القس المناضل ديزموند توتو وفضح سجون الاحتلال-كاظم الموسوي
يصعّد الاسرى الفلسطينيون مقاومتهم بأمعائهم الخاوية بإعلان اضراب مفتوح عن الطعام، وهي وسيلتهم الممكنة بيدهم الان، ورسالتهم الى كل احرار العالم للتضامن معهم والمطالبة بإطلاق سراحهم وتحريرهم من اسر الاحتلال وكشف معاناتهم الانسانية. والعمل على تحميل الاحتلال الصهيوني مسؤولية اية اجراءات قد تتخذها ادارات سجونه لكسر اضرابهم بالقوة، ودعوة مفتوحة وعامة الى الغاء الاعتقال الاداري، واعتباره جريمة ليست ضد الاسرى الفلسطينيين فقط بل وضد الانسانية.. ومطالبة القيادة الفلسطينية وجميع الهيئات المعنية الى تدويل قضية الاسرى في المحافل الدولية لتصبح قضية كل احرار العالم، مع التأكيد على اضطلاع المؤسسات الحقوقية والإنسانية والدولية بمسؤولياتها، من خلال تحالف فلسطيني عربي دولي واجتماع انساني قانوني يوظف الجهود والفعاليات كلها لخدمة القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني العادلة والمشروعة.
في هذا الصدد، ومن جهته، قام القس المتقاعد ديزموند توتو، من جنوب افريقيا، بقيادة تظاهرات ومطالبات وتوقيع بيانات مشتركة لوقف العدوان على الاسرى بأي شكل وعن أية طريق، بما فيه كشف تعاون الاحتلال مع شركات غربية تدعم سجونه وأساليبه العنصرية. فقد طالب القس توتو شركة أنظمة الأمن البريطانية (جي فور اس G4S) بوقف تعاملها مع الكيان الصهيوني، بحسب تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية (5/6/2014) بعنوان "ديزموند توتو يطالب شركة جي فور اس بوقف امداداتها للسجون الإسرائيلية". وذلك خلال الاجتماع العام السنوي للجمعية العامة للشركة والذي ينعقد في العاصمة البريطانية لندن. وهي شركة بريطانية التسجيل مختصة بالأمن والحماية والتدريب وتجهيزاته المختلفة.
فوجّه توتو، الحائز على جائزة نوبل للسلام، وعدد من الشخصيات البارزة والمفكرين والفلاسفة العالميين خطابا للشركة واجتماعها العام، من أجل وقف تعاملها مع الكيان الصهيوني، ونشرت الصحيفة البريطانية نصه الكامل. جاء فيه: "إن منظمات عدة في مجال حقوق الانسان وثقت انتهاكات إسرائيلية لحقوق الانسان وتعذيبا ممنهجا داخل السجون ضد الفلسطينيين ومنهم اطفال يتم احتجازهم في السجن الانفرادي". وذكرت الصحيفة، إن الشركة تقدم تسهيلات للسجون داخل الكيان الصهيوني التي يتم فيها احتجاز الفلسطينيين المعتقلين من داخل الاراضي المحتلة رغم أن معاهدة جنيف تحظر نقل المعتقلين الذين يتم اعتقالهم داخل أية مناطق تحت الاحتلال إلى داخل أراضي الدولة المحتلة. وأشارت الى "ان توتو سيقود مظاهرة ضد إدارة الشركة البريطانية، التي توفر انظمة الامن وعمليات الصيانة والإصلاح لعدد من المعتقلات الإسرائيلية داخل إسرائيل والضفة الغربية"، لافتة الى ان توتو يتهم إدارة الشركة بإمداد الإسرائيليين بتسهيلات تساعدهم على مواصلة الاحتلال الوحشي واستمرار نظام السجون البغيض". ويوصف هذا الامداد والدعم تورطا في أنظمة الأمن في السجون الإسرائيلية ومساهمة منها، ويحذر الشركة بأنها تعتبر ضالعة في انتهاك القانون الدولي ومشاركة مع الكيان إلاسرائيلي في استخدام السجن الجماعي لإثناء الفلسطينيين عن الاحتجاج على الانتهاكات الإسرائيلية الممنهجة لحقوق الإنسان.
في خطاب توتو الواضح منطلقا من تجربته في حركة التحرر الوطني في بلاده، جنوب افريقيا، يقدم دروسا مفيدة الى حملات التضامن والمقاطعة لأجهزة العدو والاحتلال والمتعاونين معها. ويفيد بان هذه الجهود جاءت في سياق التأييد لمبادرة دولية متنامية، هي حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات ضد الكيان إلاسرائيلي ((BDS. وتنبع هذه الحركة من الدعوة إلى تحقيق العدالة التي أطلقها الشعب الفلسطيني نفسه. بل هي حركة دولية غير عنيفة بقيادة فلسطينية، والتي تسعى إلى إجبار الحكومة الإسرائيلية على الامتثال للقانون الدولي فيما يتعلق بمعاملتها للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
كتب القس توتو: في جنوب أفريقيا، لم نكن لنتمكن من تحقيق ديمقراطيتنا من دون مساعدة الناس في جميع أنحاء العالم، الذين من خلال استخدام وسائل غير عنيفة، مثل المقاطعة وسحب الاستثمارات، شجعوا حكوماتهم والجهات الفاعلة الأخرى على وقف الدعم المقدم منذ عقود طويلة لنظام الفصل العنصري. ويملي علي ضميري الوقوف مع الفلسطينيين وهم يسعون إلى استخدام نفس التكتيكات اللاعنفية لمواصلة جهودهم لإنهاء القمع المرتبط بالاحتلال الإسرائيلي.
ورد محتجا على قرارات امريكية بمحاسبة منظمات المقاطعة للكيان الصهيوني ومحاكمة الناشطين فيها. مذكرا: "سوف يكون من شأن إقرار التشريعات المقترحة في الولايات المتحدة أن يجعل المشاركة في حركة مثل تلك التي أنهت الفصل العنصري في جنوب أفريقيا عملية صعبة للغاية. إنني أشعر بالقلق العميق أيضا من القرارات المرتبطة بإصدار هذه القوانين التي أفهم أنها تشمل، في حالة ولاية ميريلاند، شهادة تقارن حركة المقاطعة الحالية بتصرفات النازيين في ألمانيا. إن المحرقة النازية التي أدت إلى إبادة ملايين اليهود هي جريمة ذات أبعاد وحشية. أما الإيحاء بأنها قابلة للمقارنة بأي شكل من الأشكال مع مبادرة لاعنفية، فأمر يقلل من الطبيعة المروعة لتلك الحقبة المأسوية والموسومة بالإبادة الجماعية في تاريخ عالمنا.
سواء تم استخدامها في جنوب أفريقيا، في جنوب الولايات المتحدة، أو في الهند، أفضت المقاطعة إلى إحداث تغيير وتحول، والذي لم يقتصر على تحقيق الحرية والعدالة للضحايا، وإنما جلب السلام والمصالحة للظالمين أيضا. إنني أعارض بشدة أي جزء من أي تشريع يهدف إلى معاقبة أو ردع الأفراد عن متابعة العمل من أجل تحقيق هذا الطموح التغييري. وسوف أبقى على أمل إلى الأبد بأن حركة المقاطعة والعقوبات وسحب الاستثمارات سوف تصبح في نهاية المطاف، مثل كل الجهود غير العنيفة التي سبقتها، حافزا للسلام والمصالحة بين جميع إخواننا وأخواتنا من الفلسطينيين والإسرائيليين في الأراضي المقدسة، وعلى حد سواء".
كانت هذه المخاطبات والمطالبات التي قام بها القس توتو مفتاحا مهماً لحركة المقاطعة ونشاطات اعضائها، ليس في جنوب افريقيا، بلاده وحدها، وإنما في انحاء المعمورة. وأثمرت كل الجهود في فضح الممارسات الوحشية والعنصرية وقدمت شهادات موثوقة من شخصيات موزونة عالميا معلنة تضامنها الانساني مع ضحايا الاحتلال الصهيوني وممارساته العنصرية ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة. كما انها تقدم في الوقت نفسه شهادات اخرى من القس توتو ومَن وَقّع معه تدين بقوة سياسات الاحتلال والاستعمار الصهيوني لفلسطين ولشعبها الذي يخوض حرب تحرره العادلة، من اخر استعمار استيطاني في الكرة الارضية.
حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على الكيان الصهيوني التي تعمل على مستوى دولي من اجل المقاطعة الاقتصادية والثقافية والأكاديمية للكيان الصهيوني بينت بشدة ان العدوان على الشعب الفلسطيني يتطلب تصديا بمختلف الاساليب والأشكال ومنها هذه الحركة التي اقرت في مؤتمرات لها اسلوبها العالمي، والذي لقي استجابات واسعة من احرار العالم، ومن ضمنهم القس توتو، مستفيدة من تجربته وحركة الحقوق المدنية غير العنيفة في جنوب افريقيا في مقاومة التمييز العنصري/ الابارتيد في جنوب افريقيا حتى نيلها الحرية وحقوقها المشروعة. واستمرار في مقاومة التمييز العنصري الصهيوني حتى انتصار الشعب الفلسطيني في كفاحه من اجل الحرية والاستقلال.
مواصلة المناضل الافريقي القس توتو لنشاطه الانساني من اجل الحق والعدل اشارة كبيرة على حيويته وصدقه ووفائه لمبادئه وقيمه الانسانية، وهي بالتأكيد عبرة بليغة لمن يتصدى للقضايا العادلة والإنسانية على مختلف الصعد والاتجاهات، ومنها طبعا قضية الشعب الفلسطيني. وهو في كتاباته وتصريحاته ومداخلاته في المؤتمرات والحركات التحررية والمناضلة في سبيل التحرر يؤكد من جديد دور التضامن والكفاح المشترك في العالم في انجاح القضايا العادلة وضمان انتصارها، ويقدم نموذجا حيا يدعم أهمية الدعوة الى تنشيط التحالفات العالمية والهيئات والمنظمات الانسانية وتحشيد الرأي العام العالمي ليقدموا ادلة اخرى على قوتهم وتأثيرهم على القرارات الدولية وانتصارات الشعوب المكافحة في سبيل التحرر والحرية والعدالة والتنمية والحقوق المشروعة.