عن الـ B.D.S -معتصم حمادة
2014-03-13
هل أصبحت الحالة الفلسطينية هي الخاصرة الرخوة في سياسة الـB.D.s عربياً وعالمياً؟
علق الفلسطينيون الكثير من الآمال على نجاح المقاطعة الخارجية لمنتوجات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الفلسطينية المحتلة، ورأوا في بعض نتائج هذه المقاطعة بداية تثمير جهد شعبي – إلى حد كبير – في إطار تنظيم المقاومة الشعبية ضد الاحتلال والاستيطان. وتفاءلت حملة المقاطعة حين شنّت المنظمات الأهلية في أنحاء الضفة موجات من العمل الميداني، شمل آلاف المنازل والمحلات التجارية لتشجيعها على مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية، بشكل عام، والمنتجات الإسرائيلية ذات البديل الوطني أو العربي أو حتى الأجنبي، لإلحاق الضرر بالاقتصاد الإسرائيلي في مقاومة شعبية شاملة تبدأ بالأسهل وتتصاعد تدريجياً. كما تفاءلت هذه المقاطعة حين بدأت ثمارها تنضج في الخارج، وحين بدأت بيوتات مالية غربية، ومؤسسات اقتصادية وأكاديمية، مقاطعتها لمثيلتها الإسرائيلية، إما لعلاقة بينها وبين الاستيطان، وإما لصمتها على أعمال الاستيطان بما هو عمل يشكّل انتهاكاً للقوانين والمواثيق الإنسانية، ويشكل عدواناً سافراً على حقّ الشعب الفلسطيني في استيراد أرضه، وباعتباره عملاً من أعمال الأنظمة العنصرية، كالنظام السابق في جنوب إفريقيا في زمن الأبارتهايد.
لكن حملات التفاؤل بنجاح المقاطعة تعرضت في الأيام القليلة الماضية لنكسة قد تفتح الباب لتراجع في أعمال المقاطعة. فقد ذكرت مصادر إسرائيلية أن المستشارة الألمانية انغيلا ميركل، وأن رئيس البرلمان الأوروبي يمارسان ضغوطاً غير قليلة في معارضة هذه المقاطعة، وكان من نتائج ذلك تراجع صندوق التقاعد الهولندي عن قراره الرسمي بمقاطعة بنوك إسرائيلية و نيّته سحب أمواله منها، مبرراً ذلك بتعرضه لضغوط وانتقادات شديدة من قبل أعضاء في البرلمان الهولندي والمنظمات اليهودية. كما نقلت الشيء نفسه سلطة المياه في هولندا التي تراجعت عن إلغاء التعاون مع شركة «ميكروت» الإسرائيلية للمياه. علماً أن إجمالي المعطيات الصادرة عن العديد من الوزارات الإسرائيلية أظهرت أن الأضرار المتراكمة نتيجة دعوات المقاطعة لإسرائيل بلغت أكثر من 100 مليون شيكل [حوالي 100 مليون دولار] خاصة فيما يتعلق بقطاع الزراعة في منطقة الأغوار التي ترفض سلطات الاحتلال الانسحاب منها في تسوية الوضع النهائي في الضفة.
في الوقت الذي نتحدث فيه عن مقاطعة عربية ودولية للمستوطنات الإسرائيلية ولمنتوجات إسرائيل ذات البدائل الوطنية والأجنبية، نلاحظ أن السلطة الفلسطينية لم تعمل حتى الآن، على إعادة هيكلة بعض بناها الاقتصادية وسياساتها المالية والاقتصادية، لتخوض هي حملة المقاطعة، وتكون في قلب المعركة إلى جانب الحركة الشعبية.
فلقد سبق وأن تقرر منذ حكومة سلام فياض بضرورة توفير فرص عمل كريمة لحوالي عشرين ألف عامل فلسطيني يعملون في المستوطنات الإسرائيلية [في تشييد المستوطنات وفي معاملها ومزارعها] بحيث تحرم هذه المستوطنات من اليد العاملة الفلسطينية الرخيصة. الملاحظ، حتى الآن، أن هذا القرار، والمتخذ على أعلى المستويات الفلسطينية، والذي شكل نقطة إجماع فريدة بين القوى الفلسطينية كافة، شعبياً ورسمياً، لم يزل معلقاً على رفّ الانتظار ومازالت السلطة الفلسطينية تتلكأ في العمل على تنفيذه، خاصة وأنها تنوء بفاتورة رواتب آلاف الموظفين المكدسين في مؤسساتها وأجهزتها وإداراتها، دون سياسة إصلاح إدارية، تعيد النظر بهذا الازدحام الوظيفي غير المنتج بما يتناسب وعديده، وبالتالي يصبح الأمر غاية في الطرافة، وغاية في الأسى أن ندعو من جهة إلى وقف الاستيطان، وإلى مقاطعة المشاريع الاستيطانية على المستوى العالمي، في الوقت الذي يقوم فيه العامل الفلسطيني بالعمل في قلب المشاريع الاستيطانية. ولو أردنا الحديث عن «تجفيف مصادر» الاستيطان لقلنا إن اليد العاملة هي أحد أهم هذه المصادر. مثل هذا الواقع، قد يصل إلى مستوى الفضيحة السياسية على الصعيد الوطني، في ظل تكتم وتواطؤ لا مبرر له سوى التغطية على سياسات اقتصادية لا تخدم العملية الكفاحية للشعب الفلسطيني ولا تصبّ في خدمة المشروع الوطني بقدر ما تلبي أطماع وطموحات مجموعات بيروقراطية من الفئات الوسطى المشوهة اجتماعياً وسياسياً وفكرياً، وذات النزعة الاستهلاكية غير المحدودة، تغلب حاجاتها الاستهلاكية ومصالحها الآنية والفئوية على الحاجات الوطنية الاستراتيجية، والمصالح الوطنية العليا. أي إعادة بناء استراتيجية اجتماعية – اقتصادية جديدة، تستجيب لمتطلبات العملية الكفاحية، بحيث تصب أموال السلطة في خدمة تعزيز صمود الفئات الفقيرة والمناطق المهددة بالاستيطان، وتوفير فرص العمل للعمال في المستوطنات... وإلغاء الامتيازات الخيالية التي يتمتع بها بعض من في الطبقات العليا في السلطة، ووقف الهدر ومكافحة الفساد.
إلى جانب العشرين ألف عامل فلسطيني في المستوطنات الإسرائيلية، هناك ما لا يقل عن 120 ألف عامل فلسطيني يعملون في المشاريع الإسرائيلية في مناطق الـ 48، برخص رسمية، إلى جانبهم آلاف يعملون بدون رخصة، معرضين للاعتقال في أية لحظة. وتدفق اليد العاملة الفلسطينية الرخيصة إلى المشاريع الإسرائيلية، بما توفره للعدو من مكاسب اقتصادية غير بسيطة [إلى جانب ما توفره المناطق المحتلة من أسواق استهلاكية هي الأخرى غير بسيطة] سببه غياب المشاريع الاستثمارية إن على مستوى القطاع العام، أو على مستوى القطاع الخاص التي بإمكانها أن تمتصّ هذه الآلاف من اليد العاملة. ومن الواضح أن السلطة الفلسطينية مازالت تنصاع لتعليمات صندوق النقد الدولي وتعليمات الجهات المانحة في الاعتماد على القطاع الخاص لتشييد البنية التحتية للاقتصاد الوطني الفلسطيني. وهو الأمر الذي خطأه الكثير من خبراء الاقتصاد مؤكدين أن «الدولة» هي المعنية بتشييد البنية التحتية وليس القطاع الخاص، لأن مشاريع هذه البنية لا توفر عامل جذب للقطاع الخاص الباحث عن الربحية في أعماله، وبالتالي فإن عملية بناء الاقتصاد الوطني الفلسطيني مازالت تراوح مكانها تحت الاحتلال، ومازالت الصناعة والزراعة الفلسطينيتان تعانيان الأمرين إن في قضايا المياه، أو في استيراد المواد الأولية، أو في تصدير الانتاج، أو في منافسة الانتاج الإسرائيلي في السوق المحلية، مما جعل من تدفق العمال الفلسطينيين إلى المشاريع الإسرائيلية حلاً لمسألة البطالة في المناطق المحتلة، بكل ما يعنيه هذا من تكريس التبعية الفلسطينية للاقتصاد الإسرائيلي، بدءاً من التعامل مع العملة الإسرائيلية (الشيكل) مروراً بالمشاريع الإسرائيلية، مروراً في سدّ آفاق بناء الاقتصاد الوطني الفلسطيني، انتهاءً بتحويل المناطق الفلسطينية إلى سوق استهلاكية للبضائع الإسرائيلية. من هنا فلا عجب أن تكون الحالة الفلسطينية هي الخاصرة الرخوة لسياسة الـ«B.D.S»، أي المقاطعة العالمية للمستوطنات وللإنتاج الإسرائيلي.
يفسر هذا كله وجود سلطة فلسطينية مازالت تعتاش على أموال المانحين والقروض الخارجية والمحلية، ولا تقوى في الوقت نفسه على مقاومة الضغوط الأميركية في إدارة العملية التفاوضية. ما يدعو للسؤال: كيف ستصمد هذه السلطة في وجه الضغوط الخارجية، وكيف ستستجيب بدلاً من ذلك للضغوط المحلية الشعبية والحزبية، في الوقت الذي مازال فيه مصيرها مالياً واقتصادياً معلقاً بالمصادر الأميركية والأسواق والمشاريع الإسرائيلية.