إرهاصات التفكير بـالدولة اليهودية لأنطـوان شلحـت
2014-04-13
*تتناول هذه الورقة الدور الذي قام به "مؤتمر هرتسليا" وما زال يقوم به على صعيد الخطاب السياسي السائد في إسرائيل، وأساساً من خلال درس تأثيره في إقرار جدول أعمال السياسة الإسرائيلية العامة، وتبيان الهواجس التي تشغل بال النُخب الإسرائيلية وتنعكس على ممارسات تلك السياسة داخلياً وخارجياً
في إطار "سلسلة الدراسات الإستراتيجية" صدر حديثاً عن "المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية- مسارات" في رام الله كتيب رقم 3 بعنوان (إرهاصات التفكير بـ "الدولة اليهودية" كمنأى من "الخطر الديمغرافي"- حول تأثير "مؤتمر هرتسليا" في تحديد اتجاهات السياسة الإسرائيلية العامة) من تأليف الكاتب والباحث أنطـوان شلحـت.
ويركز هذا الكتيب على توضيح الدور الكبير الذي أدّاه "مؤتمر هرتسليا حول ميزان المناعة والأمن القومي في إسرائيل" منذ تأسيسه سنة 2000 في تحديد اتجاهات السياسة الإسرائيلية العامة، ويسلط الضوء على كل عناصر تلك السياسة المتعلقة بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني والتغيرات الإقليمية والرابطة الجدلية بينهما.
كما يبرز الجوهر الرئيس لهذا الدور والذي تمثل أساساً في تأجيج خطاب "الدولة اليهودية"، سواء إزاء عملية المفاوضات المستمرة مع الفلسطينيين، أو إزاء الفلسطينيين في الداخل، وتحديداً إلى ناحية توكيد أن تكريس هذه الدولة سينأى بها عن "الخطر الديمغرافي"، وسيؤدي إلى تلاشي "خطر الدولة ثنائية القومية"، وإلى نزع فتيل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
ويشير الكتيب إلى أن وقائع كثيرة مرّت منذ انهيار العملية السياسية في سنة 2000، وهو الانهيار الذي تزامن مع تأسيس "مؤتمر هرتسليا"، تثبت أن إسرائيل لا تفكّر أبعد من غاية الحفاظ على "الدولة اليهودية"، مدفوعة بعوامل كثيرة ازدادت عليها ولا تزال عوامل أخرى مرتبطة بآخر تطورات "الربيع العربي"، وتقف في صلبها عوامل كان لهذا المؤتمر يد طولى في طرحها وجعلها تتصدر جدول الأعمال الإسرائيلي العام. وبالقدر نفسه تثبت أن إسرائيل تتطلع إلى أبعد من اعتراف بحكم الأمر الواقع فقط بوجود دولة تسمى إسرائيل.
ومما جاء في مقدمة المؤلف لهذا الكتيّب:
يعتبر "مؤتمر هرتسليا حول ميزان المناعة والأمن القومي في إسرائيل" السنوي الذي تمّ تأسيسه في سنة 2000 بمبادرة من "معهد السياسات والإستراتيجيا" في "المركز المتعدد المجالات" في مدينة هرتسليا بالقرب من تل أبيب، بعد فترة وجيزة من انهيار عملية التسوية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين واندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية (أو عقب "استنفاد العملية السياسية الإقليمية التي انطلقت في مدريد" في تسعينيات القرن العشرين الفائت، على حدّ ما ورد في وثيقته التأسيسية)، أول مؤتمر من نوعه يقارب موضوع المناعة القومية(Resilience) في ارتباطه المباشر مع الأمن القومي الإسرائيلي، ومع التحديات الماثلة أمام إسرائيل داخلياً وإقليمياً وعالمياً.
يعتبر "مؤتمر هرتسليا حول ميزان المناعة والأمن القومي في إسرائيل" السنوي الذي تمّ تأسيسه في سنة 2000 بمبادرة من "معهد السياسات والإستراتيجيا" في "المركز المتعدد المجالات" في مدينة هرتسليا بالقرب من تل أبيب، بعد فترة وجيزة من انهيار عملية التسوية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين واندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية (أو عقب "استنفاد العملية السياسية الإقليمية التي انطلقت في مدريد" في تسعينيات القرن العشرين الفائت، على حدّ ما ورد في وثيقته التأسيسية)، أول مؤتمر من نوعه يقارب موضوع المناعة القومية(Resilience) في ارتباطه المباشر مع الأمن القومي الإسرائيلي، ومع التحديات الماثلة أمام إسرائيل داخلياً وإقليمياً وعالمياً.
وقد نجح في أن يتحوّل على وجه السرعة إلى مرجع بارز في كل ما يتعلق بأوضاع هذه المناعة وضروراتها ومحاذيرها. وكما سنبين في سياق لاحق، يجري أخذ توصياته بهذا الشأن في الاعتبار من جانب المؤسستين السياسية والأمنية- العسكرية، على صعيدي السياستين الداخلية والخارجية في مجالاتهما المتعددة، ولا سيما الاقتصادية- الاجتماعية والدبلوماسية.
وتستقطب كل دورة من المؤتمر رؤساء المؤسستين السياسية والأمنية، وأبرز رجال الأعمال والاقتصاد ووسائل الإعلام والاتصال، والخبراء الأكاديميين، والنخب السياسية والفكرية والثقافية، فضلا عن زعماء سياسيين حاليين وسابقين من العالم الغربي ومن "الشتات اليهودي".
كما نلمس حرصاً من منظمي المؤتمر على استقطاب سياسيين وخبراء من العالم العربي، وخصوصاً من الأردن والسلطة الفلسطينية، ومندوبين من فلسطينيي 48.
وشكل "مؤتمر هرتسليا" مرات كثيرة منصة أولى لإعلان عدد من الزعماء الإسرائيليين مبادرات وبرامج سياسية بشأن التسوية.
فعلى منصته أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق أريئيل شارون تأييده خطة "خريطة الطريق" لتسوية الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني التي صاغتها "الرباعية الدولية" (في دورة سنة 2002)، كما أعلن خطة الانفصال عن قطاع غزة (في دورة سنة 2003). وأعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت موقفه إزاء "أهمية رسم حدود دائمة لإسرائيل من أجل ضمان بقاء أغلبية يهودية فيها" (في دورة سنة 2006)، فيما أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية بنيامين نتنياهو مقاربته لتسوية الصراع المستندة أولاً وقبل أي شيء إلى مبدأ الحفاظ على الأمن (في دورة سنة 2003)، وذلك عندما كان يتولى منصب وزير المالية في حكومة شارون الثانية (2003- 2006)، وكما هو معروف فقد طوّرها نتنياهو فيما بعد عندما أصبح رئيساً للحكومة إلى ما يمكن اعتبارها "مقاربة حل الدولتين" وذلك في الخطاب الذي ألقاه في جامعة بار إيلان في حزيران/ يونيو 2009 وهي أيضاً تستند أساساً إلى مبدأ الحفاظ على الأمن، وإلى مبدأ الاعتراف بالدولة اليهودية.
وفي آخر دورة عقدها هذا المؤتمر حتى وقت كتابة هذه الورقة (وهي الدورة الـ 13 التي التأمت خلال الفترة بين 11 و14 آذار/ مارس 2013) فجّر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان") اللواء أفيف كوخافي قنبلة حينما أعلن أن الرئيس السوري بشار الأسد يقوم باستعدادات متقدمة لاستخدام الأسلحة الكيميائية التي في حيازته ضد المتمردين، كما شدّد على أن الأوضاع الاقتصادية القاسية في مناطق السلطة الفلسطينية، وحملة الاحتجاج التي يقوم بها الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية، يمكن أن تشكلا وقوداً لاشتعال المناطق المحتلة برمتها.
ويمكن القول الآن أيضاً إن كوخافي "تنبأ" حينذاك بانفجار الأوضاع الداخلية في مصر، عندما أشار إلى أن القوى التي حركت الجماهير الشعبية للنزول إلى الساحات في العالم العربي لم تُترجم إلى عناصر سياسية فاعلة، ودخلت إلى الفراغ الناشئ أحزاب إسلامية، الأمر الذي تسبب بصعود نفوذ حركة "الإخوان المسلمين". وتوقع أن تؤدي الخطوات التي تقدم عليها هذه الحركة إلى اندلاع ما أسماه "هزة جديدة" في المنطقة العربية.
كما كشف رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال بيني غانتس أمام هذه الدورة النقاب عن الإستراتيجيا التي يتبناها هذا الجيش في مواجهة آخر تداعيات ثورات الربيع العربي، وفحواها أن على إسرائيل أن تبقى جاهزة دوماً للحرب، وإلاّ "فإننا لن نغفر لأنفسنا".
تتناول هذه الورقة الدور الذي قام به "مؤتمر هرتسليا" وما زال يقوم به على صعيد الخطاب السياسي السائد في إسرائيل، وأساساً من خلال درس تأثيره في إقرار جدول أعمال السياسة الإسرائيلية العامة، وتبيان الهواجس التي تشغل بال النُخب الإسرائيلية وتنعكس على ممارسات تلك السياسة داخلياً وخارجياً. وستفعل ذلك من دون الخوض بصورة تفصيلية في موضوع ميزان العلاقة القائمة بين هذا المؤتمر وبين أصحاب القرار، نظراً إلى أن هذا الموضوع يحتاج إلى إطار بحثي آخر.
كما أنها ستطرح بعض الاقتراحات المتعلقة بالأداء الفلسطيني عموماً في مقابل هذا المسار وتأثيره في الساحة السياسية الإسرائيلية العامة، متوخين أن يكون في هذه الاقتراحات ما يعين على فهم العوامل الجوفية في تلك الساحة، وعلى استخلاص الوسائل اللازمة لمواجهتها.