:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/3185

الأردن: هواجس واستحقاقات في محيط اقليمي مضطرب

2014-05-01

ألقت أعمال العنف بظلالها على مدينة معان الأردنية خلال الأيام الماضية، وتحوّلت شوارعها الرئيسة إلى ساحة قتال مع تصاعد الدخان واستمرار إطلاق الرصاص فيها، وذلك بعد اشتباكات دموية بين محتجين ووحدات من الدرك الأردني تقول إنها تطارد مطلوبين.
وعادة ما تشهد هذه المدينة، التي تعدّ معقلاً قبلياً في جنوب الأردن، اشتباكات بين بعض شبابها، وبين الأجهزة الرسمية منذ عام 1989، لكن الاشتباكات الأخيرة اعتبرت الأعنف منذ سنوات، وقد أودت بحياة العديد من الشبان. وتزامنت هذه المرّة مع حلول ذكرى «هبّة نيسان»، التي اندلعت فيها احتجاجات شعبية عارمة في نيسان (أبريل) 1989 داخل المدينة ذاتها، وقادت إلى إلغاء الأحكام العرفية، وعودة الحياة الديمقراطية إلى البلاد.
وقد هاجمت غالبية النواب في البرلمان الأردني طريقة التعامل الرسمية مع معان، وحمّلت الحكومة ووزير الداخلية حسين المجالي خصوصاً مسؤولية المواجهات الأخيرة. وحذر بعضهم من تحول المدينة إلى «درعا» جديدة، ودعوا الحكومة إلى «تغليب لغة العقل خلال التعامل مع الأحداث حتى لا تتسع شرارتها وتصعب السيطرة عليها».
لكن وزير الداخلية نفى « نفياً قاطعاً استهداف الأجهزة الأمنية أي شخص بسبب فكره السياسي أو العقائدي..»، وقال إن «الحملة الحالية لا تستهدف معان وأهلها، إنما هدفها فقط القبض على عدد من الخارجين على القانون». وكان مسؤول أمني أعرب عن قلقه من انتشار السلاح في المدينة، ومن إطلاق الرصاص على المقار الأمنية فيها، وهي المرة الأولى التي يحصل فيها مثل هذا الأمر.
وكان المئات من أبناء معان شاركوا في تظاهرة (25/4)، رددوا خلالها هتافات طاولت شخصيات سيادية في البلاد. ورفع خلالها بعض المحتجين المحسوبين على التيار السلفي الرايات السوداء التي تشبه رايات تنظيم القاعدة. كما شهدت عمان وإربد وجرش والطفيلة فاعليات تضامنية مع معان طالبت بمحاسبة المسؤولين عن التجاوزات.
أسباب الاضطرابات
وقد تصاعدت أعمال العنف الأخيرة في المدينة، بعد إعلان السلطات (22/4)، مقتل أحد الشبان من التيار السلفي الجهادي الموالي لتنظيم القاعدة، خلال مطاردات نفذتها قوات الدرك، وهو عاشر مواطن يقضي في غضون عام.
وعقب الحادث، دخلت المدينة في ما يشبه العصيان المدني، حيث أغلقت غالبية المقار الحكومية والخاصة أبوابها، إضافة إلى البنوك التجارية ومراكز الاتصالات والمدارس بما فيها جامعة الحسين.
ونقل شهود عيان أن المدينة تحولت إلى مدينة أشباح.. حيث لا يوجد في الشوارع إلا المحتجين وقوات الدرك التي تتمركز عند المؤسسات الرسمية، وتحصل بينهما أعمال كر وفر. واتهم رئيس المجلس المحلي في المدينة قوات الأمن بممارسة «إجراءات همجية بربرية ووحشية». وذُكر أن وجهاء معان طالبوا بتشكيل «لجنة مشتركة يشرف عليها الملك، لبحث التجاوزات التي ارتكبتها الأجهزة الرسمية خلال عام كامل بحق المدينة وأبنائها».
وتعدّ معان معقلاً قبلياً، يسكنها نحو 60 ألفاً، وتقع على بعد نحو 250 كيلومتراً جنوبي عمان، ويُعرف عنها تحديها السلطة المركزية. وهي تفتقر لكل مقومات الحياة، وتعاني من الفقر والتهميش، وهناك بطالة بنسب كبيرة بين شبانها، وكانت مسرحاً لاضطرابات أهلية منذ عام 1989، ويقول بعض سكانها إنه حتى التعامل مع المطلوبين أمنياً فيها يختلف عن بقية مناطق المملكة. وينشط بين سكان معان منذ فترة طويلة (السلفيون الجهاديون)، ويحوز العديد منهم على أسلحة ويرفضون التخلي عنها.
ويحمّل بعض أهل المدينة وزير الداخلية مسؤولية ما تشهده المدينة من أحداث معتبرين أنه «أساس المشكلة، وعاجز عن حلّها»، وبأن الأمر يحتاج إلى شخصيات من الدولة ليست طرفاً في المشكلة ليتمكنوا من حلها.
تعديلات على قانون الإرهاب
يسعى الأردن، من خلال التعديلات المثيرة للجدل التي أقرّها مجلس النواب (23/4)، على قانون مكافحة الإرهاب، الصادر في العام 2006، إلى تحصين ساحته الداخلية، ولجم تأثير «الجهاديين» المحليين المنتمين لتنظيم «القاعدة»، أو المتأثرين به، والذين ذهبت أعداد كبيرة منهم للقتال في سوريا أو العراق، وذلك عبر التوسع في تعريف الأعمال الإرهابية وتشديد العقوبات عليها.
وحسب بعض الحقوقيين، فإن مشروع القانون الجديد وسّع تعريف العمل الإرهابي لكنه ترك زوايا معتمة في مهب الاجتهاد وتضارب التفسيرات، وذلك في «تجاوز للقواعد الدستورية، والمعايير الدولية لحرية الرأي والتعبير»، حيث جاء فيه أن الإرهاب هو «كل عمل أو امتناع عن عمل أو التهديد به أياً كانت بواعثه وأغراضه أو وسائله يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جمعي من شأنه تعريض حياة المجتمع وأمنه للخطر أو إحداث فتنة، إذا كان من شأن ذلك الإخلال بالنظام العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم أو تعريض حياتهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو المرافق الدولية أو البعثات الدبلوماسية، أو احتلال أي منها أو الاستيلاء عليها أو تعريض الموارد الوطنية أو الاقتصادية للخطر أو إرغام سلطة شرعية أو منظمة دولية أو إقليمية على القيام بأي عمل أو الامتناع عنه أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو الأنظمة».
كما وسّع المشروع المقرّ مظلة جرائم الإرهاب بحيث تشمل الالتحاق أو حتى «محاولة الالتحاق بأي جماعة مسلحة أو تنظيمات إرهابية أو تجنيد أو محاولة تجنيد أشخاص للالتحاق بهم وتدريبهم لهذه الغاية سواء داخل المملكة أو خارجها». كما جرّم «تقديم الأموال أو إدارتها بأي وسيلة مباشرة أو غير مباشرة بقصد استخدامها لتمويل عمل إرهابي أو تمويل إرهابيين سواء وقع العمل داخل المملكة أو خارجها».
مشروع القانون الجديد وسعّ أيضاً صلاحيات المكلفين بإنفاذ القوانين على حساب السلطة القضائية، ما ينذر، وفقاً لهؤلاء الحقوقيين، بإخراج بعض إجراءات التحقيق من صفتها القضائية إلى أدوات ضبطية، ما قد يشكّل خروجاً على استقلال السلطة القضائية ومساساً بمبدأ فصل السلطات.
كما صنّفت التعديلات «استخدام نظام المعلومات أو الشبكة المعلوماتية أو أي وسيلة نشر أو إعلام أو إنشاء موقع الكتروني لتسهيل القيام بأعمال إرهابية أو دعم لجماعات أو تنظيم أو جمعية تقوم بأعمال إرهابية أو الترويج لأفكارها أو تمويلها»، عملاً إرهابيا.
المشهد الإقليمي
وكان من الواضح أن المشهد الإقليمي المحيط بالأردن، واحتمال انعكاسه عليه كان له تأثير في صوغ التعديلات الأخيرة، إضافة إلى البيئة والقاعدة المجتمعية التي قد تشكل حاضنة للإرهاب في بعض المناطق الأردنية، وخصوصاً بعد أن عانى الأردن فيما مضى من العائدين من أفغانستان والشيشان وكوسوفو وسراييفو وغيرها، فضلاً عن أنه يواجه الآن، كما قال سياسيون أردنيون، «تحدي جماعات متشددة تتناسل في الداخل بفعل الفقر والبطالة والجهل وثقافة الانغلاق والكراهية وإقصاء الآخر مع تراجع الحريات وغياب العدالة في توزيع مكاسب التنمية وتراجع هيبة الدولة لمصلحة الهويات الفرعية الضيقة».
وقد ربط كثيرون بين إعادة النظر في قانون الإرهاب في الأردن وضرورة مواجهة تداعيات ما يحدث في سوريا، وذلك بعد أن باتت الأخيرة «أكبر نقطة جذب للجهاديين في التاريخ المعاصر وبالتالي أصبحت تشكل تحدياً لدول إقليمية وعالمية».
وكانت المملكة السعودية أدرجت قبل نحو شهرين عدد من الجماعات والمنظمات على قائمة المنظمات الإرهابية والمتطرفة من بينها «جماعة الإخوان المسلمين» و«تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف بـ«داعش» و«جماعة الحوثيين» في اليمن و«جبهة النصرة» و«حزب الله» في داخل المملكة.
لكن عدداً من الناشطين الحقوقيين رأوا أن التعديلات الجديدة صيغت بلغة «مطاطة»، يمكن أن تنتهك حقوقاً أساسية للمواطن، من خلال احتوائها على أحكام فضفاضة تسمح للسلطات بملاحقة وإدانة ناشطين مستقلين ومعارضين سلميين، على غرار دول عربية أخرى سنّت قوانين مماثلة خلال العام الماضي، بما فيها مصر.
وفي الوقت الذي لا ينكر فيه الحقوقيون تفاقم خطر الجماعات التكفيرية في المنطقة عموماً، وحق الأردن في تحصين نفسه، أمام انفجارات متوقعة، بيد أن هؤلاء أعربوا عن خشيتهم من استخدام القانون الجديد بغرض كم الأفواه وربما استهداف «ناشطين سياسيين»، عبر تحميل جرم عادي أو مسيرة احتجاجية أبعاداً إرهابية، فقط من خلال الحكم على النيات.