طفح الكيل؟-محمد السهلي
2014-04-05
وقعَّ الرئيس عباس طلبات انتساب دولة فلسطين إلى 15 مؤسسة واتفاقية أممية من أصل أكثر من 60 يحق لفلسطين الانتساب إليها، بعد أن اعترفت بها الأمم المتحدة كدولة تحت الاحتلال في القرار الذي اتخذته الجمعية العامة في خريف العام 2012.
جاء التوقيع على هذه الطلبات بعد أن اجتمعت القيادة الفلسطينية التي تضم أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وقادة وممثلي القوى والفصائل الفلسطينية المنضوية في المنظمة، واجتمعت القيادة على رفض الشروط الإسرائيلية للإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى، وقرروا المضي نحو الأمم المتحدة مجددا وتفعيل المسعى الفلسطيني نحوها.
فهل «بلغ السيل الزبى» في حسابات المفاوض الفلسطيني، وقرر قلب طاولة التفاوض والالتفات إلى الاشكالات والأزمات التي تعانيها الحالة الفلسطينية وبحث سبل حلها بالشراكة مع باقي القوى الاجتماعية والسياسية، أم أن ما جرى مجدد رسالة جديدة إلى واشنطن مفادها أن الأدراج التي وضع فيها المسعى نحو الأمم المتحدة لا تزال مفتوحة حتى الآن ويمكن إحياؤه في حال لم يجر تعديل جدي على مسار التفاوض وآلياته؟
لقد وجدت حكومة نتنياهو أن المفاوضات وفق «تفاهمات كيري» تؤمن لها تنفيذ سياساتها التوسعية بأقل الخسائر الممكنة ولذلك سعت إلى تمديدها والضغط من أجل تحقيق ذلك باستخدام ملف الأسرى والاتكاء على حاجة الإدارة الأميركية وخاصة الوزير كيري لتمديد المفاوضات تأجيلاً لإعلان فشله على صعيد التسوية.
وعندما تم تضمين «تفاهمات كيري» إطلاق الأسرى الفلسطينيين القدامى، أصرت تل أبيب على توزيع إطلاق سراحهم على أربع دفعات، وأرفقت إطلاق كل دفعة من الدفعات الثلاث السابقة بإطلاق سيل من العطاءات الاستيطانية وهي مطمئنة إلى أن المفاوض الفلسطيني لا يمتلك سوى الشكوى بانتظار ولادة «حل ما» حتى نهاية الفترة المقررة للمفاوضات وهي تنتهي مع نهاية الشهر الجاري.
وعلى أبواب إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى والتي لم تتم، واصلت حكومة نتنياهو إطلاق العطاءات الاستيطانية وأبقت الأسرى رهائن تمديد المفاوضات..
وصل المفاوض الفلسطيني ـ كما كان متوقعا ـ إلى طريق مسدود، بعد أن شارفت فترة المفاوضات على نهايتها. وجاءت زيارة وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، مؤخرا إلى المنطقة لتؤكد مجددا أن الإدارة الأميركية ليست بمعرض الضغط على حكومة نتنياهو في موضوعة الاستيطان وغيرها من القضايا الأساسية على جدول أعمال التفاوض، والتي لم يتقدم أي ملف فيها خطوة واحدة إلى الأمام، لأن تل أبيب لم تقبل بالمفاوضات كي تفاوض، بل كي تستمر في كسب الوقت لتنفيذ سياساتها التوسعية. ومع كل زيارة للوزير الأميركي إلى كل من رام الله والقدس، كانت مساحة التوافق بين موقفي واشنطن وتل أبيب تتسع باضطراد. في الوقت الذي بقي فيه المفاوض الفلسطيني خارج «معادلات الحلول الوسط»، فيما كانت التصريحات الأميركية المقتضبة ذات الطابع التشجيعي هي «الزوادة» التي عاش عليها المفاوض الفلسطيني طيلة الفترة السابقة.
طيلة التسعة أشهر الماضية ـ تقريبا ـ لم يكن المفاوض الفلسطيني وحده من يتعرض للتهميش والإهانة على يد تل أبيب ومعها واشنطن. بل انعكس ذلك كله على الحالة الفلسطينية برمتها، وهي تجد نفسها مقيدة ضمن معادلات أوجدتها موافقة المفاوض الفلسطيني ومرجعيته السياسية على الأسس بالغة الاحجاف التي تضمنتها «تفاهمات كيري» التي انطلقت بموجبها المفاوضات في نسختها الاخيرة.
ومع تصدر الملف النووي الإيراني وغيره من القضايا الإقليمية جدول أعمال المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، بات الملف الفلسطيني مجرد «جعبة» لدفع فواتير ترضية لحكومة نتنياهو كي لا تشاغب على المسار الذي مضت فيه واشنطن في التعامل مع هذه القضايا.
وكان من الطبيعي أن يتم ذلك في وقت لا يشكل فيه استمرار الاحتلال الإسرائيلي أي قلق لواشنطن وباقي أركان المجتمع الدولي.
فطالما مشهد التفاوض هو السائد على جبهة «الصراع» الفلسطيني ـ الإسرائيلي، فإن الجميع مطمئن إلى هذا المسار، وخاصة بعد أن تعهد المفاوض الفلسطيني بعدم القيام بأي نشاط سياسي غير مقبول أميركيا وإسرائيليا، وبخاصة تجميد المسعى الفلسطيني نحو الأمم المتحدة والتوقف عن تقديم طلبات الانتساب إلى عشرات المؤسسات والمعاهدات والاتفاقات الدولية التي من شأن الدخول في عضويتها أن يضع الاحتلال الإسرائيلي في موقع المساءلة القانونية الدولية دون الحاجة إلى الرجوع إلى مجلس الأمن، ومواجهة الفيتو الأميركي في وجه أية قرارات لصالح حقوق الشعب الفلسطيني.
المهم في ما قام به الرئيس عباس أنه أكد مجددا وفي إطار المستوى القيادي الفلسطيني، أنه لا توجد رعاية أميركية جدية لعملية التسوية القائمة. وأن إسرائيل تماطل من موقع الاستراتيجية وليس التكتيك، وأن هدفها الأول والأخير أن تأخذ من الفلسطينيين ما تبقى لديهم، وليس أن تعطيهم شيئا يتصل بحقوقهم الوطنية.
لكن الأهم هو أن يأتي توقيع طلبات الانتساب لعضوية 15 مؤسسة ومنظمة دولية، في إطار خطة وطنية في مواجهة الاحتلال.
أي فتح معركة متعددة الجبهات الشعبية والسياسية والديبلوماسية ضده، وهذا يعني أن أكثر من 60 منظمة ومعاهدة واتفاقية دولية هي عناوين للتوجه الفلسطيني نحوها.
تحتاج الحالة الفلسطينية في هذه المرحلة إلى اعتماد استراتيجية بديلة تنطلق من مبدأ البحث في عوامل انهاضها من الوضع الذي تعيشه في ظل الانقسام وتداعياته الكارثية، وفي ظل سياسات اقتصادية واجتماعية لا تنسجم في محاورها الأساسية مع الاحتياجات والمتطلبات التي يفرضها واقع الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال، وفي ظل الاعتماد الكبير على المساعدات والمنح الخارجية. والأجندة الفلسطينية على الصعيد الداخلي حافلة بالإشكالات والأزمات التي تتطلب بذل جهد وطني موحد للبحث في سبل حلها. وهذا موضوع حيوي إذا كان الحديث يجري عن خطة مواجهة وطنية لما يمكن أن يقع على صعيد تزايد الضغوط الأميركية والعودة مجددا إلى سياسة التلويح بالعقوبات السياسية والمالية على السلطة الفلسطينية. وتل أبيب جاهزة فورا لاحتجاز المستحقات المالية الفلسطينية إلى جانب احتمال العدوان العسكري المباشر عبر الاقتحامات في كل من الضفة الفلسطينية وقطاع غزة.
برأينا، ليس من مساحة تقع في الوسط ما بين استمرار الرهان على التفاوض بشروطه القائمة، وبين الخروج من أسر التسوية والانطلاق نحو الأمم المتحدة وتحكيم المجتمع الدولي ووضعه أمام مسؤولية تنفيذ قراراته تجاه القضية الفلسطينية. وإلى جانب ذلك وضعه أمام مشهد فلسطيني مختلف، تنهض فيه المقاومة الشعبية في وجه الاحتلال وسياساته التوسعية وتشعر الجميع بأن للاحتلال كلفة باهظة، وأن الأراضي التي يستمر فيها الاحتلال لن يكون فيها استقرار يطمئن إليه الإقليم... والمجتمع الدولي.
الصورة:
الإجماع الوطني: هل يرد له الاعتبار... دائما؟