا غير، وفق ما أكد لـ «السفير» لاجئون يتابعون شؤون النازحين. بعض اللاجئين يبيعون بيوتهم لتأمين مصروفهم في لبنان لبضعة أشهر، خاصة أن إيجارات الشقق ارتفعت بشكل كبير، وتبلغ في المناطق، الأكثر فقراً وازدحاماً بالسكان، ما يزيد على 400 دولار. لكن ثمة من يحمل ثمن منزله ليدفعه لمافيات التهريب. ويتلقى المهرب الأول نحو ألف دولار كدفعة أولى، ثم يدفع «الهارب» الأقساط الأخرى لرجال المافيا في محطات التوقف المتعددة في رحلته.
خطوط التهريب الرئيسة، والأكثر نشاطاً، هي عبر تركيا وليبيا والفلبين وتايلاند. كما شهد التهريب عبر مصر نشاطاً كبيراً. تراجع في الفترة الأخيرة.
تتم الرحلة إلى ليبيا، وقبلها مصر بالطائرة، حيث يصل الهاربون عائلات أو أفرادا - إلى القاهرة وينتقلون براً إلى الاسكندرية، هناك تتسلمهم الحلقة الثانية من رجال المافيا، تكدسهم في بيوت أو غرف صغيرة في انتظار تنامي عددهم، وينقلون حين يحين موعد السفر في أوقات الفجر أو ساعات الليل المعتمة في عبارات صغيرة تبحر بهم لنحو 15 ساعة، لتتخطى المياه الإقليمية حيث تنتظرهم سفينة مخصصة لشحن البضائع. فيها يتكدسون مرة أخرى بما يزيد عن طاقة السفينة على التحمل، وكثيراً ما أُطلق النار على هاربين، وتم القبض على آخرين.
أما الرحلة عبر ليبيا فهي مشابهة من حيث الانتقال من الداخل الى المدن الساحلية، لكن تكمن فيها المخاطر الأكبر، فالوصول إلى الشاطئ دونه عوائق متمثلة بصراعات محلية، وركوب السفينة لا يعني النجاة من الخلافات بين مجموعات ليبية. ويقول مسؤولون فلسطينيون أن الصراعات بين «مافيات النفط» تمتد من اليابسة إلى الشواطئ، وقد وقع بعض اللاجئين ضحية لعمليات إطلاق نار من قبل تلك المافيات، وأدى احد تلك النزاعات إلى إغراق سفينة كان على متنها 300 شخص، ولم تتوفر المعلومات حول عدد الناجين. كما أن الحمولة الزائدة، وسوء التدبير، أدى قبل شهور إلى احتراق سفينة وإصابة من كانوا على متنها.
وينشط خط التهريب عبر تركيا بشكل كثيف، فالانتقال إلى تركيا لم يكن يتطلب الحصول على تأشيرة دخول. في اسطنبول يتسلم اللاجئون جوازات سفر سويدية (أو تابعة لدول اسكندنافية أخرى) مزورة، أو بالأصح ما يُعرف بـ «الجوازات الشبيهة»، حيث تُلصق صورة حامل الجواز على جواز شخص آخر، فيركب حامل «الجواز الشبيه» الطائرة إلى البلد الصادر عنه الجواز، وله أن يواجه مصيره عندما تحط الطائرة في المطار الذي يقصده.
البعض نجح في التسلل، وعلم أهله بحاله من خلال «ستاتوسات» عبر موقع «فايسبوك»، وآخرون لم تظهر لهم على موقع التواصل الاجتماعي حتى اليوم أية إشارة تدل على ما آلت إليه أمور رحلتهم.
وتقوم مافيات التهريب أيضاً بنقل الراغبين باللجوء إلى بلد أوروبي، من الشام إلى اللاذقية، وتلك الرحلة قد لا تكتمل إذ ان المرور عبر مناطق يسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) يعني الخضوع لكل شروطه. ويتحدث متابعو شؤون اللاجئين عن إمرأة تم توقيفها من قبل المنظمة الإرهابية لأن حجابها لا يتناسب «مع القواعد الإسلامية».
ومن يسلم من سطوة «داعش» يحظَ عند وصوله إلى مأوى المهربين قرب اللاذقية بتأشيرة دخول «شنغن» إلى أوروبا (مزورة على الأرجح) ثمنها 1500 دولار، وبناء عليها، وبعد أن يبلغ عدد الراغبين بالهروب العشرات، يتم نقلهم عبر سفينة إلى الشواطئ اليونانية. وأدى هذا الأمر إلى منع بعض السفن من الرسو في أي مرفأ يوناني.
خط تايلاند - السويد الأكثر عبوراً في الفترة الأخيرة، حيث يتوجه اللاجئون، من لبنان أو سوريا، إلى تايلاند بحجة السياحة لمدة محدودة، ثم يتولى مهرب استقبالهم وإيواءهم بشكل خفي في أحد منازل الإيواء، وهي بيوت أو غرف في حالة مأساوية، يمضون فيها أكثر من شهر، يعانون من قلة الأكل والشرب، ويُنقلون من بيت إلى آخر خوفاً من مداهمات الشرطة، فالإقامة الممتدة في تايلاند تتم بشكل غير شرعي، وفي هذه الأثناء يؤمن المهربون جوازات مزورة لمن يتمكن من البقاء لإكمال رحلته نحو السويد. ويلفت متابعون الى أن عدداً من الشبان عاد أدراجه لصعوبة الحياة في فترة التخفي في تايلاند.
إلى خطوط التهريب «الرئيسة» أو الأكثر شيوعاً، ثمة تفرعات كثيرة، فاندونيسيا هي أيضاً محطة تستقبل الراغبين بلجوء غير شرعي إلى أستراليا. وفُقد، مؤخرا، شابان من فلسطينيي سوريا خلال عبورهما البحر نحو أستراليا، وذلك بعد غرق العبارة التي كانا يستقلانها إلى جانب العشرات.
كما أن عمليات استغلال اللاجئين فاقت كل التوقعات، ففي ليبيا مثلاً تم السطو على ما يحمله لاجئون وتُركوا في عرض البحر. هناك عائلة دفعت مبالغ طائلة ليتم تهريبها إلى بلد اسكندنافي، وحين تركها المهرب الأخير وجد أفراد العائلة أنفسهم في قبضة حرس الحدود الأوكراني!، كما أن ثمة أخبارا عن شاب تم إيصاله إلى جورجيا بدلا من السويد، وهو حالياً في السجن بجرم دخول البلاد بشكل غير شرعي.
وفي عدد من الدول الأوروبية، خاصة إيطاليا، يعيش لاجئون فلسطينيون في مراكز الإيواء الحدودية بانتظار أن يُبت في أمرهم، بينما حصل قلة على حق اللجوء أو إقامة موقتة في البلاد.
عن السفير البنانية