اسبوع الفصل العنصري الاسرائيلي ظاهرة دولية متنامية
2014-03-03
يمثل الأسبوع الممتد من الأول من آذار حتى التاسع منه هذا العام الدورة الخامسة لأسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي والذي سيعقد في أكثر من أربعين موقعا في جميع أنحاء العالم. وتتضمن فعاليات هذا الأسبوع محاضرات وعروض ثقافية، وعرض أفلام، ومظاهرات، ومناقشات عن نظام الفصل العنصري الإسرائيلي وحملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها حتى تمتثل للقانون الدولي. كما سيشهد هذا العام زيادة في الأنشطة في جميع أنحاء فلسطين وخاصة في الجامعات ومخيمات اللاجئين في إطار الأسبوع العالمي. لذلك، يجدر بنا أن نلقي نظرة على تاريخ وتطور هذه السلسلة من المحاضرات المتواضعة التي أصبحت حدثا عالميا يمكن الشباب والطلاب من تطوير فهمهم لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي والعمل من اجل الحقوق الفلسطينية
البدايات
عقد أول أسبوع للفصل العنصري الإسرائيلي في جامعة تورنتو في شباط 2005 وتم تنظيمه إلى حد كبير من قبل اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في كندا والطلاب الذين يدرسون هناك ضمن إطار التجمع الطلابي العربي. وقد كان الهدف الرئيس من هذا الحدث هو زيادة الوعي بين الجمهور، والتأكيد على أن إسرائيل ليست مجرد نظام حكم يمارس الاحتلال العسكري الوحشي؛ بل هي نظام يرتكب جرائم الفصل العنصري ضد المواطنين والملايين من اللاجئين الذين لا زالت إسرائيل تتنكر لحقهم في العودة منذ العام 1948. وقد هدف منظمو الحدث من استخدام هذا التحليل لإسرائيل أن يتم اعتباره نقطة انطلاق لحملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها.
رأت المنظمات الصهيونية أن عنوان الحدث استفزازي للغاية فقامت بالضغط على إدارة الجامعة لإلغاء هذا الحدث. وقد أدى هذا الغضب من قبل المنظمات الصهيونية التي تقودها “بناي بريث” وتتخذ شكل حملة عامة إلى عاصفة هوجاء من التغطية الإعلامية. كما شملت الحملة دعوة عامة إلى شرطة تورنتتو لحضور هذه الفعاليات لتكون على استعداد لإلقاء القبض على المشاركين بتهمة ارتكاب جريمة إثارة الكراهية.1 قامت شركات الإعلام، وإعلام حرم الجامعة وجميع وسائل الإعلام المستقلة تقريبا بنقل الإخبار عن الحدث أو على الأقل عن الجدل المثار حوله، في حين قامت العديد من وسائل الإعلام بنشر أخبار هذه السلسلة المتواضعة من المحاضرات المتوجة بكلمة رئيسية ألقاها البروفسور “ايلان بابيه” بعنوان: “مقاومة الفصل العنصري: سحب الاستثمارات والانتفاضة الفلسطينية”. وقد بدأت معظم الضجة الإعلامية قبل بداية الأسبوع مما أدى إلى اكتظاظ القاعات في كل ليلة من ذلك الأسبوع.
على الرغم من حدوث محاولات للتشويش في الليلة الأولى، ورغم الوجود المستمر للمعادين للفلسطينيين الذين كانوا يحاولون توجيه الأسئلة الاستفزازية والتشكيكية، استمر الحدث الممتد على مدى الأسبوع بسلاسة مجتذباً المئات من سكان مدينة تورنتو. وكانت إحدى أهم النجاحات للتحالف أن مصطلح “الفصل العنصري الإسرائيلي” اخذ في الانتشار، لاسيما من خلال التغطية الإعلامية للحدث التي اشتملت على “سي ان ان” والصحف في الاسكا والهند واليابان. إن مفهوم الفصل العنصري الإسرائيلي لم يكن مجرد طرح جذاب أو شعار أجوف؛ بل جاء كوصف يعكس الطابع الحقيقي للمؤسسات والسياسات والممارسات العنصرية الإسرائيلية في فلسطين؛ مما أدى إلى تحفيز النقاش داخل وخارج الحرم الجامعي حول ما إذا كانت إسرائيل هي دولة فصل عنصري، وهي المناقشة التي أجبرت بعض الأساتذة والمساعدين التربويين على تكريس بعض من وقت الصف لهذا الموضوع.
لقد تم تسليط الضوء واهتمام وسائل الإعلام غير المسبوق على مقالة هامة كتبت بقلم منسقي المنظمات الطلابية الصهيونية في الحرم الجامعي (تيلي شايمس، ولورين بارل) والتي نشرت في صحيفة هآرتس بعد وقت قصير من انتهاء عقد الأسبوع. كتب شايمس وبارل في المقال “عن طريق إيجاد مشهد إعلامي مناهض داخليا وخارجيا لجماعة الطلاب العرب، قام كل من الموسسات الصهيونية وغيرهم بغير قصد بالإعلان عن الإحداث التي كانوا يعملون على تقويضها”.2 وقد كانت التوصية الواضحة انه من الآن فصاعدا ومن اجل خدمة المصلحة العليا للمنظمات الصهيونية يجب تجاهل الحدث وبذل الجهد للعمل على تجاهل وسائل الإعلام له على حد سواء. ومن الجدير ملاحظته في مقالتهم حجم الاحتقار الموجه لكيفية قيام التجمع الطلابي العربي بمتطوعيها ال12 بإخراج “هيليل لتورنتو اكبر” باعتبارها الوكالة المستفيدة من اتحاد تورنتو الكبرى وبدعم من المجلس الكندي الإسرائيلي والدفاع عن اليهود” مع شبكتها الموسعة من الأغنياء والمتنفّذين ومكاتبها وموظفيها المتفرغين.
كما انه من الجدير بالذكر، أن الحدث لم يكد يذكر في أي من وسائل الإعلام في العالم العربي وهي ظاهرة حاول التجمع الطلابي العربي في التصدي لها عن طرق نشر مقال افتتاحي في كل من جريدة الأهرام والقدس العربي بعد انتهاء الأسبوع.3
السنة الثانية: الاتجاهات القديمة الحديثة
شكل العام 2006 الذكرى السنوية الثلاثين للاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها. وهي حقيقة أبرزها "أسبوع الأبارتهايد الإسرائيلي" السنوي الثاني في محاولة لطرح فهم أوضح للفصل العنصري؛ ليس فقط كالجريمة المرتكبة في سياق جنوب أفريقيا في القرن العشرين؛ بل كجريمة ذات تعريف واضح على نطاق عالمي. و قد أصبح إحياء هذه الذكرى، مناسبة لنشر المواد الدعوية والتوعوية خلال أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي في تورنتو وكذلك في المدن الثلاثة التي اعتمد الناشطون فيها فكرة تنظيم هذا الأسبوع في ذات الوقت وهي: اكسفورد/ بريطانيا، ومونتريال وكيتشينر- واترلو (كندا).
في عام 2006، كانت احد الأمور الرئيسية التي سلط "أسبوع الأبارتهايد الإسرائيلي" الضوء عليها الامتداد إلى واحدة من أقدم الجامعات المعروفة في العالم وهي جامعة اكسفورد في المملكة المتحدة. و قد قام المنظمون في اكسفورد بتكييف الحدث مع الجمهور الأكاديمي. على الرغم من ذلك ورغم حقيقة أن العديد من الأكاديميين المعتبرين من الجامعة نفسها، كان من المقرر أن يلقوا ويديروا المحاضرات المختلفة لم يتوان الأفراد والمنظمات الصهيونية عن محاولة إلغاء الحدث على أساس انه يرهب الطلاب الإسرائيليين واليهود. وقد استمع المراقبون من الجامعة إلى الشكاوى إلا أنهم أيدوا الطلاب وحرية التعبير وقالوا: “لقد اخذ المراقبون الشكاوى المقدمة من قبل الطلاب وغيرهم بعين الاعتبار في سياق قواعد ممارسة الخطاب الخاصة بالجامعة، والتي تسمح بحرية التعبير عن الرأي في إطار القانون، ونحن لم نر أي دليل على انتهاكها لهذا القانون”. وللأسف نجح الصهاينة في الضغط على واحدة من الكليات لإلغاء النشاط، لكن تم العثور على مكان بديل لهم و تابعوا عملهم قدما.
قامت القائدة في حركة التحرر الوطني للسكان الأصليين في أمريكا الشمالية “كاهينتينهتا هورن” بإلقاء الخطاب الرئيس في تورنتو، حيث قدمت للجمهور المؤلف من 500 شخص عرضا عن الإبادة الجماعية في كندا وعن سياسات وممارسات دولة المستوطنين الكنديين التي كانت على قدر كبير من التشابه مع السياسات والممارسات الإسرائيلية. وربما دون قصد، أدى تفسير هورن لما جرى في كندا عبر السياسات والممارسات الهادفة إلى السيطرة على السكان الأصليين إلى تقديم رؤية متعمقة للمنظور الإسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني. في النهاية وقف الجمهور جميعه، عندما رفعت قبضتها منهية خطابها، يهتفون إلى الوحدة بين شعوب العالم لمواجه الاستعمار الاحلالي، والاحتلال العسكري، والفصل العنصري. ورغم ان اليوم التالي الأبرد خلال سنتين، تجمع حوالي 80 شخصا في الميدان الرئيس في تورنتو في المظاهرة الأولى من نوعها لتوجيه الدعوة إلى الحكومة والمجتمع الكندي لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها.
لقد اخذ أصحاب القرار في المنظمات الصهيونية بنصيحة شايمس وبارل التي قدمت في العام السابق بشكل واضح. فقد تم عقد اجتماعات الطلاب المؤيدين لإسرائيل بلا ضجّة وبتكتم لمناقشة أحداث تورنتو ومونتريال وما يتصل بها، بغرض الحد من التغطية الإعلامية. كانت جريدة الجيروساليم بوست هي الاستثناء الوحيد لذلك، إذ قامت بنشر مقال عن الحدث وركزت بشكل خاص على الاعتراضات عليه. وكانت هذه بداية التغطية الإعلامية الإسرائيلية النشطة للأسبوع الإسرائيلي للفصل العنصري. ولكن لم يمتد صمت الوكالات الإعلامية إلى وسائل الإعلام في الحرم الجامعي؛ بل ضجت الممرات والفصول الدراسية بالأحاديث والمناقشات عن الحدث، وفيما إذا كانوا سيحضرون أم لا، والاهم من ذلك مناقشة جريمة الفصل العنصري الإسرائيلي.
السنة الثالثة: في بطن الوحش
على الرغم من تسليط الأضواء على أحداث التضامن مع فلسطين خلال السنة، إلا ان "أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي" لم يكن الوحيد، ولا حتى الحدث الأكثر أهمية للتضامن مع فلسطين والذي سيعقد في البلدان التي عقد فيها. فبحلول عام 2007 كان الفرق الوحيد انه أصبح مؤسسا كجزء من التقويم السنوي وبذلك كان الجمهور يترقب انعقاده. كما أصبح أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي يتلقى الدعم من جنوب أفريقيا. قام السيد “روني كاسريلز” الزعيم المناهض للفصل العنصري ولاحقا وزير الإعلام في جنوب أفريقيا بكتابة بيان تأييد قوي لأنشطة الأسبوع. وفي عام 2007 تضاعف عدد المشاركات في أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي. إذ انضمت جامعتا لندن وكامبريدج إلى جامعة اكسفورد في المملكة المتحدة، كما انضمت جامعتا أوتاوا وهاميلتون إلى تورنتو ومونتريال في كندا. وربما كان الحدث الأهم انضمام جامعة نيويورك إلى الأخريات باعتبارها الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية.4
كان الحدث في نيويورك فرصة لجمع معظم جماعات التضامن الفلسطينية والنشطاء في مشروع موحد لان الوحدة ضمان الفاعلية. و بدل من تركيز الاهتمام على الجامعات، كانت نيويورك ملأى بأحداث أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي المتناثرة في قاعات المحاضرات والكنائس ومكاتب المنظمات الناشطة في جميع أنحاء المدينة. وقد كان مدى الفعاليات مؤثرا، إذ تضمن عرض أفلام وعروضا فنية ومعارض صور. وقد مهد مسار الافتتاح الطريق لأسبوع مذهل غني بالمعلومات بمشاركة القائد الوطني من السكان الأصليين روبرت روبيدو، وكذلك يفعات سسكيند والأكاديميين الفلسطينيين سري مقدسي وبشير أبو منة. وكانت احد ابرز الفعاليات في الأسبوع الكلمة القوية الرئيسية التي ألقاها جوزيف مسعد وتانيا راينهارت عن "تحدي الفصل العنصري". وللاسف فقد كان هذا آخر خطاب تلقيه تانيا راينهارت وهي كاتبة ومترجمة وناشطة من اجل العدالة والسلام في فلسطين لم تعرف الكلل إذ توفيت نتيجة سكتة دماغية بعد شهر واحد من إلقائه. كما كان انتشار الأحداث في المملكة المتحدة إلى لندن ملفتا للنظر، إذ ظهر أسبوع الفصل العنصري على جدول أعمال كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في المجتمع الفلسطيني وهي جماعة الطلاب الأكثر نشاطا في التضامن مع فلسطين. في العاصمة البريطانية، وفي أقدم المدن الجامعية تم تعريف الجماهير الواسعة على بعض ابرز المفكرين والشخصيات الثقافية الذين يفكرون ويعملون من اجل إنهاء الفصل العنصري في فلسطين. شمل هذا كرمة النابلسي، وافي شلايم، ويتسحاق لاور، وكمال أبو دياب، وجاكلين روز، ولاله خليل، وايال سيفان وجوناثان كوك، ونديم روحانا، وتوفيق حداد وغيرهم.
استمرت تغطية أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي بشكل قوي في حرم الجامعة و على جبهات وسائل الإعلام المستقلة. أما في نيويورك فقد أثارت الأحداث الجدل على صفحات الجرائد، وأثارت تعليقات معادية للفلسطينيين حول انتشار هذه السلسلة من الأحداث. كما كان هناك قدر غير متناسب من التغطية المقدمة من قبل الصحافة الإسرائيلية. كانت احد أهم أحداث الأسبوع التعليق الذي نشرته صحيفة يديعوت احرونوت اكبر الصحف الإسرائيلية، وكما هو الحال مع جميع الصحف الإسرائيلية ركزت بشكل خاص على كلام د. جمال زحالقة، عضو الكنيست، والذي تحدث من ضمن فعاليات الأسبوع، وقد أدلى بتصريح أن الممارسات الإسرائيلية تعد أسوأ من تلك التي كانت تمارس في نظام الحكم في جنوب أفريقيا.5
مع تقدم العام 2007 لم يعد وصف إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري مجرد بيان متمرد. في وقت لاحق من ذلك العام قام الرئيس السابق جيمي كارتر بنشر كتاب يصف السياسات الإسرائيلية بسياسات فصل عنصري، على الرغم من اقتصار تحليله على الضفة الغربية وقطاع غزة، ونسيان حقوق اللاجئين بشكل كبير، وحقيقة أن انتهاك حق العودة هو ممارسة للفصل العنصري. قدم المبعوث الخاص للأمم المتحدة السيد جون دوغارد، و هو ناشط ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا تقريرا إلى الأمم المتحدة يفيد أن إسرائيل ترتكب ثلاث جرائم معادية للنظام الدولي: الاستعمار الاحلالي، والفصل العنصري والاحتلال الأجنبي. وقد تم اقتباس أقوال شخصيات بارزة معادية للفصل العنصري في جنوب أفريقيا مثل الأسقف ديزموند توتو، والرئيس السابق نيلسون مانديلا، التي تصف التشابه بين السياسات الإسرائيلية وسياسات الفصل العنصري في جنوب افريقيا سابقا، والترابط بين البلدين في الكفاح ضد الفصل العنصري، حتى أصبحت هذه الاقتباسات متداولة شعبيا.
النكبة 60 نقطة تحول
منذ البداية كان المطلب الرئيسي لأسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي إلى جانب حملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها هو تطبيق حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة. في الواقع جاء أول أسبوع فصل عنصري إسرائيلي والذي عقد في 31 كانون ثاني 2٠٠5، تحت عنوان: “النكبة واللاجئون الفلسطينيون” والذي تضمن تقديم محاضرات عن النكبة وحق العودة وأوضاع الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين في لبنان والعنصرية التي يواجهها اللاجئون الفلسطينيون عند لجوئهم إلى كندا وعملية تحديد وضعهم القانوني كلاجئين.
وجاء أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي الرابع تحت شعار “60 عاما من التطهير العرقي والتهجير: اللاجئون الفلسطينيون سيعودون”. وعلى هذا النحو، كان أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي جزءا من الحملة العالمية للذكرى الستين للنكبة في عام 2008، والتي كانت اكبر تحرك عالمي لدعم الحقوق الفلسطينية حتى الآن.
وعلى مدى أسبوعين، شمل أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي لعام 2008 المقام في 28 مدينة في أنحاء العالم المئات من الأحداث البارزة والمهمة. و كان الحدث الأهم أن بعض المدن في فلسطين وجنوب إفريقيا بدأت بعقد هذا الأسبوع، وقد تم تدشين إطلاق هذا الأسبوع بكلمة ألقاها الدكتور عزمي بشارة في سويتو، موقع الانتفاضة الطلابية عام 1976 في جنوب أفريقيا ضد نظام الفصل العنصري البغيض. وقد تم تسجيل المحاضرة التي ألقاها وبثت إلى العالم العربي من خلال قناة الجزيرة مباشر، وعرضت في فعاليات افتتاح أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي في معظم المدن الأخرى التي أقامت هذا الأسبوع.6
وفي حين أن الفعاليات كانت كثيرة جدا بحيث لا يمكن تعدادها، يمكن الإدلاء ببعض التصريحات العامة عن كيفية تطور الأسبوع خلال سنواته الأربع. احد أهم الجوانب وأوضحها أن أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي أصبح الحدث العالمي الذي يوفر مساحة للنشطاء لعرض ومناقشة القضايا التي تهم المجتمع المحلي، سواء لتوثيق الصلات مع الحركات المحلية للعدالة، أو تسليط الضوء على الحملات المحلية. جانب آخر هو التنوع الكبير في أنواع الأحداث التي يختارها المنظمون المحليون للمضي قدما لتقديم رسالة الحركة المناهضة للفصل العنصري مثل نشاطات فنية، ومسابقات شعرية والمظاهرات والتصوير والمعارض وحتى عروض الدمى مثل تلك التي تم تنظيمها في العاصمة واشنطن. ومن الجدير بالذكر أيضا، الزوايا المتنوعة التي تم تحليل موضوع الفصل العنصري الإسرائيلي من خلالها، سواء كانت من خلال إجراء مقارنات مباشرة مع جنوب أفريقيا، والروابط بين الحركات الاجتماعية والعدالة العالمية، وهيكل الفصل العنصري مع التركيز على تفاصيل كيفية تأثيره على أجزاء معينة من السكان الفلسطينيين، أو من خلال تحليل الفصل العنصري من خلال الفيلم أو الأدب والموسيقى. كما اشتمل أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي في تورنتو على 6 ساعات من البث المباشر المتواصل عبر إذاعة CHRY105.5fm من جامعة يورك بعنوان: “التحركات المناهضة للفصل العنصري”. ومن الأحداث الفريدة من نوعها كان عقد مؤتمر لطلاب الثانوية تم تنظيمه من قبل طلاب في المدارس الثانوية الذين أرادوا جمع الفتية لمناقشة كيفية دعم حملة المقاطعة وكيفية الانضمام إليها.
من الجوانب الأخرى لأسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي أن المناطق المختلفة كانت تنظم الأحداث وفقا لقدراتها، وعلى ذلك لم تقم كل مدينة بتنظيم أسبوع كامل من الفعاليات، ففي الواقع قامت العديد من المدن بتنظيم واحدة أو اثنتين من الفعاليات كجزء من مساهمتها في الأسبوع. وهذا يشبه إلى حد ما حملة المقاطعة ككل، والتي تتطلب مراعاة خصوصية كل موقع، أي أن على نشطاء الحملة أن يتخذوا الإجراءات ويحددوا الأولويات على أساس الأكثر إفادة والممكن بحسب القدرة والسياق المحلي لديهم. يلاحظ أيضا التنسيق المتزايد فيما يختص بالمتحدثين المتعددين وبشكل خاص تنفيذ جولات للمتحدثين من مدينة إلى أخرى كجزء من فعاليات أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي، وبشكل أكثر وضوحا إعادة عرض محاضرة الدكتور عزمي بشارة كحدث افتتاحي في العديد من المدن.
2009: بعث الفصل العنصري الإسرائيلي إلى المتحف
مع اقتراب أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي الخامس، بدأت بعض المنظمات الصهيونية في مختلف أنحاء العالم بالفعل حملات عدوانية متزايدة تدعو إلى إلغاء هذا الحدث في مختلف الجامعات وفي العديد من الحالات حصلت على دعم إدارة الجامعات.7
في حين بدأ أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي كسلسلة من المحاضرات لا أكثر، فقد ساعد على تعميق تحليل إسرائيل باعتبارها دولة فصل عنصري لدى أولئك الذين نظموا وشاركوا في مختلف المناسبات، وساعد على تعميم هذا التحليل من خلال وسائل الإعلام، على الرغم من منظورها السلبي في معظم الأحيان. لقد أدى المزيد من الاهتمام بهذا الحدث في الواقع إلى تسليط الضوء على التناقضات الكامنة في محاولة معارضته، سواء عن طريق الكشف عن حقيقة أن الادعاءات عن خطاب الكراهية لا تنطبق، إذ أن النقد الموجه من قبل أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي والمعارضة لنظام إسرائيل يستهدف نظام الدولة وليس الشعب.
أما عملية تنظيم أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي فقد كانت على ذات القدر من الأهمية. ففي المدن والبلدات؛ حيث تم تنظيم أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي توجب على النشطاء تطوير قدراتهم لتنظيم سلسلة من الأحداث بالتنسيق مع أماكن أخرى في أنحاء العالم. وفي كثير من الحالات، أدت هذه العملية إلى جعل الجماعات تعمل سويا والتي لم تكن لتفعل سوى ذلك. ومن الأمور ذات الأهمية أن الطابع الدولي لهذا الحدث تطلب زيادة مستويات التنسيق الدولي مما مكن المنظمات والأفراد من تطوير الروابط مع بعضها البعض على أساس الهدف الواحد والمشاركة في التحليل الواعي باعتبار إسرائيل دولة ترتكب جريمة الفصل العنصري، وان هذه الجريمة المرتكبة لا تزال ترتكب ضد الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 فضلا عن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل واللاجئين الفلسطينيين، وأن هذه الجريمة تضر كثيرا بكل يهودي في أنحاء العالم نظرا لانها تتم باسمهم، وفي حالة اليهود الإسرائيليين تجبرهم على أن يكونوا حاضرين أو غائبين متواطئين في الفظائع الشنيعة، وأن الطريق إلى الأمام يأتي من خلال عزل نظام الفصل العنصري عبر حملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستمارات منها وفرض العقوبات عليها حتى يتم وضع حد للجريمة والقضاء على آثارها.
يفتتح الدكتور عزمي بشارة المحاضرة التي ألقاها في أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي لعام2008 قائلا انه اخذ إلى متحف الفصل العنصري قبل قدومه لإلقاء محاضرته. ويقر موافقا لما قاله المتحدثون أمامه: “لا يزال هناك الكثير من المظالم الاجتماعية قائمة في جنوب أفريقيا، لكن شيء واحد على الأقل تم اكتسابه... أصبح الفصل العنصري في متحف”. مما لا شك فيه أن أسبوع الفصل العنصري قد بدا بالفعل في تحقيق هدفه المتمثل في المساهمة في إرسال الفصل العنصري الإسرائيلي إلى متحف.