:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/3316

غرابة معطيات الصراع مع إسرائيل وتباين خيارات الحل -حلمي موسى

2014-05-20

تبدو العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية غريبة إلى حد كبير عن المنطق السائد في العالم. فالكلام لا يعني نفسه والأفعال تأخذ مسارات متناقضة بحيث إن ما يبدو للحظة كأنه إنجاز حققه طرف يتراءى لاحقا كأنه طوق وضعه هذا الطرف على رقبته. هكذا الحال مع المستوطنات إسرائيلية ومع إعلان الدولة فلسطينيا. وهذا حال المفاوضات والمصالحة.
السلطة الفلسطينية تريد المفاوضات ولكن على أسس أشد وضوحا. إسرائيل تريد المفاوضات لكن التي لا تقود إلى أي شيء. ليفني تستقبل في بريطانيا بأمر اعتقال لا يحول دون تنفيذه إلا تصريح خاص من الخارجية البريطانية. وتظاهرات داعمة للفلسطينيين في لندن تطالب باعتقالها. والرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يلتقيها إلا في لندن.
إسرائيل علقت المفاوضات، ردا على اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس. السلطة أعلنت أنها لن ترجع للمفاوضات من دون تحقيق شروط أهمها وقف الاستيطان وتعريف الحدود. رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يبتهج لأن المفاوضات تفجرت ولأن ائتلافه الحكومي بقي على حاله. وهو يستغل اتفاق المصالحة ليقول ان عباس فضل الصلح مع حماس على الصلح مع إسرائيل.
الولايات المتحدة من جانبها، تحمل إسرائيل الذنب الأكبر في فشل المفاوضات. لكنها لا تجرؤ حتى الآن على إعلان ذلك صراحة وتكتفي بتسريبات ضعيفة أو قوية لصحف كبرى في أميركا. والخلاصة أن الرئيس الأميركي باراك أوباما، بدلا من أن يضغط على إسرائيل، يقدم لها الدعم ويتركها تفعل ما تشاء تحت شعار «دع الطرفين ينضجا في قدر صراعهما».
وعلى الأرض تبدو موازين القوة غير مبشرة. فالأزمة في الوطن العربي، الحاضنة الطبيعية للفلسطينيين، تتعمق من دون ظهور آفاق لنهايتها. وإسرائيل تستغل أزمة الفلسطينيين الداخلية، اقتصاديا وسياسيا، لترسخ وقائع جديدة أبرز ما فيها أنها تزيد الخيارات وخصوصا من طرف واحد. وفي هذا السياق ثمة أهمية للبحث الذي نشره رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق عاموس يادلين عن خيارات إسرائيل الأربعة: الأول: اتفاق سلام مقبول اسرائيلياً، الثاني: اتفاق سلام غير مقبول على الإسرائيليين ويلبي رغبة الفلسطينيين، الثالث: بقاء الوضع الراهن، والرابع عدم التوصل إلى اتفاق بما يخدم مصالح إسرائيل في بلورة حدودها وتحسين وضعها في المفاوضات مع الفلسطينيين وسلب حق الفيتو في ما يتعلق بحل الدولتين.
ويشدد يادلين على أن الخيارين الأولين غير واقعيين وأن استمرار الوضع الراهن والذي هو أفضل من اتفاق وفق الشروط الفلسطينية ينطوي على خطر الانزلاق نحو الدولة الواحدة. ولذلك فإنه لا يرى تقريبا من خيار أفضل لإسرائيل من خيار تصنعه بنفسها. ويقوم هذا الخيار على «خطوات من طرف واحد لرسم الحدود، عبر خطة استراتيجية لفرض حل الدولتين حتى من دون اتفاق كامل بين الطرفين ومن دون منح الفلسطينيين حق الفيتو على تنفيذ حل الدولتين».
غير أن خيار يادلين هذا يشترط أمرين هامين وهو مساعدة «أصدقاء إسرائيل» في الغرب لها في تحقيق ذلك والثاني خلق مصالح للفلسطينيين من قبيل تسهيلات في العمل والحركة وما شابه تحول دون سيطرة «جهات معادية» في «الجانب الآخر». وبكلمات أخرى خلق سياسة إسرائيلية فاعلة تتجاوز القيد الأيديولوجي الذي يحيط بأعناق قادة اليمين الحاكم في إسرائيل.
وبديهي أن السياسة الرسمية الإسرائيلية الحالية لا يمكن أن تأخذ صراحة بهذا الخيار لاعتبارات دولية وداخلية ولكن ليس هناك ما يمنع تنفيذه كليا أو جزئيا من الناحية العملية. فقد اعترض اليمين الإسرائيلي على الجدار الفاصل، لكنه الآن يرتاح له. كما اعترض هذا اليمين بشدة على خطة الفصل عن قطاع غزة لكن لا أحد جادا في قيادة اليمين يطالب بإعادة احتلال القطاع.
وبالمقابل، فإن الفلسطينيين يحاولون بلورة خيارهم الخاص، حيث يزداد الحديث عن أن دولة فلسطين، وضمن حدود العام 1967 قائمة ومعترف بها من الأسرة الدولية، وأن كل ما هو مطلوب تأكيد ذلك في المحافل الدولية باعتبار فلسطين دولة تحت الاحتلال. لكن هذا خيار نضالي لا يعني أنه سيقود خلال بضعة أيام إلى تحقيق أهدافه. فتحقيق الهدف يتطلب سنوات لا يقف فيها الاحتلال مكتوف اليدين. وهذا يعني وجوب مراجعة الأساليب المعمول بها والتي أسهمت في تفتيت الهوية الوطنية وإضعاف الروح النضالية. فالمجابهة مع إسرائيل لا يمكن أن تتم بالشعارات حتى الأجود والأفضل بينها وهو ما يعني إعادة رسم الاستراتيجية الفلسطينية بحيث تستند إلى كل الطاقات أو على الأقل إلى أغلب الطاقات.
لقد كان يقال في الماضي ان 99 في المئة من أوراق الحل موجودة بيد أميركا. لكن بعد أن تم تسليم كل هذه الأوراق لأميركا يتضح من جديد أن أوراق الحل يجب أن تبقى بأيدينا، كعرب وفلسطينيين. وهو أمر لا يتحقق مع استمرار التشرذم والانقسام وتبديد القوى. فمقابل خيارات إسرائيل من الضروري وضع خيارات فلسطينية تجمع بين البعدين السياسي والعسكري في استراتيجية نضالية واعية. من دون ذلك ستواصل إسرائيل التقدم في مشروعها ونحن نقف متفرجين أو صارخين في أفضل الأحوال.