:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/2692

إن أمراً ما سوف يستجدّ-معتصم حمادة

2014-03-01

في ظل ما يذاع عن مخاطر اتفاق الإطار لجون كيري بتنا على قناعة أننا أمام أمور سوف تستجد، وعلينا أن نقطع الطريق على هذه المخاطر قبل أن تداهم الحالة الوطنية الفلسطينية
تتعمد القيادة الفلسطينية فرض التعتيم على العملية التفاوضية، وتحجم عن تقديم تقارير رسمية، خطيّة إلى الهيئات المعنية كاللجنة التنفيذية في م.ت.ف، أو اللجنة السياسية، أو هيئة القيادة العليا المعنية بالحوار الوطني، وتتقصد أن تقدم معلومات مجزوءة لا تساعد على اتخاذ القرار، بقدر ما تؤدي إلى التضليل. لذلك لم تطلع اللجنة التنفيذية على محاضر المفاوضات بين الفريق الفلسطيني بقيادة د.صائب عريقات، وبين الفريق الإسرائيلي بقيادة تسيبي ليفني. ولم تطلع على محضر أو تقرير واحد للقاء بين الرئيس عباس ووزير الخارجية جون كيري. ولعلّ معظم ما يتسرب من معلومات إلى الجانب الفلسطيني بفصائله وجهاته المختلفة، هو من وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تستطيع، عبر وسائلها، أن تطلع أكثر من أي مسؤول فلسطيني على وقائع العملية التفاوضية ومجرياتها. ولا نعتقد أن المسألة تتعلق فقط بآليات العمل الفلسطيني وتقاليده المتخلّفة على الصعيد القيادي، بل هي عملية مقصودة الهدف منها تهميش المؤسسة، وتغليب دور الفرد وإحلال «المطبخ» بديلاً للمؤسسة. و «المطبخ» هنا هو الرئيس، ومن يضمّه إلى حاشيته في النقاش والاستشارة. ولا يتخذ المطبخ صفة دائمة، فقد يغادره أحد أعضائه، بقرار من الرئيس، لفترة ثم يُعاد إلى المطبخ بعد زمن. أي أن المطبخ يتشكل من الذين يوافقون الرئيس على استراتيجيته السياسية، ويكنون له الولاء الدائم، ولا يطمحون إلى أبعد ما هم عليه، وحريصون على عدم مناكفته، والأهم من هذا، حريصون على كتم المعلومات، وعدم الكشف إلا عن المساحة التي يرغب الرئيس الكشف عنها بين فترة وأخرى، خدمة لتكتيك يعتمده هنا، أو يعتمده هناك. وكثيراً ما انهمكت اللجنة التنفيذية، أو اللجنة السياسية في م.ت.ف. في مناقشة العملية التفاوضية، بحضور الرئيس أو بغيابه (على الدوام بحضور رجال المطبخ) وعلى الدوام لا تصل المناقشات إلى خواتيمها، ولا يتخذ بشأن أي من القضايا المثارة قرار، حتى الرأي الاستشاري لأعضاء اللجنة التنفيذية، إذا صحّ التعبير، لا يؤخذ به إلا إذا كان يتلاءم ووجهة نظر الرئيس، وتوجهاته السياسية.
***
خطورة هذا الأمر تكمن في مسألتين اثنتين:
· المسألة الأولى، إن الحالة الفلسطينية تعيش وضعاً قيادياً – على المستوى المؤسساتي – هشّاً. وقد تجد القيادات كاللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير على سبيل المثال، نفسها، في لحظة ما، أمام قرار يتخذه الرئيس ومطبخه السياسي، يضع الجميع أمام الأمر الواقع، على غرار قرار الموافقة على اتفاق أوسلو، الذي بدأت مفاوضاته من خلف القيادات الشرعية، وجرت الموافقة عليه من قبل «مطبخ الرئاسة» الثلاثي آنذاك [الشهيد عرفات، محمود عباس، وأحمد قريع] بديلاً للجنة التنفيذية في م.ت.ف. وبديلاً للمجلس المركزي في المنظمة.
· المسألة الثانية أننا نقف على عتبة مرحلة سياسية خطيرة، تتمثل في اقتراب نهاية الأشهر التسعة للعملية التفاوضية (30 نيسان، ابريل القادم) في الوقت الذي احتل فيه مشروع كيري لتمديد المفاوضات والمسمى «اتفاق الإطار» الموقع الرئيسي في جدول أعمال المفاوضات الحالية والتي تحولت إلى مفاوضات فلسطينية من جهة (يقودها الرئيس عباس شخصياً) وإسرائيلية أميركية من جهة أخرى (يقودها وزير الخارجية الأميركي جون كيري شخصياً، بالتشاور والتوافق الدائم مع نتنياهو) وما يجري تسريبه من معلومات حول اتفاق الإطار، إن بما يتعلق بالقدس، أو غور فلسطين، أو ضمّ المستوطنات، أو عدم تجميد الاستيطان، أو منع الحالة الفلسطينية من التوجه إلى الأمم المتحدة أو غيرها من المعلومات (قضية اللاجئين بشكل خاص) تفيد أن الأميركيين يصوغون اتفاق إطار لمفاوضات قادمة، قد تمتد لعام جديد، لكن وفقاً للمقياس الإسرائيلي وعلى حساب المصالح الفلسطينية بما في ذلك أن يفرضوا على الجانب الفلسطيني الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل.
ورغم أن بعض مصادر المفاوض الفلسطيني تؤكد أن لا تمديد للمفاوضات ولو لدقيقة واحدة، بعد 30/4/2014، وأنه لا اعتراف بـ «يهودية الدولة» إلا أن العديد من المصادر الإعلامية، والمصادر الفلسطينية حتى من داخل فتح نفسها تشكك بصحة هذا الكلام، فضلاً عن أن مصادر الوفد الفلسطيني لا تطمئن إطلاقاً بما يتعلق بالقدس، أو اللاجئين، أو تبادل الأرض، أو خطوط حزيران، أو التوجه إلى الأمم المتحدة أو غيرها من القضايا الجوهرية التي تمسّ المصالح والحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة وغير القابلة للتصرف.
***
مثل هذا الغموض في الموقف، ومثل هذه التناقضات التي تطفو على السطح بين فترة وأخرى، ومثل هذه التسريبات التي تأكد بعضها دون أدنى شك، تدفعنا لأن نستخلص التالي:
إن القضية الفلسطينية مقبلة على استحقاق سياسي مهمّ وخطير في الأسابيع القادمة. واتفاق الإطار قادم علينا لا محالة كخيار سياسي ستحاول الولايات المتحدة أن تفرضه على القيادة الفلسطينية. أي أننا أمام مواجهات سياسية خطيرة تتمثل في الهجوم التفاوضي الأميركي الإسرائيلي، والذي يحمل في جعبته مشروعاّ للحلّ ينسف المشروع الوطني الفلسطيني، فلا يؤمّن لنا دولة مستقلة كاملة السيادة بحدود الرابع من حزيران 67، وعاصمتها القدس الشرقية، ولا يضمن لنا حقّ العودة للاجئين، بل شكل آخر من أشكال الحكم الذاتي، له بعض صفات الدولة، في المظهر وفي الشكل، لا في الجوهر، ومشروع للتوطين أو التهجير كحلّ بديل لحق العودة. وغموض خطير يلفّ مستقبل الفلسطينيين داخل مناطق 48، في ظل الإصرار على «الاعتراف» بيهودية الدولة، أو القبول بحل «آخر» لهذا الاعتراف وقريب منه.
هذا يعني أن على الحالة الفلسطينية أن تتحسب منذ الآن لما هو قادم. ولعلّ أفضل طريق وأقصر طريق لتفادي خطر ما هو قادم يتمثل في خطوتين: رفض تمديد المفاوضات، ورفض مشروع الإطار المقدم من كيري، والعودة إلى حوار وطني فلسطيني لإعادة رسم الاستراتيجية الفلسطيني البديلة. هذا يتطلب منذ الآن من القوى الفلسطينية المعارضة للعملية التفاوضية الحالية، بفصائلها، وشخصياتها وفعالياتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والنقابية وغيرها، أن تصوغ لنفسها أوسع ائتلاف وطني لإقامة سدّ وطني منيع، يغلق الطريق على مشروع كيري وإطاره، ويضغط على القيادة الفلسطينية مقابل الضغط الأميركي، وتطوير عناصر الرفض الأولي لبعض نقاط كيري،ليتحول إلى رفض كامل للمشروع، ولصالح العودة إلى رحاب الحالة الوطنية الفلسطينية. مثل هذا يتطلب جهوداً دؤوبة من قبل القوى اليسارية والديمقراطية والوطنية والإسلامية كافة، واستنهاض عناصر القوة الجماهيرية، التي بدأت تعبر عن نضوج لاستقبال مثل هذه الدعوة. أما إذا انزلق المفاوض الفلسطيني، وانزلقت القيادة الفلسطينية [ويفترض بأن تقطع الطريق عليها حتى لا تنزلق] فلا بد من توفير آليات اعتراض واحتجاج جماهيرية وسياسية ووطنية شاملة، تغلق الطريق على أي مشروع انزلاقي لا تتوفر فيه المصلحة الوطنية مثل هذه الخطوة تتسمّ بالمسؤولية التاريخية، لأن محمل القضية الوطنية الفلسطينية سيكون في الميزان.
في كل الأحوال، نحن أمام أمر ما سوف يستجدّ، ولا بدّأن تتوفر للقوى الناهضة في صفوف الشارع الفلسطيني، الاحتياطات اللازمة لمواجهة ما سوف يستجدّ عليها من أمور.