العبرة بالالتزام -محمد السهلي
2014-05-03
التزام قرارات «المركزي» وإنهاء الانقسام كفيلان بعودة الحالة الفلسطينية إلى موقع المبادرة
الحرية: خرج المجلس المركزي الفلسطيني بقرارات متقدمة بما يخص عملية التسوية، والدفع قدما بالمسعى الفلسطيني نحو الأمم المتحدة وتوسيع دائرة المنظمات والاتفاقات الدولية التي من المفترض أن تتقدم فلسطين بطلبات الانتساب إلى عضويتها.
وقد تزامن موعد اجتماعات «المركزي» مع نهاية مدة الأشهر التسعة التي حددت كمدى زمني لجولة المفاوضات التي بدأت بين المفاوض الفلسطيني وحكومة نتنياهو في نهاية تموز/يوليو من العام الماضي، وفي ظل ضغوط أميركية وتهديدات إسرائيلية لحمل الجانب الفلسطيني على قبول تمديد فترة المفاوضات.
فهل يعني هذا أن المفاوض الفلسطيني سيلتزم قرارات المجلس المركزي ويرفض تمديد المفاوضات، أم أن قرارات المجلس ستكون مجرد رسالة ــ وإن كانت قوية ــ إلى الولايات المتحدة وإسرائيل من أجل تحسين شروط التسوية دون تغيير حقيقي في أسسها السياسية والقانونية؟
يأتي اجتماع المجلس المركزي بعد سلسلة من الاجتماعات المفتوحة التي عقدتها القيادة الفلسطينية بعدما رفضت حكومة بنيامين نتنياهو الالتزام بإطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين القدامى، واستخدام هذا القضية كورقة ابتزاز بيد تل أبيب مقابل انتزاع موقف فلسطيني بقبول تمديد المفاوضات حتى نهاية العام الجاري.
الموقف الفلسطيني الذي صدر عن القيادة الفلسطينية في رام الله كان قويا هذه المرة، حيث لم يكتف برفض تمديد المفاوضات، بل وبادر إلى تقديم طلبات الانتساب إلى 15 منظمة واتفاقية في إطار الأمم المتحدة. في إشارة واضحة فهمها المراقبون على أنها إشعار فلسطيني بأن مفعول «تفاهمات كيري» قد انتهى بما يخص تجميد المسعى الفلسطيني نحو الأمم المتحدة ومؤسساتها.
في هذا السياق، تأتي قرارات المجلس المركزي الفلسطيني لتتوج الموقف القيادي الفلسطيني وتشرعه، عبر إعادة التأكيد على قرارات سابقة اتخذها المجلس في دورته الماضية بخصوص عملية التسوية، مع فارق جوهري يتعلق بقرارات متكاملة سياسيا وديبلوماسيا اتخذت في الدورة الأخيرة لـ«المركزي».
*فقد انصبت قرارات المجلس على تصويب المسار السياسي لعملية التسوية برمتها، من خلال الدعوة إلى بناء العملية السياسية على أساس قرارات الشرعية الدولية، وخاصة القرار 194 الذي يكفل للاجئين الفلسطينيين حق عودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها. وفي هذا النقطة تحديدا يكون المجلس قد تجاوز موقف المفاوض الفلسطيني الذي لطالما كان يتحدث عن «حل متفق عليه» بخصوص قضية اللاجئين، اتكاء على ما ورد في المبادرة العربية في هذا الشأن، وهو الذي كان يعرض على الدوام حق عودة اللاجئين إلى خطر الشطب، وتمرير مشاريع التوطين والتشتيت.
* كما تجاوز المجلس موقف المفاوض الفلسطيني تجاه مبدأ «تبادل الأراضي» الذي خاض فيه مطولا مع حكومات إسرائيلية متعاقبة ووقع في شرك بازار نسب التبادل التي كان يريدها الإسرائيليون كبيرة، في حين كان المفاوض الفلسطيني يطالب بأن تكون نسبة صغيرة تؤدي إلى تبادل أراضٍ متكافئ ومتساوي في المساحة والأهمية.
فقد رفض المجلس «تبادل الأراضي» من حيث المبدأ. وفي هذا الموقف يقطع الطريق على الاحتلال الذي وجد
اعتماد مبدأ التبادل إقرار فلسطيني بحق إسرائيل في اجتزاء مناطق من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما يتناقض تماما مع قرارات الشرعية الدولية التي دعت إلى انسحاب الاحتلال من الأراضي الفلسطينية التي احتلت في العام 1967.
النص على القرار 194، ورفض «تبادل الأراضي» شكلا نقلة نوعية في قرارات «المركزي» لأنهما جاءا في سياق تأكيد المجلس على مرجعية عملية التسوية في حال إعادة بنائها، وربطها بقرارات الأمم المتحدة وتحت إشرافها مباشرة عبر مجلس الأمن؛ أو مؤتمر دولي بالرعاية نفسها.
*الإيجابية المتممة لقرارات المجلس المركزي بخصوص التسوية، أنها ترافقت مع قرارات واضحة دعت إلى مواصلة الهجوم الديبلوماسي الفلسطيني وتأكيد حق فلسطين في الانتساب إلى جميع المنظمات والاتفاقات الموقعة في ولاية الأمم المتحدة، والتأكيد على ضرورة طرح قضايا رئيسية مثل الاستيطان والأسرى على طاولة البحث في الجمعية العامة للأمم المتحدة وإحالة هذه القضايا إلى المؤسسات والهيئات والاتفاقات الدولية المتخصصة مثل محكمة الجنايات الدولية في لاهاي واتفاقيات جنيف الأربع، والمطالبة بتطبيق القانون الدولي والإنساني على ما يحصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة من انتهاكات واعتداءات بفعل السياسات العدوانية والتوسعية التي يمارسها على الدوام الاحتلال الإسرائيلي.
يمكن القول إنه ربما للمرة الأولى من تاريخ عملية التسوية يتبلور فيه موقف فلسطيني موحد ومتماسك، تجاه الأسس الواجب توافرها في هذه العملية كي يشترك فيها الفلسطينيون وهم مطمئنون إلى عدم تكرار التجارب المريرة السابقة والتي لم تؤد سوى إلى المزيد من نشر الاستيطان ونهب الأرض الفلسطينية على امتداد أكثر من عشرين عاما من المفاوضات العبثية.
ردود الفعل الإسرائيلية على قرارات المجلس المركزي الفلسطيني لم تتأخر، وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على الفور تعليق المفاوضات (وهي معلقة أساسا) وهدد باتخاذ إجراءات «عقابية» ضد السلطة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه تضغط واشنطن من أجل جولة أخرى من المفاوضات دون أن تبدي أية إشارة جدية تدل على أنها بمعرض مراجعة موقفها المنحاز للاحتلال وشروطه.
التهديدات الإسرائيلية والمحاولات الأميركية لـ«إحياء» المفاوضات تدفع للتأكيد على ضرورة التزام المفاوض الفلسطيني ومرجعيته السياسية قرارات المجلس المركزي التي رفضت العودة للمفاوضات. والتزام الأسس والقواعد التي دعا المجلس إلى توافرها كي يكون ممكنا الخوض بعملية التسوية مجددا.
ومن الضروري أيضا، الإشارة إلى أن «التمديد الجزئي» للمفاوضات ـ إن صح التعبير ـ واشتراط بحث موضوعة الحدود حصرا خلال ثلاثة أشهر غير مضمون النتائج إلا إذا جاء ذلك في سياق تنفيذ الإستراتيجية التفاوضية التي قررها المجلس الفلسطيني المركزي، لأن مفتاح حل موضوعة الحدود وغيرها من القضايا الأساسية هو قرارات الشرعية الدولية، من دون ذلك ستتكرس «تفاهمات كيري» ومشروع اتفاق الإطار الذي تتحدث به واشنطن كمرجعية للتفاوض حول الحدود وغيرها. وهذا يعني شطب قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. وبالتالي نعود إلى المربع صفر، مع فارق احتساب الخسائر الفلسطينية السابقة واللاحقة في حال لم يتم التزام المفاوض الفلسطيني قرارات «المركزي».
يحتاج تطبيق قرارات المجلس المركزي إلى عوامل مساعدة على الصعيد الفلسطيني. ولهذا السبب عندما طرحت الجبهة الديمقراطية في اجتماعات المجلس ضرورة تصويب العملية السياسية وربطها بقرارات الشرعية الدولية، ربطت تنفيذ هذا الأمر بضرورة اعتماد سياسة اقتصادية ــ اجتماعية جديد تعزز صمود المجتمع الفلسطيني وتطلق طاقاته. وإذا لم يتم تطبيق سياسات جديدة على صعيدي التسوية والتنمية الاقتصادية إلى جانب إنجاح وتنفيذ اتفاق المصالحة بشكل عملي، فإن قرارات المجلس المركزي معرض لخطر عدم التزامها.
في هذا السياق، جاء الاتفاق مؤخرا بين وفد منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس بخصوص تطبيق اتفاق المصالحة وتشكيل حكومة توافق وطني عشية انعقاد «المركزي» كخطوة مهمة ينبغي توافر الإرادة السياسية لتطبيقها على الأرض بما ينهي الانقسام. فاستعادة الوحدة مهمة وطنية كبرى وملحة ولا تحتمل تحويل إمكانية تجسيدها إلى رسائل توجه إلى عناوين مختلفة.
يمكن القول إن التزام قرارات المجلس المركزي الفلسطيني ، والسير قدما في خطوات إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، كفيلان بعودة الحالة الفلسطينية إلى موقع المبادرة مجددا، ويعزز مكانة العامل الفلسطيني في معادلة الصراع مع الاحتلال.